(تصطفلوا.. وبتوفروا)
بعد أن شرحت الحكومة وعلى لسان رئيس الفريق الاقتصادي فيها، السيناريو الذي ستتبعه في المرحلة الأولى على طريق رفع الدعم عن المحروقات، وطرحته تحت شعار (إعادة توزيع الدعم لإيصاله لمستحقيه)، بينت أنها ستكون ديمقراطية مع أبنائها المواطنين، وستخيرهم بين أحد أمرين: فإما أن يقبلوا بـ 12 ألف ليرة سورية سنويا لكل صاحب دفتر عائلة منهم، وذلك كبديل نقدي يعوضه عن انخفاض قيمة دخله نتيجة رفع أسعار المحروقات (وفق الآلية التي طرحتها الحكومة)، أو أن يختاروا زيادة لرواتب إخوانهم الموظفين في القطاع الحكومي مقدارها 15% ستؤدي (بحسب الحكومة) إلى رفاه هؤلاء الموظفين، وهذه الرفاهية ستنعكس بدورها رفاهية على بقية إخوانهم المواطنين من غير الموظفين على مبدأ (الخير يعم). ولكن، وقبل أن تستفتي الحكومة المواطنين لمعرفة أي الخيارين يريدون، قام أحد الزملاء بإجراء استبيان لآراء عدد من المواطنين من شرائح مختلفة، طرح من خلاله خياري الحكومة على هذه الشرائح، فخرج بنتيجة أن النسبة العظمى من المواطنين قد فضلوا خياراً ثالثا غير الخيارين اللذين وضعتهما الحكومة وهو: (لا نريد زيادة في الرواتب ولا نريد الـ 12 ألف ليرة، وإلنا الله).
إن الخطوات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا برفع أسعار المحروقات بدءاً برفع أسعار البنزين من 30 ل.س إلى 36 ل.س تعكس مدى حرصها على تلبية رغبات أبنائها المواطنين، إذ يبدو أنها اطلعت على الاستبيان المنوه عنه أعلاه، فاعتبرته بمثابة الاستفتاء الذي كانت تنوي أن تقوم به، فتبنت ما جاء فيه من نتائج وأخذت برأي الغالبية العظمى من المواطنين المتمثل برفض خياري الحكومة، وكان ردها العملي على هذا الرفض هو (تصطفلوا وبتوفروا)، فبدأت بتنفيذ خطتها بإعادة توزيع الدعم عن طريق رفع أسعار المحروقات بدءاَ من البنزين دون بدائل نقدية لأحد، فكانت مثل رب الأسرة الذي يقرر أن يحرم أبناءه من العشر ليرات التي يأخذونها كـ(خرجية)، فيخيرهم بين أن يأخذ كل منهم كيس شيبس سعره ليرتان ونصف، أو أن يعطي واحدا منهم فقط عشر ليرات كي يوزعها عليهم بمعرفته، فيكون موقف الأبناء من عرض أبيهم أن (يحردوا) ويرفضوا كلا خياريه، فيجدها فرصة لحرمانهم نهائيا من المصروف، فإن كانت حكومتنا ستستغل (حرد) معظمنا وتمضي في رفع أسعار المحروقات دون أي تعويض، تكون قد أثبتت لجميع منتقديها أن إعادة توزيع الدعم وإيصاله لمستحقيه ما هو إلاّ شعار براق تستخدمه للمضي في رفع الدعم.