حول الانقسامات في الحركة الشيوعية ..
بدعوة من لجنة محافظة دمشق لوحدة الشيوعيين السوريين، أقيمت ندوة حوارية مع الباحث الرفيق د. عبد الله حنا، تم خلالها مناقشة الظروف والمناخات والأسباب التي أدت إلى الانقسامات في الحركة الشيوعية العربية عموماً، وفي الحزب الشيوعي السوري خصوصاً..
حنا أكد في بداية حديثه أن وحدة الشيوعيين في هذا الوقت أصبحت ضرورة ملحة في ظل الموجة الطاغية العاتية للأصولية الظلامية المتزمتة، لكنها صعبة التحقيق ولاتكفي وحدها، لأننا بحاجة إلى وحدة تنويرية نهضوية، تضم جميع الفئات التي تدعو إلى التقدم..
ثم شرع بالحديث عن الحزب الشيوعي السوري الذي تعرض في الثلث الأخير من القرن العشرين إلى سلسلة من الانقسامات، بعدما كان معروفاً عنه في منتصف القرن العشرين بأنه حزب حديدي متماسك، لاتهزه الأعاصير. وجاءت الانقسامات نتيجة جملة من الأسباب، داخلية وخارجية، أدت إلى ظهور فصائل متناثرة، وهذه الظاهرة نجدها في جميع الأحزاب العلمانية السورية، مما يدل على أن هناك عوامل كثيرة للانقسامات يأتي في مقدمتها الأخطاء السياسية المرتكبة، وبسبب تخلف القيادات..
فيما يتعلق بالحزبي الشيوعي السوري ثمة أسباب أدت إلى هذا المصير، فهناك من درسوا في الدول الاشتراكية وعادوا أواخر الستينات، وقسم كبير منهم يحمل من المعارف والخبرات أكثر بكثير من بعض الكوادر الموجودة في الداخل الذين لم تتح لهم إمكانية الخروج إلى خارج البلاد، وأكبر مثال على ذلك الرفيقان «فوزي الزعيم، وخليل الحريري»، ففوزي الزعيم الذي أصبح شيوعياً على يد ناصر حدة وليس على يد خالد بكداش كما هو سائد، كان نجماً لامعاً في الثلاثينات وأوائل الأربعينات، لكن عندما دخل بعض المثقفين الحزب مثل رشاد عيسى ونجاة قصاب حسن وكامل عياد، وحدث التفاف كبير حولهم، أصبح الزعيم يشعر أنه لم يعد باستطاعته فعل شيء، فاتجه إلى أشياء أخرى بعيدة عن سياسة الحزب وتصرفاته، وانتهى. والحالة نفسها تكررت مع خليل الحريري ومع معظم القيادات..
وعقب المحاضرة، جرى حوار موسع، وقدمت مجموعة من المداخلات نورد منها:
• الرفيق سلام الشريف:
من خلال الدراسة تبين أن المحاضر تعامل مع النتائج أكثر من تعامله مع الأسباب، وهذا يعود إلى عدم مراعاته للعوامل الذاتية والموضوعية في الحركة. والمحاضرة ركزت بشكل كبير على العوامل الذاتية، وتحدث عن العوامل الخارجية على أساس أنها جزء من العوامل الموضوعية وبالحقيقة أنها ليست كذلك مثل سيطرة الفئات غير المنتجة على المجتمع وعدم المقدرة على تحرير فلسطين وما شابه ذلك، لأن العوامل الموضوعية مرتبطة أصلاً بموازين القوى وتغيرها والتي لها علاقة بالصراع العالمي عموماً.
• الرفيق محمد دياب:
كنا نتمنى كشباب، سماع شيء عن الأسباب الموضوعية لتراجع الحركة بشكل عام كسبب أساسي للانقسامات، وعن سلوك القيادات بالحزب بالشكل المعمم وليس بالشكل الذي طرحه المحاضر وخاصة بما يخص الأسباب الداخلية، مثل إدانة شخصيات وذكر أسماء، لأن ذلك لن يخدم وحدة الشيوعيين السوريين، بل يعطلها تماماً، ولا يهمنا كشباب ذكر هذه الأسماء، لأن هناك مهمات بانتظارنا هي أهم وأشمل من كل ماذكر.. ووحدة الشيوعيين السوريين في هذا الظرف تعتبر من الأولويات لتكوين حزب شيوعي جديد.
• الرفيق علاء عرفات:
إن الرفيق المحاضر جمع مادة كبيرة واستخلص استنتاجات استناداً لمعارفه، وبما أنه باحث مشاكس فليسمح لنا أن نكون مشاكسين مثله، فهو يقول إن وحدة الشيوعيين صعبة التحقيق، مطالباً بوحدة اليساريين جميعاً، وهذا يعتبر جزءاً من التناقض في المحاضرة، فإذا كانت الوحدة صعبة فهذا يرتبط بمفهومنا للمسألة، فوحدة الشيوعيين لاتعني تجميع الفصائل أو التيارات، بل تعني عودة الحزب للعب دوره في المجتمع، وإحدى جوانبها هي توحيد الشيوعيين، وهذا يختلف عما يتم التفكير به بالمعنى الشكلي. وأنا كرفيق شيوعي قديم لم أسمع بتاتاً أن الرفيق خالد بكداش هو الذي جاء بفوزي الزعيم للحزب، بل حسب الوثائق الحزبية وكما ذكر الرفيق خالد أكثر من مرة في مذكراته بأن الزعيم هو الذي نسًب خالد بكداش للحزب (خالد بكداش يتحدث).
..الحزب الشيوعي السوري هو فصيل وجزء من حركة التحرر العربية وجزء من الحركة الشيوعية العالمية، ولكي نفهم ماجرى في هذا الحزب يجب أن نفهم ماجرى في الحركة الشيوعية والتحررية ككل، وهذا العنصر غير واضح ولم يأخذ حقه كاملاً في عملية البحث.
ثم إذا اتجهنا للعوامل الاجتماعية الاقتصادية. فإن أول أزمة حصلت للحزب الشيوعي ظهرت مع نمو الطبقة العاملة، التي ترافقت مع التأميمات وتأثير الصناعة، والمنطق يقول بهذه الحالة إنه كان يجب تنشيط الحزب، وهذا لم يحدث، وهكذا، ومع قصور برنامج الحزب الاجتماعي الاقتصادي في عام 1966 أتت قوى أخرى، والتقطت الحالة، وتحولت إلى قوى صاعدة واتجهت القاعدة الاجتماعية متمثلة بالعمال والفلاحين إلى تلك القوى، وهنا وقع الحزب في أول المآزق مما أدى به للاتجاه لوضع برامج جديدة وهذا ماجاء تماماً في مقال الرفيق خالد بكداش المؤلف من /40/ صفحة بعنوان سورية على الطريق الجديد الذي وضع فيه ملامح المستقبل اللاحقة، فالحزب قدم برامج، ولكن المشكلة أنه لم يستطع تنفيذ هذه المهمات فتوصل بعض الأعضاء أو القيادات إلى نتيجة مفادها إن هذه المهمات أما أنها لم تصغ جيداً أو أن القيادات لم تنفذها بشكلها الصحيح، وهذا التفسير كان ذاتياً، لذلك عندما قال ظهير عبد الصمد إن الخلاف لم يكن فكرياً ولا سياسياً، بل كان تنظيمياً كان يقصد بالضبط هذه المسألة، وكأنه يقول: لا دخل لنا لأن خالد بكداش هو الذي يضع الخط السياسي، والحل حسب ظهير عبد الصمد هو إزاحة خالد بكداش..
ذكر المحاضر بعض القضايا منها، أنه يمكن إرجاع الأزمة إلى سوء سياسة الحزب وتخلف قيادته، ونحن هنا بحاجة لبراهين على هاتين النقطتين لأنني أعتقد أن سياسة الحزب الشيوعي ومنذ نشوئه، إلى أواخر الستينيات كانت سياسة جيدة جداً وجديرة، فما هو السيء بسياسته؟ ثم ماذا يعني تخلف قيادته؟ وكأن المحاضر يضع اللوم على خالد بكداش ليوجد إشكالية بالأزمات أو بسؤال هل خالد بكداش فعلاً شخصية إشكالية، فإذا عدنا للأزمات فإننا نجد أن كل القيادات التي كانت تتذمر من حكم خالد بكداش أصبحت قيادات مستقلة في أحزابها وتنظيماتها، وليعطني أحد نصاً مكتوباً لأي من هؤلاء القيادات له قيمة علمية بالمعنى الماركسي، وأقصد هنا أن خالد بكداش كان يقف بالصف الأول بالمعرفة والذي يليه كان يأتي بعد عشرين صفاً، ثم أن خالد بكداش بعيداً عن شخصية الكاريزمية، كان متعدد المواهب بالمعنى العلمي والمعرفي والجماهيري، والعلم الماركسي ليس علماً بسيطاً في الاستيعاب والقدرة على فهمه.
• الرفيق حمزة منذر:
منذ 15/3/2002 عند التوقيع على ميثاق شرف الشيوعيين السوريين، تعاهدنا ألا نتشاتم، وأن نبحث عن الحلول في الماضي والحاضر والمستقبل، تعاهدنا أن نكوّن رؤية موضوعية جديدة، للمهمات والمشاكل التي تواجهنا. ومنذ ذلك التاريخ بدأت الاجتهادات تكتب في هذا الموضوع، ووضعت أربع أوراق عمل، واستمر النقاش على هذا الأوراق الأربع لمدة سنة وشهرين، وشارك في النقاش أكثر من 1810 رفاق ورفيقات وأصدقاء وصديقات في موضوعات: حول أزمة الحزب، والمرجعية الفكرية، المهام السياسية الأساسية، وآليات عمل الهيئات الحزبية، وبالنسبة لموضوع أزمة الحزب طرحنا سؤالاً: أيهما أسبق الأزمة، أم التراجع؟ ومن ولّد الآخر؟ ومن خلال التحليل العلمي الملموس استنتجنا أن التراجع هو الذي ولّد الأزمة، وبشكل واضح جداً..
إن التراجع أدى إلى حصول الأزمة مما أدى إلى انسداد أفق مؤقت، فكنا نعيش بعقلية المنتصرين في وقت أن الحركة في العمق كانت تتراجع.
واليوم وبعد أن تجاوزنا مرحلة الانسداد المؤقت، مازال المرض موجوداً عند بعض الرفاق والأصدقاء أو الباحثين، فإذا نظرنا إلى المستوى الكوني نجد أننا في مرحلة انتصار ونهوض وانعطاف ومازال البعض يعيش عقلية المهزومين..