عبسي سميسم عبسي سميسم

التعليم المهني.. الواقع محبط والوعود كثيرة

على الرغم من كل الأموال الطائلة التي تصرف، وكل المشاريع التي تطرح لتطوير التعليم المهني والتقني، إلا أن هذا التعليم لا يزال بنظر المجتمع وفي الواقع، هو تعليم (أفضل من بلا)، فعملياً طلاب التعليم المهني الذين يتخرجون من المرحلة الثانوية سيقبل 30 ـ 50% منهم في معاهد التعليم المهني، بينما سيخرج القسم الأعظم خارج إطار التعليم، إما ليبحث عن عمل لا يمت بصلة لما تعلمه في مدارس التعليم المهني، أو لينضم إلى طابور العاطلين عن العمل، بينما سيمضي الطلاب المقبولون في المعاهد سنتين أخريين على مقاعد الدراسة، لينضم القسم الأكبر منهم بعد التخرج إلى زملائهم خريجي الثانوية في البحث عن فرصة عمل، بينما يتم تعيين عدد محدود من المدعومين منهم في وظائف لا علاقة لها بمهنهم . في السنوات الثلاث الأخيرة، كثر الحديث في وزارة التربية عن خطط ومشاريع لتطوير هذا القطاع الهام من التعليم، والذي يشكل القطاع الأهم من قطاعات التعليم في الدول المتقدمة، أو التي تريد أن تتقدم، وللتعرف على واقع التعليم المهني التقينا عدداَ من المسؤولين في وزارة التربية ومديرياتها وعدداَ من المهتمين في هذا المجال.

الخطط الموعودة

أكد د.سعيد خراساني رئيس دائرة المناهج والتوجيه للتعليم المهني والتقني في الوزارة، أن وزارة التربية تعمل على محاربة النظرة الدونية في المجتمع تجاه التعليم المهني والتقني، ولدى سؤالنا عن مدى ربط التعليم المهني بسوق العمل في خطط الوزارة، أجاب: «لدينا خطة تقوم على تأمين أكبر قدر من فرص العمل للخريجين، إضافة إلى مشروع بدأنا به منذ العام 2005 لتطوير وتحديث التعليم المهني والتقني، ويعتمد هذا المشروع في الأساس على دراسة حاجات سوق العمل، ودراسة المهارات الأساسية التي يجب أن تتوفر لدى الطالب ليتمكن من العمل بكفاءة ضمن القطاعين العام والخاص، وقد زودنا الاتحاد الأوربي بخبراء لتطوير المناهج، كما أننا نتشاور مع وزارة الصناعة وغرف الصناعة لنحيط بجميع المهارات الأساسية التي يحتاجها سوق العمل، ونركز على هذه المهارات في تطوير مناهجنا، إضافة إلى اعتمادنا على معايير مهنية في تحويل ملاحظات وزارة الصناعة إلى منهاج دراسي، وقد وصلنا إلى المراحل الأخيرة في هذا المشروع وهي مرحلة التغذية الراجعة، وهي تقييم للمنهاج الذي وضعناه بعد أن أخذنا بملاحظات سوق العمل ووضعناها ضمن منهاج تربوي وفق المعايير المهنية، وذلك بإعادة مناقشتها مع سوق العمل من جديد لاعتمادها بشكل نهائي والمباشرة بتأليف المناهج الجديدة»، ولدى سؤالنا عن المدة الزمنية التي سيستغرقها إعداد هذه المناهج أجاب: «غالباً، سننتهي من إعادة تصميم المناهج في نهاية العام الحالي، وسنبدأ بتأليف المناهج الجديدة في بداية العام 2008، لتكون جاهزة خلال سنة، وسنطبقها لمدة سنة تجريبية على 10 مدارس لكي نتمكن من دراسة التغذية الراجعة (أي دراسة سلبيات وإيجابيات المنهاج بعد التطبيق العملي)، وذلك لاعتمادها بشكل نهائي في جميع المدارس».

وأضاف د.خراساني : «أعتقد أن المنهاج الجديد الذي ستعتمده الوزارة سيحد كثيراً من النظرة السلبية إلى التعليم المهني، لأننا لمسنا أن سوق العمل بحاجة ماسة إلى عمال مهرة يستطيعون التعامل مع تقنيات الإنتاج التي تتطور باستمرار، فطالب التعليم المهني عندما يملك تلك المهارات فهو بالتأكيد سيكون مطلوباً في سوق العمل».

التعرف إلى عالم الأعمال مشروع آخر لوزارة التربية

وتحدث د. خراساني عن مشروع أخر تقوم به وزارة التربية، وهو مشروع يتم بالتعاون مع الاتحاد الأوربي، ويقوم على إعطاء حصتين درسيتين إضافيتين للتعرف على عالم الأعمال، يتعلم من خلالهما الطالب كيف يكوِّن عملاً أو مشروعاً صغيراً لنفسه (بذرة المؤسسات الصغيرة)، وبيَّن أن الوزير قد عمم هذا المشروع في الخطة الدرسية لعام 2007/2008..

- ما هي أهم المشاكل التي تواجهكم؟

- أهم مشاكلنا هي عدم تقبل الناس للتعليم المهني، والنظرة الدونية للمجتمع لهذا التعليم..

- ولكن في الواقع التعليم المهني لا يزال بلا مستقبل؟

- إن الخطط المطروحة، عندما تثبت جدواها على أرض الواقع، فهي بالتأكيد ستحسن من مستقبل التعليم المهني.

- هل لديكم مشاكل أو نقص في التجهيزات أو المخابر أو الورش؟

- إن تجهيزات وورش ومخابر التعليم المهني هي من أفضل التجهيزات وهي متقدمة على مخابر وتجهيزات الجامعات بعشرات السنين، وينفق عليها سنوياً ملايين الليرات.

لجان مسح إحصائي للتعليم المهني

المهندس محمد سميسم، المدير المساعد لشؤون التعليم المهني والتقني في تربية إدلب، أكد أن النظرة الدونية من المجتمع تجاه التعليم المهني يمكن أن تتغير بشكل نسبي، إذا ما تم فتح آفاق جديدة أمام طالب التعليم المهني، وإذا تم ربط هذا التعليم بسوق العمل بشكل يجعل من الطالب مهنياً خبيراً يمتلك جميع المهارات التي يتطلبها سوق العمل، وذلك بتعليمه وفق مناهج متطورة ومواكبة للتطور التكنولوجي في العالم. وأضاف المهندس محمد: لقد خطت وزارة التربية خطوات جيدة في هذا المجال، فقد وصلت إلى المراحل الأخيرة من مشروع تطوير التعليم المهني وفق معايير مهنية دقيقة، وقد تم تكليف كل مديريات التربية بإجراء مسح إحصائي للتعليم المهني ودراسة حاجة سوق العمل إلى خريجي هذا التعليم، وبيان أسباب عدم استيعاب الخريجين، وقد شكلنا في تربية إدلب لجنة للمسح الإحصائي مهمتها مقابلة خريجين من العام 2001 إلى عام 2005 ودراسة أوضاعهم، وأماكن عملهم، وهل هم يعملون في مجال اختصاصهم أم لا، ودراسة أسباب عدم عملهم في مجال اختصاصهم، إضافة إلى قيامها بزيارات للمنشآت الصناعية والتجارية في القطاعين العام والخاص، وتعبئة استبيان يتضمن عدد خريجي التعليم المهني المعينين في تلك المنشآت، وتحديد نسبتهم وبيان سبب عدم تعيين نسب أعلى من هؤلاء الخريجين في حال كانت النسبة متدنية، وبيان الكفاءات التي يجب أن تتوافر لدى الخريج لتعيينه في المنشأة، وذلك لربط خريج التعليم المهني بسوق العمل، وبيَّن أن هذا المسح هو في مراحله الأخيرة، كما أكد على وجوب إحداث مهن جديدة في حال تطلب سوق العمل ذلك، وإلغاء المهن التي لا يحتاجها هذا السوق، موضحاً أن إضافة مهنة تقنيات الحاسوب في محافظة إدلب كانت تجربة ناجحة جداً، وأن جميع خريجي هذه المهنة قد وجدوا فرص عمل وهم يعملون ضمن اختصاصهم سواء في القطاع العام أم الخاص، فعلى سبيل المثال، أعلنت التربية عن مسابقة لخريجي تقنيات الحاسوب منذ مدة، فكان العدد المتقدم للمسابقة أقل من العدد الذي طلبته الوزارة، مما يدل على نجاح هذه المهنة ووجود طلب عليها في سوق العمل.

على طريق ربط التعليم المهني بسوق ذ

وتحدث المهندس فهمي الأكحل، من مديرية التعليم المهني في وزارة التربية، عن برنامج التلمذة الصناعية الذي تقوم به الوزارة بالتعاون مع غرف الصناعة، فقال: «تقوم الفكرة على ربط طالب التعليم المهني بسوق العمل مباشرة، وذلك من خلال عقد التدريب الذي هو عبارة عن اتفاق بين ثلاثة شركاء هم المؤسسة التعليمية وصاحب العمل والطالب، حيث يوافق صاحب العمل فيه على توفير أفضل تدريب عملي وخبرة وإشراف للطالب حتى يصبح عاملاً ماهراً في نهاية فترة التلمذة الصناعية، كما يدفع صاحب العمل حافزاَ مادياَ متفقاً عليه بين المؤسسة التعليمية وغرفة الصناعة، بحيث يقدم 500 ل.س للسنة الأولى – 600 ل.س للسنة الثانية – 700 ل.س للسنة الثالثة كحد أدنى للطالب، وبتشجيعه على الالتحاق بالدروس النظرية في المدارس والمعاهد التابعة لوزارة التربية وتنفيذ ومتابعة الامتحانات العملية، كما ويتم معاملة الطالب باحترام، وبالمقابل فإن الطالب يوافق على القيام بخدمة صاحب العمل بأمانة وبإخلاص، وأن يبذل قصارى جهده لتعلم المهارات الوظيفية، كما ويجب على الطالب تطبيق تعليمات الأمن والسلامة المهنية المتبعة ضمن المؤسسة التدريبية».

ولدى سؤالنا عن النتائج المرجوة من هذا البرنامج أجاب: «هناك ثلاث نتائج مرجوة، هي زيادة فعالية وكفاءة نظام التعليم والتدريب المهني في القطاعات الاقتصادية الرائدة، ووضع استراتيجية خاصة بالتعليم والتدريب المهني وإقرارها من الجهات المعنية، وتعزيز شروط الأداء لسوق العمل بما يؤدي إلى تحسينها».

التعليم المهني.. واحتياجات المجتمع

رئيسة دائرة التعليم المهني والتقني في تربية ريف دمشق، السيدة أميرة الخطيب، أكدت أن التعليم المهني والتقني هو عملية استثمارية تلبي احتياجات المجتمع، وهو أكثر أنواع الاستثمار تكلفة وأصعبها، ولكنه أقصر الطرق، بل إنه الطريق الوحيد لتطور الشعوب وتقدمها، ولدى سؤالنا عن أهم الأسباب التي أدت إلى عدم تطور التعليم المهني، أجابت: «برأيي هناك ستة أسباب أدت إلى إعاقة تطور التعليم المهني وإلى النظر بسلبية إليه وهي:

1 - فرز الطلاب ذوي التحصيل العلمي المتدني لهذا النوع من التعليم الذي يحتاج إلى عقول مفكرة ومبدعة، إضافة إلى أن اعتماد الدرجات الدونية للتعليم المهني خلق انطباعاً دونياً عن هذا التعليم..

2 - عدم توافر الأبنية اللازمة.

3 - عدم تناسب نسبة أقنية التعليم المفتوحة (جامعات + معاهد) مع نسبة قبول الطلاب.

4 - عدم وجود فرص عمل بعد تخرج الطالب من الثانوية أو من الجامعة.

5 - البطء في عملية تطوير المناهج الخاصة بالتعليم المهني.

6 - نقص المهندسين المختصين والمدرسين المؤهلين لتنفيذ المناهج النظرية والعملية والمواكبة لتطور المجتمعات الأخرى».

- ما هو الحل برأيك للنهوض بالتعليم المهني وتعديل النظرة السلبية له من المجتمع؟

* النهوض بالتعليم المهني، يتم بإحداث مدرسة مهنية ونموذجية تضم كافة الاختصاصات المهنية (كهرباء - ميكانيك - إلكترون - حاسوب - زراعة)، مجهزة بأحدث التجهيزات والمختبرات التكنولوجية التي تواكب التطور الموجود في المجتمعات الكبرى المتطورة.

وشروط قيام هذه المدرسة:

1 - أن يتم قبول عدد قليل ومحدد من الطلاب لا يتجاوز الـ100 طالب فقط.

2 - أن تتم المفاضلة فيها بأعلى الدرجات في مرحلة التعليم الأساسي.

3 - أن يتم توزيع الـ100 طالب على الاختصاصات المهنية الخمسة بحيث يستوعب كل اختصاص ما يقارب من (4-5) طلاب لكل مهنة.

4 - أن تقوم الدولة بتعهد ورعاية ومتابعة التحصيل العلمي لـهؤلاء الطلاب بعد تخرجهم من الثانوية وإيفادهم خارج القطر إلى الدول الصناعية الكبرى مثل: اليابان – الصين – كوريا – ألمانيا – فرنسا..

5 - أن تقوم الجهات المعنية والراعية بتأسيس مشروع استثماري ضخم (صناعي – زراعي) بحيث يكون جاهزاً عند عودة هؤلاء الطلاب كخبراء من الدول التي درسوا فيها، من أجل إدارة هذا المشروع ووضع خبراتهم فيه، وبذلك تكون الدولة قد أمنت فرص عمل أكيدة للمئة طالب المنتسبين إلى هذه المدرسة، وهذا السبب الذي سيجعل الطلاب ذوي التحصيل العلمي العالي جداً والذين يتميزون بفكر ذهني مبدع يتهافتون للتسجيل في هذه المدرسة..

6 - أما بالنسبة لبقية المدارس المهنية، يمكن الاستمرار فيها بمناهجها وأنظمتها المطورة على أن تخفض نسبة القبول فيها إلى 20% فقط، وتحدد علامات القبول لهذا النوع من التعليم فوق الوسط حتى الجيد، والأخذ بعين الاعتبار علامة مادة الرياضيات بدرجة جيد كحد فاصل للقبول أيضاً.

وبالنسبة لهؤلاء الخريجين من الثانوية المهنية يتم استيعابهم في الأقنية المفتوحة حالياً (معاهد + نسبة قبول في الجامعات) وبعد تخرجهم يتم امتصاصهم في المشروع الضخم نفسه الذي أسسته الدولة، كفنيين وعاملين ومختصين، لإكمال الأطر الفنية التي يحتاجها هذا المشروع.

إن هذه التجربة إن نجحت، سيتم بعدها تأسيس مشاريع أخرى ضخمة في جميع المجالات (الزراعية – الصناعية – التجارية....) والتي يمكن من خلالها أن ينهض المجتمع ويتطور.

وفي النهاية نقول: ما يزال التعليم المهني إلى الآن استثماراً غير مجد بانتظار ما يخطط له من وزارة التربية التي تعد بالكثير، فهل تتحقق هذه الوعود ويتحول هذا القطاع من التعليم إلى رافد أساسي للموارد البشرية المساهمة بشكل فعال في التنمية؟.. نتمنى!