الدرباسية.. واقع صحي رديء رغم توفر الكوادر والمنشآت
تبعد ناحية الدرباسية عن مركز محافظة الحسكة أكثر من سبعين كيلومتراً، وتبعد عن رأس العين أكثر من خمسين كيلومتراً، والمسافة نفسها عن مدينة القامشلي، وهناك مشفى وطني كبير نسبياً في القامشلي، ومثله في رأس العين، عدا عن المشفى الوطني الموجود في مركز المحافظة، أما في الدرباسية فإنها تفتقد ذلك..
فقد تم هدم المركز الصحي بالدرباسية، وتم إنشاء بناء من طابقين يصلح ليكون مركزاً إسعافياً سعته أكثر من عشرين سريراً، فقامت مديرية الصحة بتحويله إلى مركز للتوليد الطبيعي، وقد مضى على افتتاحه أكثر من عامين، وبعد أن تم تجهيز هذا المركز بكل الأجهزة والأدوية النسائية اللازمة، إلا أن هذا المركز ما يزال متوقفاً عن العمل بحجة عدم وجود كادر فني من القابلات القانونية لتغطية العمل في المركز.
وكما هو معروف فإن بناء هذا المركز قد كلف الدولة مبالغ طائلة جداً، عدا عن الأدوية التني ما تزال محفوظة منذ فترات طويلة وربما تعرضت للتلف وعدم الصلاحية، وكذلك الأمر بالنسبة للتجهيوزات الأخرى، هذا عدا عما يتكلفه المواطن من أعباء مالية لقاء التوليد في المشافي الخاصة أو عند أطباء القطاع الخاص، خاصة وأن المهمة الرئيسة لهذا المراكز هي تقديم خدمات مجانية للمواطن.
هذا بالنسبة لمركز التوليد، أما بالنسبة للمركز الصحي (المستوصف) الذي من المفروض أن يقدم الخدمات الإسعافية للمواطنين قبل كل شيء وبشكل مجاني، فإن هذا المستوصف يفتقر للأدوية الإسعافية كالأمصال المضادة للدغات العقارب وعضات الأفاعي، فتصوروا لو لدغ العقرب إنسان فالمصل غير متوافر في المستوصف وما على المواطن إلا أن يلجأ إلى الصيدليات المتعاملة بالأدوية المهربة ،ومثل هذه الأدوية مشكوك في صلاحيتها وفعاليتها ومصدرها، وللأسف، فما أكثر هذه الأدوية في صيدليات محافظة الحسكة عموماً والدرباسية خصوصاً، ويجري ذلك تحت أنظار نقابة الصيادلة ومسؤولي الصحة، وكذلك الأمر بالنسبة لأدوية الأمراض المزمنة كالسكري والحمى المالطية وارتفاع ضغط الدم (التوتر الشرياني)، فمثل هذه الأدوية غير متوافر في مستوصف الدرباسية، وعندما يضطر أحد المرضى من المصابين بالحمى المالطية للجوء للمركز، سيكتشف أن هذا المركز لا يستطيع فعل شيء من أجله إلا أن يزوده بإحالة إلى رأس العين كي يحصل على دوائه مجاناً، وهذا يتسبب بكثير من العناء والألم للمريض حيث سيضطر للسفر مسافة تتجاوز الخمسين كيلومتراً ذهاباً، ومثلها إياباً، مع كل ما يعنيه ذلك من تكبده مبالغ مالية لقاء أجور السفر والعودة..
من جهة أخرى، يجب لفت النظر إلى أن مستوصف الدرباسية يفتقر إلى أبسط المستلزمات الطبية الضرورية كخيوط الجراحة لحالات الجراحة البسيطة، كما أنه يفتقر إلى أبر الحقن (السرنكات)، وغالباً ما يلجأ من أصيب بجرح سواء أكان عميقاً أو بسيطاً إلى الصيدليات ليشتري خيطج الجراحة، وكذلك إبر الحقن.
كلنا بعلم أن المهمة المراكز الصحية هي تأمين الراحة والمعالجة الإسعافية مجاناً، فلو لم تكن هذه مهمتها بالله فلماذا أشيبدت إذاً؟! وبالتالي ما هو مبرر وجودها؟!
يذكر أنه منذ قرابة شهرين وزعت مديرية الصحة شرائح اختبار الحمل الحيوي (TAST) للمراكز الصحية، وهي تستعمل لكشف الحمل عند النساء، وهذه الشرائح من نوع (ONE STEP) وهي غير معروفة الشركة الصانعة لها، ولا حتى الدولة المنشأ التي صنعت فيها هذه الشرائح، ويخشى الكثير من الناس أن تكون مصنوعة في دول معادية (إسرائيل مثلاً)، وفوق كل ذلك كانت هذه الشرائح فاسدة، وعندما أثير هذا الموضوع في وسائل الإعلام الالكترونية، وتمت المطالبة بإجراء تحقيق شفاف لكشف من وراء صفقة كهذه، اكتفت مديرية الصحة بسحب هذه المادة من التداول دون إجراء أي تحقيق لكشف ملابسات الموضوع، علماً أن هذه ليست المرة الأولى التي توزع فيها أدوية مخبرية فاسدة، إذ كانت المديرية في فترة سابقة قد قامت بتوزيع أدوية مخبرية لكشف الحمى المالطية، حيث أجرى أحد المرضى تحليل الحمى المالطية، فكانت النتيجة سلبية، أي بدا أن المريض غير مصاب، فلما استفحل المرض به وكاد أن يودي بحياته، تبين أنه مصاب بالحمى المالطية، وفي نهاية المطاف تبين أن ذلك الدواء المخبري كان فاسداً!! ولما علم المركز الصحي بالدرباسية بالأمر، ما كان منه إلا أن أعاده إلى مصدره (رأس العين)، وكل ذلك تم دون إجراء أي تحقيق بالملابسات!!
فإلى متى الاستهتار بسلامة وحياة مواطنينا يا مسؤولي صحة الحسكة؟؟ وهل يستحق مواطننا المغلوب على أمره كل هذا الاستهتار بصحته؟؟
إن أهالي الدرباسية يطالبون الجهات العليا في الدولة بالسعي الجاد لتحويل مركزهم الصحي إلى مركز إسعافي، وبذلك يمكن أن يجري التوليد الطبيعي والجراجي، وكذلك معالجة الأمراض الإسعافية الأخرى، وهذا لن يكلف الدولة مبالغ كبيرة فوق احتمالها، لأن تجهيزات المركز الإسعافي برأس العين ستتأكل بفعل الصدأ ويمكن الاستفادة منها بالدرباسية، سيما وأن الكادر الطبي ومن كافة الاختصاصات الطبية والمتعاقد مع وزارة الصحة متوافر بالدرباسية، وقسم من هؤلاء مقيمون فيها، وكذلك تأمين الأدوية الإسعافية وأدوية الأمراض المزمنة، وذلك تأميناً لراحة المواطنين، وتوفيراً لكلف سفرهم إلى رأس العين..
إبراهيم ولي عيسى