لكي لا نخسر كل ما حققه الاستصلاح!!
بدأت الدراسات لمشروع استصلاح الأراضي في وادي الفرات الأدنى في دير الزور منذ أواخر السبعينيات، وبدأ العمل في المشروع بالقطاع السابع في منطقة البوكمال عام 1982، ثم القطاع الخامس في منطقة الميادين، والثالث في مدينة موحسن، والأول في منطقة التبني، وكلها على الضفة اليمنى لنهر الفرات، ويقابلها على الضفة اليسرى القطاعات: 8، 6، 4، 2، وكلف المشروع مليارات الليرات. وإذا كان للمشروع إيجابياته التي لا ينكرها أحد، ومنها إيصال المياه لكثير من المناطق التي لم تكن تروى سابقاً، ومد السواقي الإسمنتية والمعلقة، وحفر خنادق مكشوفة لتصريف المياه المالحة، والتي عدل بعض منها إلى الصرف المغطى فيما بعد، إلا أن السلبيات لا تقل عن الإيجابيات، وسبب هذه السلبيات هو: سوء التخطيط، وسوء التنفيذ، وسوء الإدارة والفساد والنهب، إذ ما لبثت هذه السلبيات أن تفاقمت، فأصبح الاستصلاح بحاجة إلى إصلاح.
وقبل الخوض في بعض التفاصيل التي وردتنا من خلال بعض الشكاوى، نود أن نذكر بعض الملاحظات السلبية المهمة والمتعلقة بالمشروع:
1 – إن أراضي وادي الفرات الأدنى في أغلبها، أراض مزروعة ومروية منذ القدم، وبالتالي كان من الأولى استصلاح أراضي باديتي الشام والجزيرة البكر والصالحتين للزراعة، وهذا يعني إدخال آلاف الهكتارات في الإنتاج الزراعي، ولا يخفى على أحد النتائج الايجابية، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، كزيادة الإنتاج الزراعي والحيواني، وتحقيق أكثر من الاكتفاء الذاتي، وتوفير فرص للعمل، وتحسين البيئة والتخفيف من التصحر والعجاج، الذي يعصف بدير الزور من أقصاها إلى أقصاها أغلب فصول السنة، وسينعكس ذلك على الوطن والمواطن، بالإضافة إلى أن حوض الفرات محصور بالأراضي المجاورة للنهر، وهذه، نتيجة التواجد السكاني تعاني من قلة الحيازات، مما يؤثر على مستوى تطور الزراعة وتحديثها سواء بالري الحديث أو المكننة.
2 – جرى إخراج مساحات كبيرة من الأراضي من الإنتاج أثناء عمليات الاستصلاح، كونها خاضعة للنفع العام، ولا يجوز التصرف بها، وإن كان أول من خالف ذلك الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة، التي قامت ببيع شركة (نماء) للهندسة الزراعية (3000) آلاف دونم بسعر زهيد (796 ل.س) للهكتار الواحد، أي عشرة دونمات، يا بلاش؟!
3 – عمليات التسوية للأرض، أدت إلى قشط الطبقة العليا من التربة، وهي بأغلبها تربة (الطمي) الغنية، مما أدى إلى انخفاض خصوبة الأرض، ولم يعوض بدلاً منها، مما انعكس على الإنتاج فيما بعد!
4 – خنادق الصرف المكشوفة التي لا تعزل إلا نادراً، نما فيها الزل والحلفا، وتحولت إلى مستنقعات سطحية، ومأوى للحشرات والجراثيم، لكن خطورتها تكمن في رفع ملوحة نهر الفرات والتربة، كونه يعاد الري بها، ولم يجر معالجتها عبر أحواض ترقيد مثلاً، ثم جرى تحويل بعضها إلى الصرف المغطى، مما خفف من وطأة المشكلة، ولكن لم يحلها.
5 – رغم إنجاز بعض القطاعات كاملة، إلا أنه للآن لم تجر إعادة توزيع الأراضي بعد إخراج المساحات التي احتلتها السواقي والأقنية والمصارف، مما ولد كثيراً من المشاكل الاجتماعية بين الفلاحين، نتيجة تأخير التوزيع!
6 – سوء التنفيذ والفساد، حيث ظهرت آثاره واضحة ومباشرة على السواقي والأقنية، ونقط التوزيع والبوابات، فكميات الاسمنت والتسليح لم تنفذ بالمواصفات الفنية، فذهبت المليارات بين الهدر والفساد، مما تطلب إصلاحاً وصيانة مجدداً، ولدينا الصور التي تبين ذلك بالتفصيل الممل. ووقعت الصيانة الجديدة بمستنقع الفساد نفسه، والهدر وسوء التنفيذ؟!
مثالنا الأخير المفصل على أن الاستصلاح بات يحتاج إلى إصلاح حقيقي وجدي، هو ما جرى في القطاع الخامس في منطقة الميادين وتوابعها، فمنذ سنوات والعرائض والشكاوى الفردية والجماعية، الرسمية والشعبية، تقدم إلى مديرية التشغيل والصيانة والجهات الإدارية والسياسية، ولا تزال الأمور ضائعة بين أخذ ورد ومماطلة وتبريرات واهية، غير حقيقية، نذكر بعضاً منها لمزيد من إيضاح الصورة لمن تهمه مصلحة الشعب والوطن من القلة الباقية من الشرفاء!!
1 – عريضتان من فلاحي جمعية القورية بتاريخ 23 /6 /2001، وثانية بتاريخ 11/7/2002 موجهتان إلى مدير الصيانة والتشغيل، حول المطالبة بتعديل بعض الطرق الزراعية، وإصلاح الفلومات من الرشح، والتملح (السبخ) وانتشاره. وقد وقع على كل عريضة نحو أربعين فلاحاً.
2 – عريضة مقدمة من الفلاح عبدا لله العطية، بتاريخ 22/4/2004 إلى الجهة نفسها، بناء على شكاوى الفلاحين في مدينة القورية حول استجرار المياه من محطة الرفع، والمعاناة بتأخرها نتيجة ارتفاع مستوى منسوب القناة الواصلة إليهم، فتنقطع المياه عنهم قبل الآخرين بست ساعات عند إيقاف المحركات، ولا تصلهم عند التشغيل إلا بعد أربع ساعات، وهذا نتيجة سوء التخطيط والتنفيذ، والحل بسيط، وهو إنشاء مصطبة ارتفاعها (50 سم) تمنع رجوع الماء، تعمل على مبدأ صمام عدم الرجوع، فتحتفظ الساقية بالماء، ولا يكلف هذا الحل كثيراً!!
3 – عريضة حول المواضيع نفسها بتاريخ 8/10/2007 يضاف إليها، انقطاع التيار الكهربائي أو تقنينه، وبالتالي توقف محطات الرفع، مع تأثير موجات الحر والصقيع على الزراعة، والتأكيد على حل إنشاء المصطبة، ووضع ما يسمى (صواريخ) لتسريع الجريان في الساقية الرئيسية، وقد وقع على العريضة (196) فلاحاً، والعريضة محالة من الجمعية إلى الرابطة الفلاحية بالميادين، ومن الرابطة إلى اتحاد الفلاحين بدير الزور، ومن رئيس الاتحاد صبحي الحنان إلى فرع حزب البعث بتاريخ 19/10/2007. هذا بالإضافة لعرائض أخرى متعددة، وها نحن في نهاية الشهر التاسع 2008، ولا تزال الأمور على حالها حتى الساعة ؟!
ولمزيد من المتابعة، قامت قاسيون بزيارة للموقع، وأجرت مقارنة صور الفلومات والسواقي والمصارف، وقد اتضح جلياً سوء التنفيذ من خلال التآكل الغالب عليها، إذ بدت وكأنها أطلال أكل الدهر عليها وشرب.
إن قاسيون تعلن تضامنها مع فلاحي مدينة القورية ومطالبهم، فالإصلاح ليس كلاماً، وليس مصدراً آخر للنهب، ونتوجه إلى المدير العام لمؤسسة حوض الفرات، ووزير الري، ورئيس مجلس الوزراء، لوضع حد للإهمال والتسيب، ومحاسبة المقصرين، وضرب الفاسدين والمفسدين.
إن تحقيق هذه المطالب ليس صعباً، والفلاحون جزء هام من أبناء الشعب والوطن المنتجين، وكرامتهم من كرامتهما، ولن يضيع حق وراءه مطالب.