كيف أصبحت شيوعياً؟

كسنابل القمح العطشى، استقبل فقراء الجزيرة السورية الأفكار الشيوعية، وحملوها في القلب والوجدان، رغم كل النوائب والرياح العاتية الآتية من كل حدب وصوب، وراحوا يبشرون بعالم جديد رغم إرهاب الطغاة وجبروت الإقطاع، واستطاعوا أن يبنوا منظمة عميقة الجذور في هذه البقعة من الوطن العالي.

قاسيون زارت أحد هؤلاء الرفاق القدامى.. الرفيق بشير حسين من تنظيم (صوت الشعب)، وأجرت معه هذا اللقاء:

 الرفيق المحترم أبو عمار كيف أصبحت شيوعياً؟

_ بعد انتشار الأفكار الشيوعية في مناطق الجزيرة ومنها قريتنا (رنكو)، ونتيجة الحس الإنساني لدينا ورغبتنا في الخلاص من الفقر والفاقة، وجدنا أنفسنا بشكل طبيعي مقربين  من الحزب، فقد كان أخي خليل ينقل لنا أخبار الحزب، وبدأت علاقتنا به عام 1953، وفي عام 1955 انتظمت في صفوف الحزب حيث دعانا الرفيق أحمد فرحة للاجتماع في قرية (بليقية) بفرقة ضمت الرفاق حسن ومحمد، وإخوتي خليل ونوري وبدران..

وفيما بعد صارت صلتنا مع  الرفيق حكمت دوله، ثم أصبحتُ عضوا في اللجنة الفرعية مع الرفاق نذير وحميد صالح و خلف من (أبو دويل)، وكلفت عام 1956بالعمل في القرى المجاورة، وكنت أزور مع الرفيق نذير عبد القادر قرى (حاج ناصر، غزاليكه، توكه، اولجيا، جودارا) لنوصل إليهم مطبوعات الحزب ونشرح لهم سياسته ونجمع التواقيع ضد القنبلة الذرية، وأذكر أنني اقترحت أن يكون الرفيق خلف في عداد وفدنا إلى مهرجان  الشباب العالمي في موسكو، وتمت الموافقة  على اقتراحي. وبتوجيه من الحزب بدأنا عام 1976- 1957 بالنشاط لتوزيع الأرض على الفلاحين، وشكلنا الوفود لمقابلة المسؤولين، وحاولنا وضع اليد على الأرض، فتدخلت الشرطة إلى جانب الملاكين، ولم نتمكن من الحصول على الأرض، ثم أخذت رأي الرفيق أبو شهاب بالاستقرار في مدينة القامشلي للحصول على فرصة عمل بعد أن بقينا دون أرض فوافق، وهناك انخرطت في المقاومة الشعبية كشيوعي وساهمت في حراسة شركة الكهرباء والمياه والجسور، وفي فترة حكم الوحدة ومع بدء الاعتقالات أصبح بيتنا مقراً لإخفاء الرفاق المعروفين وأذكر منهم: (عبدي يوسف عابد، ملكي عيسى، والرفيق زوراب)، وكُلفت أنا والرفيق أحمد شيخو بتوزيع المنشورات الحزبية في مركز مدينة القامشلي، وفي إحدى المرات رميت منشوراً في منزل رئيس قسم الشرطة..

كان مسؤولنا حينها الرفيق علي عجمية وهو من حلب ثم حل محله الرفيق نديم بيطار، أما أعضاء الفرعية فهم الرفاق (مجيد قادو، أحمد شيخو، سليم خلف)،كما قمت بمهمة مراسل حزبي بين  قيادة المنظمة والرفيق داوود الذي كانت تأتيه الرسائل من قيادة الحزب في لبنان، وقد تعرض الرفيق للاعتقال بعد أن اعتقل الرفيق اللبناني الذي كان يوصل إليه الرسائل، ونبهني الرفاق إلى ضرورة أخذ الحذر والتواري عن الأنظار، وكنت يومها قد تعينت حديثاً في الفرقة المكلفة بالتنقيب عن النفط، فأخذت إجازة لمدة ثلاثة أيام، وقد أنقذني من الاعتقال صمود الرفيق البطل داوود وعدم إقراره بشيء، حيث قدم نموذجاً رائعاً من التضحية ونكران الذات وحرصاً كبيراً على مصلحة الحزب وسلامة الرفاق، فتحية تقدير واحترام له ولآلاف الشيوعيين الذين صمدوا في أقبية الأجهزة الأمنية وتحدوا التعذيب كي تبقى راية الحزب عالية.

نجوت مرات عديدة من الاعتقال، وبقيت ملتزماً منذ انتسابي إلى الحزب في مختلف الظروف، رغم كل ما عانيناه  لقناعتي الراسخة والدائمة أن الشيوعية هي أمل كل المظلومين بعالم لا ظلم فيه ولا اضطهاد، وسأبقى شيوعياً ما حييت، ولم أدخر جهداً خلال خمسين عاماً وأكثر في الدفاع عن الحزب وسياسته والأفكار الماركسية في مختلف المواقف ومواقع العمل، وما أتمناه أن يتجاوز الرفاق خلافاتهم ويتحدوا في حزب شيوعي واحد، حتى يزداد احترام الناس لنا، لاسيما وأن الخلافات القائمة لا تبرر وجود عدة تنظيمات شيوعية..

أحيي جميع الشيوعيين الحقيقيين أينما كانت مواقعهم التنظيمية، وأنا اليوم على علاقة جيدة مع جميع الرفاق المخلصين في كل الفصائل.. وأشكر  صحيفة قاسيون على هذا اللقاء الذي أتاح لي أن أتحدث إلى كل الرفاق. 

■ إعداد محمد علي طه

آخر تعديل على الجمعة, 02 كانون1/ديسمبر 2016 16:58