أخطاء الفريق الاقتصادي بالخصخصة دفع ثـمنها المواطن
إن مرافقنا العامة هي ملك للشعب، وهي محمية بالدستور ولا يجوز بيعها أو تأجيرها أو طرحها للاستثمار وبشكل خاص مرافئنا، حدودنا البحرية، نوافذنا التي نطل منها ونتواصل مع العالم الخارجي، وهي عتبة المنطقة بكاملها وصلة الوصل بين طرق التجارة الملاحية ومنطقة الخليج وشرق آسيا.
كل هذه الميزات الهامة لم تمنع الفريق الاقتصادي، صاحب السياسات الليبرالية ومشاريع الخصخصة، من تأجير الرصيف رقم 7 من مرفأ طرطوس، لشركة «ICTSI» الفلبينية، التي قد تكون شركة وهمية، أو مجرد اسم على ورق. هذا الرصيف الذي يصل طوله إلى 540 متراً، بعمق 13 متراً، وهو من أفضل الأرصفة من حيث الأعماق والمواصفات، لاستقطاب البواخر ذات الحمولات الكبيرة. وحصلت الشركة المستثمرة على الخدمات المجانية الكثيرة، حيث استفادت من إشغال مساحة 252000 متراً مربعاً، واقعة في قلب ساحة المرفأ، وتشكل 1/8 من مساحتها الإجمالية، بالإضافة إلى الطرق والخدمات والآليات التابعة للمرفأ، من رافعات جسرية وحاضنات حاويات وناقلات حاويات وآليات التفريغ والشحن الحديثة والمتطورة التي يملكها المرفأ. بالإضافة إلى 15000 متراً مربعاً من أفضل المستودعات الخاصة بتفريغ وتعبئة الحاويات. ونصت شروط عقد الاستثمار على الشركة المستثمرة، استقدام وكالات بحرية وبواخر وخطوط ملاحية جديدة، وتعهدت باستقدام 500.000 حاوية سنوياً، فما الذي حصل؟!.
بدلاً من استقدام وكالات بحرية وبواخر وخطوط ملاحية جديدة، قامت الشركة المستثمرة بعملية قرصنة بحرية واضحة، وأخذت البواخر والخطوط الملاحية التي كانت بعهدة شركة التوكيلات الملاحية العامة، وقام وكلاؤها باتصالات مكثفة بشركات النقل البحري العالمية، من أجل تحويل بواخرهم من مرفأ اللاذقية إلى الرصيف رقم 7 في مرفأ طرطوس. وبدلاً من استقدام 500.000 حاوية، بلغت الحاويات المستقدمة عام 2007 فقط 35.000 حاوية، أي تنفيذ 7 % فقط من الخطة التي تعهدت بتنفيذها، علماً أن عدد الحاويات المستقدمة إلى الرصيف من الشركة العامة للتوكيلات الملاحية، قبل تأجيره، قد بلغ 42.000 حاوية سنوياً.
إلى أين وصلت الأمور؟!
بسبب الفارق الكبير في أجور التحميل والتنزيل والخدمة، حسب التسعيرة التي سمحت بها شروط العقد للشركة صاحبة الامتياز، فقد عزفت البواخر عن الرسو على الرصيف رقم 7 والتعامل معه، وهذا ما عكس النتائج التي كانت مرجوة، إلى نتائج سلبية كبيرة على الشركة العامة لمرفأ طرطوس، فقد بقيت المستودعات الخاصة التي تبلغ مساحتها 15.000 متراً مربعاً، التي قُدِّمت خدمةً للشركة المستثمرة فارغة، ولم تستفد منها الشركة العامة للتوكيلات الملاحية، التي امتلأت مستودعاتها الباقية، ولم يبق هناك مكان لاستقبال الحاويات التي على ظهر السفن المنتظرة في عرض البحر، والتي يبلغ عددها حتى الآن 48 باخرة شحن، محملة بالبضائع والمواد الاستهلاكية القادمة إلى القطر أو المارة به، عن طريق الترانزيت، علماً أن التأخير في تفريغ الحاويات عن السفن يرتب على الشركة خسائر مالية كبيرة، أو على التاجر المتعامل مع شركة النقل البحري، حيث أنه سيضطر لدفع مبلغ 3000 دولار غرامة عن كل يوم تأخير للباخرة الواحدة، أي ما مجموعه 144.000 دولار يومياً غرامات تأخير، وهذه المبالغ بالتأكيد سيسحبها التجّار على قيمة بضائعهم التي سيدفع ثمنها المواطن أولاً وأخيراً.هذه هي الخسارة الصغرى التي يتكبدها المواطن السوري، فما هي الخسارة الكبرى؟!
الخسارة الكبرى تكمن في خسارة السيادة الوطنية، والمتاجرة والتفريط بها، والخروقات الأمنية التي قد يتعرض لها الوطن نتيجة ذلك. وقد يستعمل المرفأ كنافذة لتهريب الأشخاص خارج القطر بشكل غير قانوني، فقد ذكرت وكالات الأنباء أن عدداً من الأشخاص تم القبض عليهم بدخول غير قانوني إلى قبرص قادمين من الشواطئ السورية، وقد دفع كل منهم مبلغ 1500 دولار أمريكي، مقابل إيصاله إلى قبرص.
أي تطوير هذا؟! وأي استثمار، الذي لا يعود على المواطن إلا خسارة وغلاء أسعار وتفاقم أزمات؟!
أين اللجان الاقتصادية المختصة بالمحاسبة، وملاحقة نتائج المشاريع الاستثمارية؟! أين اللجان الاقتصادية التي وافقت على طرح منشآت اقتصادية حيوية رابحة، للخصخصة والاستثمار؟!!
أما كفاها تلاعباً بمقدرات البلاد وقوت العباد؟!
بلى, فقد بلغ السيل الزبى، وآن لهؤلاء الذين يسيرون بالوطن نحو الهاوية، أن يرحلوا ويتركوا ما تبقى لنا من مقومات الحياة القليلة! آن لسياساتهم أن تندحر، لتحل محلها سياسات قويمة، تحاول حل أزمات الوطن والمواطن، بصدق وإخلاص.