«قاسيون» تفتح ملفَّ الرياضة في ديرالزور
ـ ذكريات وحاضر
(وتاه الأهلي في صحراء ديرالزور)، عبارة مازالت عالقة في الذاكرة، منذ الستينات كانت عنواناً بالخط العريض لإحدى الصحف، عندما فاز نادي (غازي) الفتوة حالياً، على نادي حلب الأهلي (الاتحاد) حالياً، عندما كانت هناك رياضة، وكانت توجد مدرستان في كرة القدم، كما كان يقال آنذاك، المدرسة الحلبية والمدرسة الديرية، وكانت النساء يحضرن المباريات ويقفن على تلة ترابية، حيث لم يكن في الملعب سوى مدرج صغير، وكانت زغاريدهن ترتفع عندما يحرز أحد اللاعبين هدفاً، وكانت بطولة الأحياء الشعبية لا تقل أهمية عن مباريات الدوري. وقد أفرزت كثيراً من اللاعبين، الذي لعبوا ضمن منتخبنا الوطني، وكانت المدينة تفتقد إلى كثير من مستلزمات الرياضة، ومع ذلك كان اللاعبون متفانين، ويصرفون من جيوبهم، وبطولة المدارس بكل مراحلها، لها أهمية كبيرة، فهي النبع الذي ترك بصماته الرياضية، وفي مختلف الألعاب، وخلّف عدداً من اللاعبين الكبار، بعضهم لا يزال حياً، والبعض قضى نحبه.
أما في كرة اليد فقد كان التنافس شديداً بين ثلاث مدن من وطننا الحبيب، رجالاً ونساءً، هي درعا وحماة ودير الزور، ولا تنسَ سباحي الفرات الكبار. أما في ألعاب القوى، فكثيراً ما افتقد اللاعبون للأدوات، وبعضهم كان يركض حافي القدمين في مسابقات الجري. وقسم منهم أصبح نجماً، وشارك في بطولات عربية وعمالية.
هذا في المدينة، أما في الريف فقد أبدع أبناؤه في الكرة الطائرة، وهي اللعبة الأساس، لأنها لا تحتاج إلا لشبكة وكرة. وكذلك في ألعاب القوى، وخاصة الجري بمسافاته المتنوعة، وكان اللاعب يشارك في أغلبها، سواء التي تعتمد على السرعة، كالمسافات القصيرة، أو التي تحتاج إلى القدرة على التحمل، كالمسافات الطويلة. والمتميز من المدربين أو اللاعبين يفرض وجوده بجهوده.
أسوق هذه الذكريات، وأنا أتطلع إلى واقع الرياضة الحالية في ديرالزور، فرغم وجود الملاعب والصالات والأندية والأدوات، وإن بكميات ليست كافية، لكنها أفضل كثيراً من أيام زمان، ومع ذلك فرياضتنا في تراجع، ولحقها الفساد الذي عم في كل البلاد، فلم يعد الإداري المناسب في المكان المناسب، وأصبحت إدارات الأندية، تُختار لاعتبارات غير رياضية، وأصبحت وجاهةً ومنصباً، وبات ثمن بطاقة الدخول إلى المباراة والريعية، هو الهاجس الأساس، وللآن لا أرى أن الاحتراف قد ساهم في تطوير الرياضة, وخاصة كرة القدم.
ما دفعني لفتح هذه الصفحة من ملف الرياضة في ديرالزور، هو الشكاوى التي وردت إلينا، على كافة المستويات، بعضها مادي، وبعضها فني أو إداري، وبعضها شامل لكل ذلك. وعلى سبيل المثال:
1 ـ من المعروف أن أي ناد عندما يريد أن يتعاقد مع لاعب ما، تُجرى له فحوصات طبية وفنية لبيان مدى إمكاناته، لكن العكس حدث في نادي الفتوة مع اللاعب العراقي محمد أبو جديع، الذي كلف النادي مبالغ كبيرة، ولعب إحدى عشرة مباراة، سجل فيها هدفاً واحداً، وبعد انتهاء مرحلة الذهاب أجريت له الفحوصات، وتبين أنه مصاب في قدمه، وهذا من مسؤوليات الإدارة، وهي التي تتحمل ذلك. ولدينا مفصل المبالغ.
2 ـ تبرع أحد المغتربين من أبناء المحافظة، بمكيروباص جديد وحديث لنادي الفتوة، ووثيقة الموافقة على إعفائه من رسوم الجمارك الصادرة عن وزارة الاقتصاد موجودة، ولا يحتاج إلا لتسجيل بمديرية النقل، وهو مركون منذ أكثر من شهرين، علماً أن وضعه بالخدمة يسهل حركة اللاعبين، ويوفر مبالغ كبيرة من أجور النقل التي تصل سنوياً إلى حوالي نصف مليون ل. س.
3 ـ غابت إدارة نادي الفتوة عن متابعة مباريات كرة اليد، وعددها سبع، وكذلك كرة السلة، وعددها سبع، وهذا ما انعكس على مستوى الفرق، وهزائمها بنتائج قاسية. ناهيك عن إهمال بقية الألعاب الأخرى، فقد استُبعد ذوو الكفاءات والمختصون، الذين لهم نتائج معروفة على المستوى المحلي والعربي والأسيوي، رغم توفر الكوادر الفنية، فقد غابت كاراتيه ديرالزور عن بطولة البلاد، والمدربون الذين استُبعدوا، أغلبهم يحمل الحزام الأسود، دان 1و2و3 بالإضافة لتمكنهم من رياضة الكيك بوكسينع والتايكواندو.
وفي رياضة ألعاب القوى أُبعد الكثيرون، ومن بقي لا يملك الكفاءة، وليست لديه بطولات، وسجله ليس حافلاً بالإنجازات، وإنما بالعقوبات. ونضع ذلك أمام اللجنة التنفيذية، والاتحاد الرياضي العام، ونحتفظ بالأسماء، والوثائق.
4 ـ قدم لنا المواطن فاتح صالح الدهمش، وهو صاحب محل ألبسة رياضية، شكوى على الاتحاد الرياضي، وتحديداً نادي اليقظة حيث وقع مع إدارة النادي عقداً لتوريد أدوات رياضية وألبسة بقيمة 186 ألف ليرة سورية، استلم منها 112 ألفاً منذ 20/8/1999، ولم يحصل على الباقي رغم التوجيهات من قيادة الاتحاد العام، إلى اللجنة التنفيذية بديرالزور، بمساعدة نادي اليقظة، وقد أبدى صاحب المبلغ استعداده للتبرع بمبلغ 25 ألفاً مما بقي له، وتقسيط الباقي، ولكن اللجنة التنفيذية لم تستجب؟!
5 ـ ولعل من أهم الشكاوى التي وصلتنا، ما يتعلق بالرياضة المدرسية. ففي بطولة المدارس المركزية على مستوى القطر بالألعاب الجماعية للجنسين، بالإضافة للريشة الطائرة، وكرة الطاولة، أحرزت ديرالزور بطولة المدارس في السنة الماضية، وكُرِّم اللاعبون والمدربون من الدائرة الرياضية، ومديرية التربية بديرالزور، ومن الوزارة ومن الإعلام الرياضي أيضاً، لكن في هذا العام، خرجت أغلب الفرق من الدور الأول، رغم توفر مراكز التدريب والتجهيزات، ولأول مرة منذ 35 عاماً لا تتأهل بعض الفرق إلى الدور النهائي، وخاصة في كرة اليد للإعدادي والثانوي. أما في المدارس فالواقع مأساوي، وخاصة في الريف، حيث يجري التعامل مع حصة الرياضة بمبدأ (خذوا الطابة والعبوا). وتفتقد أغلب مدارسنا للملاعب والتجهيزات، سواء في الريف أو المدينة.
تلك بداية الحكاية الرياضية، وصفحة من صفحاتها، هي مزيج بين الماضي والحاضر، بعض الماضي قد اندثر، فلم نعد نرى المرأة تشاهد مباريات كرة القدم، مع أن الهامش الاجتماعي أصبح أوسع، وبعض مظاهر الحاضر تراجعت، مرتبطة بالتراجع العام الذي شمل كل مفاصل الحياة، بسبب الفساد الذي عم في البلاد، وتهميش دور الشباب وطمس وعيهم السياسي والاجتماعي، ولعل فوز المنتخب العراقي بكأس آسيا في السنة الماضية، قد أنعش الذاكرة الشعبية، ففاز المنتخب المصري بكأس أفريقيا بهدف أبو تريكة، وفاز نضال الشعوب العربية، بما كتبه أبو تريكة على قميصه، وبتضامنهم معه، قد تضامنوا مع غزة. فهل يكون هذا الفوز للشعوب، بداية انخراط الشباب في مباراة الدفاع عن كرامة الوطن والمواطن؟!.