في معمل السكر بدير الزور جريمة اقتصادية جديدة بحق الشعب والوطن..

أصبح الكذب على المكشوف سمة أساسية من سمات بعض أعضاء الحكومة، والمسؤولين الكبار، لتبرير جرائمهم وليس فقط أخطائهم، وبات هؤلاء ينامون مطمئنّين أن ليس هناك من سيحاسبهم!
لقد أصبحت الأمور ليست مجرد أخطاء يمكن تجاوزها، بل هي فوضى مخطط لها، أو ما تسميها الامبريالية بالـ«خلاقة»، تستهدف أخذ الوطن من الداخل عبر خلق بؤر توتر اقتصادية واجتماعية، وتدمير البنية التحتية الزراعية والصناعية، وخاصة ما يتعلق بالأمن الغذائي، الذي يشمل المحاصيل والصناعات الغذائية. فكما استهدفت مخططاتهم القمح والثروة الحيوانية، هاهي الصناعات الغذائية تُستهدَف بدءاً من معامل الكونسروة، وصولاً إلى معمل سكر دير الزور، رغم الحديث الوهمي عن تنمية المنطقة الشرقية. وما حصل مع الفلاحين والعمال والمصنع، إثر فشل العروة الخريفية للشوندر السكري، يثبت هذا الاستهداف:

جاء في جريدة الثورة بتاريخ 1/3/2009، أن شركة سكر دير الزور توقفت عن عمليات التصنيع التي بدأت قبل أسبوع بسبب تدني كميات الشوندر المورَّدَة من حقول الفلاحين، وذكر المهندس محمد سعيد جنيد أن «الكميات الموردة من ديرالزور والرقة تقدر بـ2000 طن يومياً، والطاقة التشغيلية للمعمل 5000 طن. بالإضافة لتجارب تشغيل الديفيزيون الدانمركي والقطّاعة الألمانية، وتوقفنا عن العمل لتجميع كميات الشوندر». وقال أيضاً إنه أبلغ المؤسسة العامة للسكر للتوسط لدى وزارة الزراعة لتأمين الكمية اللازمة من الإنتاج. وأجاب مدير الزراعة بالجريدة نفسها، مبرراً أن قلة التوريد بسبب الأمطار ولا يوجد سبب آخر.
كانت «قاسيون» قد شرحت في عدد سابق معاناة الفلاحين والجمعيات الفلاحية، مما حصل مع العروة المهجنة للشوندر، وطرحت مثالاً على ذلك جمعية موحسن التي تكبد فيها الفلاحون خسائر كبيرة، دون أن يهتم أحد لأمرهم، وطالبوا بتعويضات عما أصابهم, وقد التقت «قاسيون» مع العامل في معمل السكر، والنقابي عضو مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال مصطفى هزاع، الذي شرح ما حدث ويحدث للعمال والفلاحين وإدارة المعمل، والمعاناة التي يتعرضون لها جميعا فقال:
«أعلنت مديرية الزراعة عن نضج الشوندر وأنها مستعدة لتوريده قبل 15 شباط، أي قبل تشغيل المعمل، وتفاجأنا بقلّة كمياته الموردة. وبما أن تكلفة اليوم الواحد من التشغيل أكثر من 5 مليون ليرة سورية، ثمناً للوقود والماء وأجور العمال الموسميين والنقل وغيرها، وهذا المبلغ يتضاعف إذا اشتغل المعمل بواقع وارديتين. لذلك توقف المعمل عن العمل بالشوندر بعد أسبوع من إقلاعه.
من بعد هذه الخسائر المالية الكبيرة وحتى الآن، يعمل المعمل على الماء وفي هذا ضرر كبير للآلات إضافة إلى الضرر المادي.
أعلن مدير الزراعة أن السبب هو الأمطار، علماً أن ما ذكرته مراكز الرصد الجوي والواقع والأرض الجافة والعجاج، يبين أن الأمطار التي تعرضت لها المحافظة منذ بدء التشغيل وحتى الآن ليست فقط قليلة وإنما نادرة، وهذا يثبت عدم صحة التبريرات، فالسبب الأساس هو صنف البذرة التي وزعتها مديرية الزراعة، والتي كان من المفروض أن تكون من النوع الممتاز، والتي أجريت التجارب عليها وقُدِّر لها أن تعطي في الدونم الواحد مابين 5 ـ7 طن، ودرجة حلاوة عالية، ولكنها في أحسن الأحوال أعطت طناً ونصف فقط، وحلاوة منخفضة جداً، لأن البذرة التي قدمت للفلاحين هي بذرة هجينة غير التي أجريت عليها التجارب.. فمن وراء ذلك؟!
وكذلك فإن زراعتها يجب أن تتم في الشهر السابع وليس التاسع كما حصل، ولكي يحصل الفلاح على مردود يقابل كلفة زراعته، يجب أن يعطي الدونم الواحد أكثر من 3 طن كحد أدنى، عدا جهده وتعبه.
وتساءل مصطفى هزاع من المسؤول عمّا تعرض له الفلاحون من خسائر كبيرة؟ ومن المسؤول عن البذار؟ وتحديد بدء الزراعة وبدء القلع؟ وهل سيمر الأمر دون محاسبة وعقاب وتعويض للفلاحين عن خسائرهم؟
إن الضرر والخسائر التي تعرض لها المعمل، وانعكاسات ذلك على الإدارة والعمال، من حرمانهم من الحوافز وساعات العمل الإضافي نتيجة عدم التشغيل، وهم ينتظرونها من الموسم إلى الموسم، لتخفف ولو قليلاً من عبء الحياة اليومية وتكاليفها المرتفعة، نتيجة ضعف الأجور وارتفاع الأسعار.
أما مشكلة الثفل المكدس وتأخير بيعه، فالسبب يعود إلى أن السعر المقرر 2000 ليرة سورية للطن هو سعر مرتفع، وفي العام الماضي اضطر المعمل لبيع الطن بـ200 ليرة سورية بعد أن أصابته العفونة، فهل ننتظر هذا العام كذلك إلى أن تصيبه العفونة فيتم تخفيض سعره وبيعه علفاً وبسعر منخفض؟
والضرر الأكبر الذي أشار إليه «نقابي آخر» هو تجربة «الديفيزيون» (معالجة مجهولة بالنسبة لنا لاستخراج السكر من الشوندر) مع الشركة الدانمركية، والتي فشلت في السنة الماضية، وكانت كلفتها نحو 400 مليون ليرة سورية، والتي للآن لا يعرف مصيرها, ولا يزال المدير العام السابق لشركة سكر دير الزور وبعض العمال والمهندسين موقوفين عن العمل منذ أكثر من سنتين بسببها، وكنّا نتوقع أن تشتغل هذا العام، وأن ينظر بوضعهم سلباً أو إيجاباً إذا نجحت التجربة, وهل ستلقى المسؤولية على الإدارة الحالية بدل المسؤولين الحقيقيين!؟ ونوّه أيضاً إلى أن الفلاحين اضطروا إلى بيع الشوندر كعلف بسبب الكميات القليلة والحجم الصغير الذي تكلف أجور نقله أضعاف قيمته، فكيف يلاحق الفلاحون المنتجون كما حصل مع موسم القمح السابق، ولا يلاحق الفاسدون من المسؤولين!؟
وبعد!؟ إلى متى يتم تجاهل ما يحدث من تخريب متعمد لاقتصاد الوطن, وهل سيتحمل العمال والفلاحون المنتجون الأعباء والخسائر والمصائب التي يرتكبها من يخططون لاقتصاد الفوضى الخلاقة أو من يساهمون بها من الفاسدين والمهملين والنتائج كلها تمس كرامة الوطن والمواطن؟ وهل ننتظر حتى تقع الفأس بالرأس!؟ أسئلة الإجابة عليها برهن الشرفاء في الوطن أنى كان موقعهم!

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 07:21