الصنمين.. مدينة نسيها الزمن
في استطلاع حي قامت به «قاسيون» في مدينة الصنمين، تبين لنا مدى غربة المواطن في وطنه، يشكو فما من سامع، يتألم وما من مجيب، الشوارع الرئيسية (ونسميها مجازاً شوارع) تمزقها الحفر منذ فترة طويلة، بحجة تمديد خطوط المياه أو الصرف الصحي، وقد نسي الزمن ردم هذه الحفر، حتى تلك التي في الساحات العامة ومفارق الطرق الهامة، والمشكلة الأكبر مياه الشرب التي لا تصل إلى البيوت إلا مرة في الأسبوع.
وقد رصدت كاميرا «قاسيون» أنابيب للمياه يتسرب منها الماء بشدة منذ أكثر من عشرة أعوام، ويسمع الناس الطيبون البسطاء أن هذا (مسرب تنفيس) للخط، (مع العمل أنه من الناحية الفنية والعلمية يكون التنفيس عن طريق صُباب ضغط يطرد الهواء فقط، ويمنع تسرب المياه). وحول هذه الأمور تذمر وشكا كل من قابلناه. ونقتطف من شكاوي بعض المواطنين ما يلي:
ـ أحد المواطنين قال: لقد زُرِعت الحفر في كل شوارع المدينة، وتم جرف الإسفلت بقصد تزفيتها من جديد، ولكن هذا نموذج أمامك، طريق المصرف الزراعي الذي لا يتجاوز طوله الـ 600 متر، ويرتاده ما يزيد عن خمسة آلاف مواطن يومياً، ومازال على هذه الحال منذ حوالي ست سنوات، وقد تكلمنا مع رئيس الوزراء عن طريق كتاب شرحنا له فيه موضوع الصنمين، وإلى الآن لم يصدر شيء. هناك قرار صادر من القيادة القطرية، مازال طيّ الأدراج، وكلما ذهبنا إلى البلدية نعود خالي الوفاض. وبالإضافة إلى الزفت، هناك مشكلة الكهرباء التي قلما نراها.
ـ مواطن آخر قال: هناك أمور كثيرة غير نظامية عندنا، ولا توجد نظافة نهائياً، ترى أكياس القمامة منثورة خارج الحاوية، مع أن مجموع الحاويات في المدينة لا يزيد عن عشر، ومعظمها محطم، ويمر شهر بعد شهر ولا تقوم البلدية بجمع القمامة، ونحن معرضون للأمراض بسبب ذلك.
ـ مواطن ثالث بكى من قلة مياه الشرب، وأخذنا إلى مكان شكلت فيه المياه نافورة دائمة، من أنبوب مكسور، وقال: صار لها أكثر من ثماني سنوات، والماء يسير هكذا، بينما في البيوت لا نرى الماء سوى مرة أو مرتين في الأسبوع، وقد نسهر حتى الرابعة أو الخامسة صباحاً ونحن (نشفُط ونشفُط)، وقد لا نحصل على ما يكفينا ريثما تعود المياه إلينا مرة أخرى. ويعاني من هذه المشكلة في هذا الحي فقط، ما يزيد عن مائتي بيت.
ـ أحد المواطنين قال: كل ذلك في كفة، وانقطاع الكهرباء وانعدام الإنارة في الشوارع في كفة أخرى، فلا يوجد ضوء واحد ينير شارعاً ما، وفي الأحياء المتطرفة من المدينة يعيش أحدنا حالة رعب حقيقية، إذا اضطر للعودة إلى بيته بعد غياب الشمس، فالظلام الدامس والحفر المنتشرة بالشوارع، يضاف إليها الكلاب الشاردة التي تهاجم المارة.
ـ أحد سكان الحي الغربي قال: في المجلس البلدي لمدينة الصنمين يسموننا حارة العرب، ولا يعترفون بنا كسكان في المدينة، ويقولون لنا: ارحلوا من هنا، أنتم من عرب اللجاه، اذهبوا إليهم واسكنوا هناك، واطلبوا خدماتكم من هناك. حارتنا محرومة من الخدمات نهائياً، مع أنها ضمن المخطط التنظيمي منذ 25 سنة، فلا إنارة ولا ماء، ولا صرف صحي، ولا طرق صالحة لمرور السيارات، ومؤخراً أنجبت امرأة مولوداً في الشارع وسط الوحل والطين ولم نستطع أن ندخل سيارة إليها لإسعافها. الشوارع بحاجة إلى تسوية وبقايا مقالع. يقولون إذا وضعنا بقايا المقالع تترتب نصف القيمة عليكم والنصف الآخر على الدولة، والحارة ضمن المخطط التنظيمي. ونحن ندفع الضرائب كاملة، بما فيها الزفتية والترابية، ثم قالوا لنا: سنأتي لكم بالعواميد والصبّ عليكم. وحال الناس هنا تحت خط الفقر ولا يملكون ثمن قوت يومهم. معاناتنا حقيقية في حارة الحوارة، محرومون من كل شيء. أولادنا يرسبون في المدرسة، ويتغيبون بشكل دائم لأن الطريق طيني، لا يستطيعون متابعة مدرستهم بشكل جيد.
ـ بعد ذلك وقفنا أمام باب المدرسة مشدوهين، باب المدرسة يطل على المقبرة مباشرة، والتلاميذ عليهم أن يمروا من بين القبور للدخول إلى المدرسة. أحدهم غيّر مكان الباب الرسمي للمدرسة، ومنع الطريق من المرور بأرضه لأن البلدية لم تقم بالإستملاك بشكل رسمي.
ـ لا توجد في الصنمين صالة أو مراكز، ولا توجد فيها محطة نظامية للسيارات (كراج) لمغادرة ووصول الركاب. هنالك أرض مخصصة للكراج منذ القديم، ولكن حتى الآن لم يتم تنظيمها واستخدامها.
بعد ذلك وللوقوف على سبب هذه المشاكل، التقت «قاسيون» أحد أعضاء مجلس المدينة الذي حدثنا باختصار فقال: هناك مراسلات بيننا وبين مؤسسة الإسكان لإتمام رصف الشوارع ببقايا المقالع، وكثيراً ما تتعثر محاولات التنفيذ، أما فيما يخص الاستملاك، فقد خصص لمجلس مدينة الصنمين 11 مليون ليرة سورية كميزانية كاملة، ما بين تزفيت وكهرباء وصرف صحي، وتم تخصيص الاستملاك بـ1 مليون ليرة سورية فقط، وهذا لا يكفي لنفقات استملاك عقار واحد. أما موازنتنا للتعبيد والتزفيت فهي 4 مليون ليرة سورية فقط، وهذا لا يكفي لتزفيت شارع واحد بعد الارتفاعات السعرية الأخيرة، وإذا لم تأت مساعدات خارجية لا نستطيع عمل شيء..
هذه هي حال مدينة الصنمين، الأرض التي نسيها الزمن، فباتت على هامش الاهتمام والخدمات، ترفع صوتها مطالبة بمن ينصفها، فهل من مجيب؟!!