الرغيف الحلبي.. ازدحام «العام» وجشع «الخاص»
تسببت القرارات الأخيرة للحكومة، وعلى رأسها رفع الدعم عن المحروقات، بغلاء فاحش متوحش، وفوضى عارمة طالت جميع الأسواق في مختلف المحافظات السورية، ومنها حلب، وخلقت مآسي جديدة أضيفت للمآسي التي تعيشها الجماهير الشعبية في وطننا.. إن تخلي الدولة عن دورها الرعائي أنتج كماً كبيراً من الأزمات، ونتائج كارثية لا يعرف مداها، وأين ستنتهي إذا لم تعالج بالسرعة القصوى؟
جالت قاسيون في مدينة حلب بعيد رفع الدعم، وكانت المحطة الأولى في أحد أفران القطاع العام في حي الميدان، وهو فرن مشهور بجودة إنتاج الرغيف، بفضل ما يبذله عماله من جهود كبيرة، وهم المحرومون من الحوافز الإنتاجية، وتتراوح رواتبهم بين 5000 – 6000 ل.س، وعند اللقاء بهم وسؤالهم عن زيادة المرتبات البالغة 25 % كان الجواب بألم ومرارة واستهجان: «لقد سُرقت هذه الزيادة قبل صدورها، بارتفاع مشتقات النفط من مازوت وغاز، فالمواصلات وحدها قد امتصت هذه الزيادة (فمعظم هؤلاء العمال يسكنون في ريف حلب»، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق... «إن رواتبنا الهزيلة لا تكفي لقمة عيشنا مع عيالنا مدة عشرة أيام، ولا مجال لنا أن نعمل بمكان آخر، لأن مدة دوامنا هي 12 ساعة، والساعات الإضافية لا نقبض أجوراً عليها، نحن ننتج يومياً 16طناً من الخبز، علماً بأن الفرن مخصص لإنتاج 8 طن من الخبز يومياً فقط، أي أننا ننتج ضعف ما هو مقرر، وهناك أفران أخرى تابعة للقطاع العام لا يتجاوز إنتاجها 6 طن في اليوم».. وقد حدد عمال الفرن مطالبهم بربط الأجور بالأسعار، وتأمين الضمان الصحي، وإعطاء حوافز لإنتاجهم الوفير، ودفع أجور الساعات الإضافية.
ولدى خروجنا، لاحظنا عند الباب الرئيسي للفرن ازدواجية في معايير توزيع كميات الخبز، فالبعض من زبائن المخبز حمل معه ما يقارب عشر ربطات من الخبز، على الرغم من وجود طوابير من المنتظرين وصل طولها لعشرات الأمتار.... ازدحام ومشاجرات تدور قرب المخبز، وصراخ يملأ المكان، في حين استقرت كتيبة من الشرطة على باب المخبز، أرسلها المحافظ لضبط النظام وعدم الإخلال بالأمن، وكأن هناك معركة تدور في شوارع المدينة، ومع هذه الفوضى كان لنا حديث مع معلمة لغة إنكليزية في إحدى المدارس الخاصة، إذ قالت لنا عند سؤالها عن سبب وجودها ضمن هذه الطوابير الطويلة: «كنت أشتري الخبز السياحي، عندما كان سعر الربطة مقبولاً بعض الشيء، ولكن مع الغلاء الفاحش وصل سعرها لأكثر من /40/ ل.س، ولم تعد لدي القدرة على شرائها، لهذا لجأت إلى هذه الطوابير واضطررت للانتظار الطويل».
والتقينا مصادفةً بأحد معارفنا من الرفاق البعثيين، وتحدثنا معه عن هذا الواقع المريض الذي نعيشه والذي سببته سياسات الفريق الاقتصادي، فأجاب بأن هناك فرقاً حزبية لمراقبة الأفران مع الشرطة، مهمتها ضبط الأمور، وأنه لا توجد حلول جذرية للمشكلة، فهو أيضاً يعاني من هذه الحالة المرضيِّة.
محطتنا الثانية كانت عند أحد أفران القطاع الخاص، فوجدنا الفوضى ذاتها التي وجدناها عند المخبز السابق، إن لم تكن أكبر، وعلى الرغم من وجود رجال الشرطة والمخاتير، فقد رأينا طوابير طويلة على باب المخبز، وكأن هناك مجاعة قادمة إلى البلاد، وعند لقائنا بأحد المواطنين المصطفين بالطابور، سألناه عن جودة الرغيف في هذا المخبز، فقال لنا بالفم الملآن: «الرغيف هناك رديء وسيئ وغير صالح للغذاء البشري، ولكن لا حول لنا ولا قوة، لأن تأمين القوت لأطفالنا يجعلنا نقبل به على علاته، وليس لدينا البديل عنه».
مواطن آخر سمع الحديث عن قرب، فتدخل قائلا: «إن الإساءة للرغيف متعمَّدة ومقصودة من صاحب الفرن، فهو يعمل ويبيع الطحين بضعف السعر»، إنها السوق الحرة والنهب الطفيلي، والتجارة شطارة حتى في لقمة الشعب، فمعظم الأفران الخاصة تتلاعب بطرق احتيالية لرفع سعر الرغيف، بتشكيل طابور خاص لبيع الخبز عن طريق العدد بعيداً عن الميزان. وكما سمعنا، فإن مديرية التموين بحلب سمحت بهذا الواقع، حيث يباع الخبز دون وزن بمبلغ /15/ ل.س، ولذلك طابوره الخاص مع أفضلية الحصول بسرعة على الرغيف، وبكلفة تتراوح بين /13/ إلى /14/ ل.س للكيلو الواحد، وهذا ما سنضعه بذمة مديرية التموين بحلب.
كان هذا جانباً من واقع الخبز والمخابز في مدينة حلب نضعه برسم الجهات المعنية.