الشهادة لم تعدَّل... رغم كل التصريحات!!
منذ أن أعلنت وزارة التعليم العالي في سورية قبل أربع سنوات عدم اعترافها بالشهادات الجامعية الممنوحة من بعض الدول الأجنبية والعربية، وخصوصاً دول أوروبا الشرقية، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق «أوكرانيا، أرمينيا»، والمئات من خريجي هذه الدول يعانون مصيراً مجهولاً، بعد أن ضاعت شهاداتهم في خبر كان.
هذا الإجراء مازال يطفو على السطح كلما أعلنت الوزارة عن قيام دورة امتحانية جديدة لمن فاتهم قطار النجاح، ولم يفلحوا في اختبار معادلة تلك الشهادات بالشهادات السورية، ليؤكد ذلك أن القرار في الأصل قد جاء اعتباطياً ودون أية دراسة مسبقة للعواقب والمشاكل التي سيخلِّفها، ولم ينجح في تحقيق الهدف الأساسي الذي أصدر من أجله، وهو الحد من التزوير في تلك الشهادات، والخوف من دخول بعض الدخلاء على المهن الأكثر حيويةً وخطورةً كالطب والصيدلة والهندسة، لكن هذا لا يعني أن اللوم كله يقع على عاتق الطالب وذويه، بل يقع اللوم الأكبر على عاتق وزارة التعليم العالي التي لم تحذِّر مسبقاً هؤلاء الطلاب من الدارسة في تلك الجامعات غير المعترف بها على الصعيد المحلي والدولي، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لماذا لم تصدر الوزارة وبعد مرور كل هذه الفترة أسماء الجامعات المعترف بها لديها، حتى لا يقع في الشرك سنوياً مئات الطلاب من أبنائنا، ولكي لا يخسر أهلهم المبالغ الطائلة، لتكون النتيجة في النهاية شهادة غير معترف بها، أو كما يقال بالعامية (فاشوش)؟؟.
إن ضياع مستقبل آلاف الطلاب الذين يهددهم هذا الخطر تقع مسؤوليته بالدرجة الأولى على عاتق الوزارة والحكومة التي لم تقدم أية حلول أو دراسات أو اقتراحات كبدائل منصفة لهؤلاء الطلاب، وفي بعض الأحيان تكون الوزارة شريكة في العملية، مثلما حصل مع الطلاب الدارسين في جامعة «أروى» اليمنية، حيث أعلنت الوزارة أن المكتب الممثل للجامعة لم يكن نظامياً ومرخصاً له، مع العلم أنها كانت تشرف على الدارسة فيه وتنظم امتحاناته!!!
وقد ذكر الدكتور نجيب عبد الواحد، معاون وزير التعليم العالي لشؤون البحث العلمي ورئيس لجنة تعادل الشهادات، في الندوة التعريفية الخاصة بالتعادل، أن الوزارة قد قامت منذ مطلع العام الماضي بإجراء امتحان تقويمي وطني لمعادلة الشهادات غير السورية، وذلك بناءً على القرار رقم /96/ الخاص بالتعليمات التنفيذية للقانون رقم /19/ لعام 2001 المتضمن أسس معادلة الشهادات غير السورية، وشروط الاعتراف بالمؤسسات التعليمة غير السورية، وكيفية تشكيل لجنة التعادل، والوثائق والشهادات المطلوبة للتعادل. إلا أن هذا القرار كان قد أضرَّ بالكثير من خريجي الهندسة المعلوماتية، ففي عام 2006 تقدم لمعادلة الشهادة في الهندسة المعلوماتية نحو 600 طالب نجح 10 طلاب منهم فقط، وفي عام 2007 تقدم إليها أيضاً نحو 650 طالباً نجح 15 طالباً فقط، وفي العام 2008 تمَّ إلغاء قرار معادلة الشهادات لطلاب الهندسة المعلوماتية، والاكتفاء بالصيغة القديمة، أي أن يتقدم المتخرج بطلب إلى وزارة التعليم العالي، ومن ثم إلى نقابة المهندسين كجهة مخولة بإعطاء البطاقة، وحسب نوع التعديل إن كان شخصياً أو وزارياً، وحسب الجهة، مع الأخذ بعين الاعتبار الاعتراف بالجامعة المتخرج منها ضمن البلد صاحب الشهادة، وختم الجامعة وسنوات الإقامة، وأن يكون الدبلوم موقعاً من وزارة التعليم في البلد الأجنبي والسفارة السورية في الخارج، ولغة التدريس المعتمدة، ومدى انتشارها «إمتحانياً»، مع ضرورة تقديم كشف بالعلامات وأيام الدوام الرسمي.
وإذا كانت د. لمى يوسف، مديرة التقويم والاعتماد بالوزارة، قد عرَّفت أكثر من مرة ماهية وطريقة الامتحان التقويمي، ابتداءً بوضع الأسئلة، وانتهاءً بإصدار النتائج بشكل مؤتمت، وأكدت حرص الوزارة على وضع الأسئلة بما ينسجم مع المستوى المتوسط للطلبة، فإن رأي الطلاب يختلف كثيراً عن رأيها، والبعض اعتبر تلك الإجراءات من أهم النقاط الحساسة التي تستخدمها الوزارة ضدَّ الطلاب، وخاصةً الأسلوب المستخدم في وضع الأسئلة، التي تكون تعجيزية أحياناً حتى بالنسبة للطلاب الذين حصلوا على أعلى المعدلات في أقسامهم، وكأن الذي يضع الأسئلة يتقصَّد رسوب أكبر عدد ممكن من الطلاب!!
طلاب آخرون ذكروا لنا أن وضعهم مازال معلقاً، ولم يصدر أي قرار أو تعميم حول مصيرهم، رغم أن الجامعات التي تخرجوا منها هي جامعات حكومية ومعروفة عالمياً. أحد الخريجين من قسم الصيدلة في جامعة بيلاروسيا قال إنه تقدم في عام 2006 لمعادلة شهادته، ونجح بالدورة الثالثة في تموز 2007، وتم الإعلان عن اسمه وأسماء بقية الناجحين ضمن لوحة الإعلانات، إلا أنهم فوجئوا جميعاً برفض إعطائهم وثائق تعادل الشهادة، تحت حجة أن اللجنة ستجتمع لإعادة النظر في أوضاع البعض منهم، بعد اكتشافهم لبعض النقص في أيام الدوام المقررة لكل طالب!!
يقول وزير التعليم العالي الدكتور غياث بركات: «إن مسألة الشهادات هي القضية الأساسية في عمل الوزارة التي أوليناها كل اهتمام ودراسة، حيث وضعنا بعض الإجراءات التي سيخضع الجميع لها منذ العام الدراسي الحالي، إذ لن يمنح الإشراف لأية جامعة ما لم تكن معتمدة لدينا، وستتعامل مع كل حال على حدة، كما سيتم قريباً إصدار لائحة تضم /5000/ جامعة معتمدة لدينا».. الوزير قال هذا الكلام في المؤتمر الصحفي الذي أقامته وزارة التعليم العالي، في 14/9/2008 بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد، لكن المشكلة تكمن في أن هذا الحديث قد أصبح مكرراً، ففي كل عام يثار موضوع الشهادات ومعادلتها، دون فائدة، فمازالت الصعوبات هي نفسها، ولم تصدر حتى الآن أسماء الجامعات المعتمدة، ومازال البعض يتعامل مع هذه المسألة بطريقة مافياوية، بحيث يصل ثمن معادلة الشهادة واحدة إلى نصف مليون ل.س أحياناً!!
إن كل ما قيل وسيقال لا فائدة ترجى منه، والمطلوب خطوات عملية لإنهاء معاناة هؤلاء الطلاب، فـ«من يأكل العصي ليس كمن يعدّها»!!.