يا ظلام الدير ... خيِّم، إننا نهوى الظلاما !
ذا وصلت مساءً إلى دير الزور، وأنت قادم من حلب أي من غرب المدينة، ووصلت إلى دوار معسكر الطلائع، ستجد أنك انتقلت فجأة من نصف الكرة الأرضية المظلم إلى النصف المنير، أو أشرقت عليك شمس الصباح! وما تلبث أن تصل إلى دوار الكرة الأرضية، سابقاً، حتى تغرق في الظلام ثانية، إلى أن تصل إلى دوار الجندي المجهول، أيضاً سابقاً، فالكرة الأرضية ابتلعها الحوت، وتمثال الجندي المجهول قد مات مرةً ثانية كما مات تمثال الشهيد غسان عبود ودفن، وبقي اسمه على الدوار فقط، فمسح الرموز الوطنية من الذاكرة بات سهلاً جداً! وقد جددت هذه الدوارات ووضعت فيها بحرات ثم هدمت ثم بنيت، وفي كل مرة تكلف الملايين، ونخشى أن تهدم مجدداً. ولم يبق من البحرات السابقة إلاّ واحدة وبعض أهالي المدينة يسمونها (بحرة عفرا) لأن أحد المسؤولين سابقا في المدينة وضعها أمام بيته، بل وأصبح موقف الباص بالاسم نفسه!
بالحديث عن الظلام والنور والانتقال بينهما، فقد قام مجلس المدينة مشكوراً مع كهرباء الدير بإنارة شارع مبنى المحافظة الجديد بأنوار غازية صفراء قوية، حرصاً على سلامة المسؤولين، الذين يراجعونها ليلاً فقط، من الحوادث المرورية، لأن المواطنين العاديين لا يستطيعون مراجعتها إلا نهاراً، ويضطرون للوقوف تحت حرّ الصيف وعجاجه أو مطر الشتاء، انتظاراً للسرفيس وزحمته الخانقة، ويخنس الواحد منهم كالصوص تحت جناح أمه الدجاجة، ولا يوجد موقف له مظلة، بينما مظلات سيارات المحافظة كلفت مبالغ كبيرة، ولم يتم التفكير بوضع مظلة للمواطنين رغم المطالبة المستمرة. فهل يفعلها المحافظ الجديد وينظر بوضعهم ويضع لهم مظلة، ولو رخيصة التكاليف، وليست بفخامة مواقف السيارات؟!
بالعودة إلى الظلام والنور، قام مجلس المدينة مشكوراً مرةً أخرى بوضع أعمدة جديدة في الشارع الرئيسي الممتد من مبنى المحافظة إلى حي الثورة، الجورة سابقاً، وللتذكير فإن هذا الحي يسكنه الفقراء فقط، ويعتمد في إنارته على مصابيح بيضاء قديمة، 40% منها مطفأة، ربما لتوفير الكهرباء، عملاً بما يكتبه التلفزيون بالشريط الإخباري من نصائح للمواطنين، بعدم تركها منارة، أو تخفيفاً لقيمة الفواتير العالية عنهم، وللعلم أيضاً تكثر فيه الحوادث المرورية وغير المرورية بسبب الظلام المخيم! لكن المفاجأة السارة للمواطنين أن هذه الأعمدة زرعت بين كل عمود وعمود أمام مبنى المحافظة، أي نورٌ على نور، وهذا يعطي مع الجزيرة الوسطى التي كسيت حجراً، والأرصفة ذات الحجارة الملونة، منظراً حضارياً للزائرين والسائحين والمستثمرين، الذين يأتون عبر شارع النهر والكورنيش إلى المحافظة. ولا يهم إن تعرض المواطنون وأبناؤهم للحوادث كُرمى للضيوف. وتذكروا النشيد الذي كان يتغنى به المناضل الوطني التقدمي ابن مدينتهم ثابت عزاوي في السجن مع رفاقه: يا ظلام السجن خيّم إننا نهوى الظلاما، وهم لم ينسوا أيضاً أنهم مواطنون وأن لهم كرامة منها كرامة الوطن، ويهدرهما الفاسدون والحكومة بسياساتها الاقتصادية والاجتماعية التي زادت معدلات البطالة والجريمة، واندفع الشباب العاطلون عن العمل، وما أكثرهم، وخاصة خريجي المعاهد من أبناء المحافظة، يَعِنّون كعنين النواعير، ويُغنون بقلبهم فقط، قبل أن يطقّوا أو ينفجروا: يا ظلام الدير خيم .. إننا نهوى الظلاما!
■ مواطن أظلمت الدنيا حوله.