يوسف البني يوسف البني

ارتفاع أسعار السماد بنسب تتراوح بين 200 % ــ 350 % رفع الدعم عن أسعار السماد تدمير للزراعات الإستراتيجية

كعادتها، وكما دأبت مؤخراً، لم تتراجع الحكومة عن مخطط تحرير الأسعار، والتجارة بشكل عام، رغم ثبوت فشل هذا النهج في كثير من البلدان الكبيرة وذات الاقتصادات المتينة. وكعادتها أيضاً لم تطعم المواطن «التسعة» مرةً، إلا ووضعت خطة «لتشليحه العشرة»، ومرات مضاعفة، بشكل يتطابق تماماً مع تعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ففي اليوم التالي مباشرة لإعلان تخفيض سعر ليتر المازوت بنسبة 20%، من 25 ل.س. إلى 20 ل.س. فاجأتنا الحكومة بضربة مباشرة على رأس الفلاح السوري، الذي تعتمد عليه البلاد في تأمين أمن مواطنيها الغذائي ولقمة عيشهم اليومية.

فقد قررت اللجنة الاقتصادية في اجتماعها المنعقد بتاريخ 30/3/2009، الذي تم تعميمه من المدير العام للمصرف الزراعي التعاوني على المصارف الزراعية في سورية، أن سعر مبيع سماد (سوبر فوسفات تركيز 46%) سيرتفع إلى 23900 ل.س. للطن الواحد، بعد أن كان يباع بـ8160 ل.س. وسعر سماد (اليوريا تركيز 46%) سيرتفع إلى 18000 ل.س. للطن الواحد، بعد أن كان يباع بـ8900 ل.س. وسعر سماد (نترات الأمونيوم تركيز 33.5%) سيصل إلى 15400 ل.س. للطن الواحد، وقد كان يباع بـ6500 ل.س. وسعر سماد (نترات الأمونيوم تركيز 30%) سيكون 8800 ل.س للطن الواحد، بدلاً من 5800 ل.س. وسعر سماد (سلفات البوتاس تركيز 50%) سيكون 57200 ل.س. في حين كان يصل للفلاح عن طريق المصرف الزراعي بـ12500 ل.س فقط.

تناقضات بالتصريحات الرسمية

في خطة لتمرير القرار دون إثارة غضب المزارعين، سعت الحكومة إلى ذر الرماد في العيون، كي تمنع الرؤية الواضحة للانعكاسات السلبية لهذا القرار على الفلاحين والمزارعين، وعلى المواطن السوري بشكل عام، فقد أطلق المسؤولون تصريحات متناقضة يتوه المواطن أمامها، ويتساءل أيها سوف يصدق!! فقد أكد د. عادل سفر وزير الزراعة أن صندوق الدعم الزراعي (الذي لم ير النور حتى الآن) سوف يمنح الفلاحين المرخص لهم، دعماً زراعياً لمحاصيلهم كتعويض عن فرق رفع الدعم عن السماد، وحدد أنه سيتم دعم زراعة القطن بـ8000 ل.س. للهكتار، والذرة بـ10000 ل.س. للهتكار، و 6000 ل.س لهكتار البطاطا، و 5000 ل.س. لهكتار البندورة.

وفي تصريح لمسؤول في وزارة الزراعة لم يفصح عن اسمه، نشر على الموقع الإلكتروني «سيريانيوز»، أكد هذا المسؤول أن دعم السماد سيتم وفقاً لصيغة تحدد المعادلة السعرية للمحاصيل الإستراتيجية فقط، (قمح، قطن، شوندر سكري)، على أساس تكاليف الإنتاج + 25 % كهامش ربح.

وبالسياق نفسه نفى مسؤول آخر في وزارة الزراعة، للمصدر نفسه، عزم الحكومة دعم الأسمدة من صندوق الدعم الزراعي بأي شكل من الأشكال.

تسليم الراية لجشع التجار

إذاً، أعلنت الحكومة في هذا القرار عجزها عن تأمين متطلبات المزارعين من السماد، وكانت الحجة كلمة حق يراد بها الباطل، والقصد النهائي هو فتح الباب العريض أمام التجار الذين أصبح بإمكانهم تأمين الأسمدة بأنواعها وأشكالها وأسعارها الرائجة في جميع القطاعات، والدخول إلى حلبة المنافسة حيث (سيكون المستفيد الأول والأخير منها هو الفلاح الذي سيتمكن من الحصول على الكميات اللازمة وبأدنى الأسعار)، متناسية الروح الاحتكارية والطمع والجشع الذي يطغى على معظم تجار سورية خصوصاً، فقد احتكروا الأسمدة حتى في أوان توفرها وانخفاض سعرها في المصارف الزراعية، وفرضوا أسعاراً عالية لليوريا والنترات والفوسفات والسلفات، تفوق قدرات المزارعين المالية، ما يهدد بإتلاف المحاصيل الزراعية، وتوقيف استخدام الأراضي وتبويرها. وكما كانت لنا تجارب كثيرة مع التجار ومع تحكمهم بأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية اليومية، التي زادت بمعدلات عالية، نسبة إلى ارتفاعات الأسعار في الدول المجاورة. 

تفاعلات القرار على أرض الواقع

تم رفع مذكرة من اتحاد الفلاحين، تبين الآثار السلبية لقرار رفع الدعم عن أسعار السماد على الفلاحين والمستهلكين، حيث ظهرت انعكاساته السلبية مباشرة على أرض الواقع، فقد ارتفع سعر الطن من سماد محصول القطن من 8500 ل.س. إلى 30000 ل.س. أي بما يعادل نسبة 350%، وكذلك أسعار المبيدات والأدوية الزراعية ارتفعت بالنسبة نفسها، وبالحساب نجد أن تكلفة سماد محصول القطن قد زادت على الدونم الواحد من 725 ل.س. إلى 1275 ل.س. أي بزيادة 275 ل.س. وتكلفة الأدوية زادت من 100 ل.س إلى 450 ل.س، أي بزيادة 350 ل.س. وبما مجموعه 1625 ل.س. تقسم على 350 كغ، الإنتاج الوسطي للدونم الواحد، فتكون الزيادة على تكلفة إنتاج الكغ الواحد من القطن 4.75 ل.س. ولما كان السعر العادل المقترح، الذي يضمن للفلاح إعادة إنتاج موسمه اللاحق، هو 60 ل.س. فيجب أن يكون سعر الكيلو غرام الواحد المجدي والمجزي الذي يضمن للفلاح لقمة عيشه بين موسمين كدخل وحيد للفلاح، ويضمن إعادة إنتاج الموسم مرة أخرى 64.75 ل.س. بينما سعّرته الدولة بـ42 ل.س. فقط. 

وكل المحاصيل الإستراتيجية أيضاً

التأثيرات السلبية نفسها أصابت كل المحاصيل الإستراتيجية المساهمة في إغناء الصناعة الوطنية ومدها بالمواد الأولية، فالشوندر السكري أصابه نصيب من ارتفاع التكاليف، حيث ارتفعت تكاليف الأدوية الزراعية اللازمة للدونم الواحد من 150 ل.س، إلى 450 ل.س. أي بفارق 300 ل.س. وارتفعت تكاليف السماد اللازم للدونم الواحد من 1200 ل.س، إلى 3000 ل.س، أي بفارق 1800 ل.س. ولما كان الإنتاج الوسطي للدونم الواحد حوالي 3 طن، فإن الزيادة في التكاليف على إنتاج الكيلوغرام الواحد بلغت 0.70 ل.س وبما أن السعر العادل المقترح لإعادة إنتاج الموسم مرة أخرى هو 6.50 ل.س للكيلوغرام، فإن السعر الجديد يجب أن يكون 7.20 ل.س في حين سعَّرته الدولة بـ3.50 ل.س فقط.

وكذلك الحال بالنسبة للتبغ، فقد زادت تكاليف الأدوية الزراعية اللازمة للدونم الواحد من 900 ل.س. إلى 2000 ل.س. أي بزيادة 1100 ل.س. وأسعار السماد اللازم للدونم الواحد من 775 ل.س. إلى 2500 ل.س أي بزيادة 1775 ل.س ولما كان الإنتاج الوسطي للدونم هو 350 كغ من التبغ الجاف، فتكون زيادة التكلفة لإنتاج الكيلوغرام الواحد هي حوالي 8 ل.س. ونتيجة لدراسة سابقة تبين أن السعر المجدي والمجزي لإعادة إنتاج المحصول مرة أخرى يجب أن يكون 152 ل.س للكيلوغرام الواحد، ومع زيادة التكاليف يجب أن يصبح 160 ل.س في حين سعَّرته الدولة بـ113 ل.س. فقط. 

آراء أصحاب الشأن

لم تشمل تصريحات المسؤولين في وزارة الزراعة دعم بعض الزراعات الإستراتيجية الهامة كالقمح والشعير، وتجاهلوا تماماً الكثير من الزراعات الاقتصادية الهامة كالحمضيات والكرمة والتفاحيات والفستق الحلبي والزيتون التي تتمتع سورية بدرجة هامة جداً في إنتاجها. وكان عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين ومدير مكتب العلاقات العامة قد قال: «الفلاح لن يكون عقبة أمام انتقال الاقتصاد من مرحلة إلى مرحلة». وهنا نتساءل: «هل سيكون انتقال الاقتصاد من مرحلة إلى مرحلة، عقبة في طريق تطوير زراعتنا التي عليها تعتمد جميع مفارق حياتنا اليومية؟ أو على الأقل الحفاظ عليها؟!!

ـ واتفقت جميع آراء الفلاحين على إدانة ورفض رفع الدعم عن أسعار السماد، فقال أحدهم: «المتطابقات الشهيرة للحكومة تنفذها وزارة الزراعة بالتعاون مع وزارة الاقتصاد، ففي أوج إنتاج الحمضيات المحلية، سمحت الحكومة بدخول الحمضيات المصرية، وضربت معظم مواسم فلاحينا. وفي أوج إنتاج الزراعات المحمية، التي نصدر قسماً كبيراً منها، أوقفوا التصدير، وبعنا الموسم بربع التكلفة، ومنذ عام رفعوا سعر المحروقات، فتحول مزارعو الزراعات الإستراتيجية، التي تتطلب مصاريف كبيرة للري كالقطن والشوندر السكري والقمح والتبغ، إلى الزراعات البديلة. وأخيراً كانت الضربة القاصمة للظهر حين أمَّلونا بتخفيض سعر المازوت، فكان البديل رفع الدعم عن أسعار السماد التي زادت بين ليلة وضحاها بنسب تتراوح بين 200% وحتى 300% في أغلب الأحيان، وأظنها خطة مدروسة «لتطفيش» الفلاحين، وتحويل أراضيهم بعد ذلك إلى فيلات ومنتجعات سياحية، يمارسون فيها فسادهم وعبثهم، على حساب الوطن وحماية أمنه وأمانه...»

ـ ذكر فلاحون في محافظة إدلب أن المستودعات الخاصة المليئة بالسماد فتحت أبوابها بعد تحرير الأسعار، وبعدما ظهرت معاناة الفلاحين الكبيرة في استجرار السماد الكافي من المصرف الزراعي، وبدأ التحكم بالأسعار لترتفع بنسب كبيرة وصلت ما بين 200% و350%، وذكروا أن كيس السماد من نوع اليوريا، الهام جداً لزراعة البطاطا في العروة الربيعية، يتم بيعه في السوق السوداء بـ725 ل.س. بينما سعره الرسمي في المصرف الزراعي 410 ل.س. وقد اعتذرت المصارف الزراعية عن بيعه إلا بكميات محددة مسبقاً، علماً أن مستودعات المصارف الزراعية مليئة بهذا النوع من الأسمدة، ولكن يبدو أنه يتم تهريبها إلى السوق السوداء، فكيف وبواسطة من يتم ذلك؟! وبمعرفة من؟!!

ـ الفلاح حسن عمار من محافظة إدلب قال: « لم تكن هذه هي الخطوة الأولى ولن تكون الأخيرة على طريق التخلي عن الدور الرعائي للدولة في الكثير من القطاعات الاقتصادية، واليوم وبعد قرار رفع الدعم عن أسعار الأسمدة، وتوزيعها بالكميات المقررة حسب الرخص الزراعية والتنظيم الزراعي، التي لا تكفي لتنفيذ الخطة الزراعية كاملة، سيضطر الفلاح لاستجرار ما ينقصه من السماد من السوق السوداء، رغم الأسعار الفاحشة التي يفرضها التجار للمواد نفسها، بالعبوات نفسها التي يوزعها المصرف الزراعي، فكيف وصلت هذه المواد إلى السوق السوداء؟!!» 

حذار من التفريط بالقطاع الزراعي

إن غلاء مستلزمات الإنتاج وارتفاع تكاليفه ستؤدي حتماً إلى تراجع الإنتاج الزراعي، وهذا بفضل السياسات الحكومية المستمرة الساعية إلى تهميش وضرب العاملين في المجال الزراعي، شأنهم شأن الكثيرين من أفراد المجتمع، الذين تسعى الحكومة إلى تيئيسهم وجعلهم يبحثون عن حلول فردية للأزمات التي تخلقها الحكومة الواحدة تلو الأخرى، حتى ولو كان الحل بالهروب من هذا الوطن، والهجرة بحثاً عن لقمة عيش مفقودة، وهذه خطوة خطيرة تخطوها الحكومة نحو تدمير البنى الاجتماعية والاقتصاد الوطني، والإخلال بالأمن الغذائي، وكأنما هناك من يسعى لتسهيل إخضاع الوطن وتركيعه من الداخل، أمام المخططات الخارجية الرامية إلى النيل من صموده وعزته وكرامته.. 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الأحد, 31 تموز/يوليو 2016 21:34