خط «الدائري الجنوبي» بحلب.. هكذا تكون الخدمات وإلا فلا!!
حديث المواطنين حول باصات الدائري الجنوبي في مدينة حلب بوح مشبع بالهموم والمعاناة اليومية وكثرة الشكاوى، فتلك الباصات أنهكتها السنون، ومعظمها قديمة جداً وبالية ومهتلكة، إذ يعود عمرها لأكثر من ثلاثين عاماً، وبالتالي فهي بحاجة إما إلى التنسيق، أو إلى إعادة التأهيل بشكل كامل، وهذا بدوره يكلف أكثر من سعر الباص ذاته..
وبنظرة إلى تلك الباصات المتهالكة من الداخل ستبدو للناظر، الراكب بطبيعة الحال، فاقدة لكل معاني الراحة والإنسانية، فهي مجردة من الكراسي، أما إذا وجدت فعددها قليل جداً، بعضها هرب منها مسند الظهر، وأخرى ممزقة القماش، وثالثة عارية تماماً (هيكل حديد صدئ)، وقد عمل المستثمر مؤخراً على إلغاء بعض المقاعد الخلفية وذلك لزيادة المساحة التي تمكنه من صعود عدد أكبر من الركاب وقوفاً، ولم لا؟ فهمّه الوحيد هو جمع أكبر قدر ممكن من الأرباح، حتى لو تجاوز ذلك كل ما عرفه المواطن السوري تاريخياً من طمع وجشع الطامعين الجشعين.
رحلة المشقة
عند وصول الباص بعد انتظار طويل للناس تحت سحابة الدخان التي تغطي السماء الحلبية، يتدافع الركاب ويتزاحمون.. في بداية الأمر يتعاركون من أجل الصعود للحصول على مقعد، وبعدها يتحول الصراع حول من يستطيع الصعود.. الذين وُفّقوا بالصعود تجدهم وقد حشروا فوق بعضهم، كل يحاول تحسين موقعه، غير مكترثين بكبار السن والنساء والأطفال، وطبعاً الأغلبية لا تجد موطئ قدم للوقوف من شدة الازدحام، أما من فشل في الصعود، فيبقى واقفاً على الرصيف المكتظ متفرجاً ومتحسراً ومجبراً رغم أنفه على البقاء منتظراً باصاً آخر سيبطئ في الحضور..
تبدأ الرحلة، السائق الذي يضع جلابيته داخل البنطال بمنظر غير حضاري، وسيجارته الطويلة بيده، لا يكف عن توجيه الأوامر للركاب بصوته المرتفع: (ادخلوا لجوّا.. الباص فاضي!!! شو ما سمعت؟؟؟).. ثم يبدأ دور المعاون لجمع أجرة الركوب، فيتنقل بصعوبة بين الركاب المحشورين كقطيع غنم، ليزيد من ثقل الفوضى والازدحام، وهنا على من لم يحالفهم الحظ بإيجاد كرسي للجلوس، أن يتمسكوا جيداً لكي لا يتعرضوا للسقوط أثناء ضرب الفرامل المفاجئ في أية لحظة.. ويرافق هذا الجو اللطيف جداً جداً صوت المسجل المرتفع لأغاني ما أنزل الله بها من سلطان، كلمات وإيقاعات تثقب أذني الراكب فتزيد شعوره بالضيق والانزعاج، أما السائق فتجده متفاعلاً منفعلاً مع كلمات وموسيقى أغنيته، فيأخذ الباص بمن فيه بالترنح والانعطاف يميناً ويساراً على الأنغام المسموعة، وتزاد السرعة وتبدأ المطاحشة مع السيارات الصغيرة.. ويعلو صوت الأشطمان الذي يخترق مجرى السمع، فيطرب المعاون ويتفاعل مع السائق، فتراه يصرخ تارة ويرقص تارة!.
ثم يأتي دور الكلام النابي.. فعند أية مشكلة مهما كانت صغيرة يتفوه المعاون أو السائق بكلمات تخدش الحياء، ولا يحق لأي راكب الاعتراض على شيء، فربما يتعرض إلى الضرب أو الطرد من الباص! في هذا الجو المضطرب يستغل بعض الشبان المنحرفن شدة الازدحام، فيقوم بعضهم بالتحرش بالنساء، ويقوم سواهم بعمليات سرقة ونشل، ويتناسى آخرون أفضلية الجلوس لكبار السن والنساء، حيث تجد رجالاً أكلت عمرهم السنون وأفناهم التعب واقفين على أقدامهم، وشباب في ميعة الصبا جالسين غير مهتمين لأحد!
أما عن تسعيرة أجرة الركوب، فالمواطن مضطر لدفع بطاقة ذهاب وإياب، وقد لا يستخدم هذا الخط سوى مرة في الشهر، فتتلف البطاقة بجيبه ويرميها.
الركاب يتحدثون..
يقول أبو عبدو بصوت حزين وغاضب: «إلى متى نبقى هكذا نرضى بالإذلال والمعاملة السيئة.. حتى في النقل هناك من يحاول معاملتنا بصورة غير إنسانية، ففي باص الدائري حتى السائق ومعاونه يهينون الناس، والباص يأتي متأخراً، ولا يتحرك إلا عندما يمتلئ ولا يبقى مكاناً لوضع قدم، ويتجاهل السائقون المواقف التالية.. التنظيم مفقود والعشوائية مسيطرة، وكل سائق يفعل ما يفرضه عليه مزاجه».
علي (طالب جامعي): «تقدمنا بعدة شكاوى تتعلق بتخديم الخط، ولا حياة لمن تنادي. الباصات مهترئة ومنتهية الصلاحية، أين المسؤولون؟ أين الحكومة؟؟ ألا يرون ما نعاني منه؟!.
سامر يضحك بألم ويقول: «ما نفع الشكوى؟ تقدمنا بآلاف الشكاوى وما حدا رد علينا».
أخيراً نقول: هل على المواطن أن يعيش مهموماً حتى بأبسط الأمور الخدمية؟ ألا يكفيه غلاء الأسعار التي شلت تفكيره وأفرغت جيبه؟ لماذا لا تعمل الدولة على تخديم هذا الخط بصورة أفضل، خاصة مع وجود باصات جديدة وسائقين مسجلين في مكتب العمل يبحثون عن وظيفة منذ عشرات السنين، أم أن للمستثمر يداً في كل هذا الخراب المهيمن؟؟
أ - ف - م - حلب