مآس طلابية، جامعية وثانوية، في دير الزور
ألم يساهم خريجو الجامعات الحكومية عبر العقود الماضية في بناء الوطن وخدمة مواطنيه اقتصادياً واجتماعياً، ما أكسبه القوة والمناعة في مواجهة أعدائه داخلياً وخارجياً؟! أولم يكونوا بمستوى خريجي الجامعات الأجنبية بل وتفوقوا عليهم أحياناً؟!
وهل مازال التعليم بجميع مراحله محافظاً على مستواه ويقوم بدوره؟! أم أنه أصبح حلماً بعيد المنال؟ فحتى الحلم بالعلم والعمل قد ضاع، وتاه الأطفال والشبان والشابات في الشوارع وزواريب البطالة، وما تحويه من رذائل كالجريمة والدعارة والفساد الأخلاقي وغيرها من الأمراض الاجتماعية والفكرية التي انتشرت بكثرة في مجتمعنا، وظهرت نتائجها السيئة على مساحة الوطن.
وأخيراً أيهما أهم: استثمار وبناء الإنسان المواطن، أم الاستثمار الوهمي الذي تذهب أرباحه في جيوب القلة القليلة؟!
من يعرف واقع التعليم سابقاً من حيث السياسة التعليمية وتوفره لكل أبناء الوطن، أو من حيث مستواه، ومن يتابع واقع التعليم الحالي الذي يُدفع باتجاه الخصخصة الرسمية، أو الدروس الخاصة التي تمارس جهاراً، وتوزع لها وتلصق إعلانات حتى من غير المختصين، وحرمان نسبةٍ عالية من أبناء الفقراء منه، والتخبط في السياسة التعليمية، وارتفاع نسبة الأمية من جديد، وغيرها من المؤشرات، يجد بوناً شاسعاً. ويأسف على ما فات!
جامعة الجزيرة الخاصة في دير الزور والواقع الجديد
في العام الدراسي الحالي قامت جامعة الجزيرة بتسجيل الطلاب في كلية الهندسة المعلوماتية وعددهم 24 طالبةً وطالباً، وقدَّمنا الطالبات على قلتهن تقديراً للمرأة التي سيحل عيدها العالمي في 8 آذار أي بعد أقل من شهر، لذا تستحقّ منّا التحية سلفاً، والتسجيل تمّ، كما يقول الطلاب، بناءً على وعدٍ بالترخيص لهذه الكلية من وزير التعليم العالي في زيارةٍ سابقةٍ لعمادة الجامعة، والتي قامت على أساسه بالتسجيل، وللعلم نسوق لكم أنّ تكلفة السنة الواحدة فيها حوالي 225 ألف ليرة سورية، عدا التكاليف الأخرى والمصاريف التي تصل إلى حوالي 300 ألف ليرة سورية، ويروي أحد الطلاب أنّ والده واثنين من أعمامه تعاونوا على تحمل تكاليف دراسته من أجل تحقيق ولو حُلمٍ واحد وهو العلم، وهو من الأحلام التي باتت بعيدة المنال للفقراء والمستضعفين في هذا الوطن، بسبب انحراف السياسات التعليمية، أما حُلم العمل فقد بات أبعد من نجوم السماء، يؤكد ذلك وجود آلاف الخريجين دون عمل!
بعد دوام فصل كامل سدد خلاله الطلاب والطالبات حوالي ثلثي المبلغ، حوالي 150 ألفاً، وهم غارقون في هذا الحلم، أفاقوا على كابوسٍٍ خطير. ففي الزيارةٍ الأخيرة لمعاون وزير التعليم العالي للجامعة في بداية الفصل الثاني، كان مقرراً اللقاء بالطلبة وأبعد طلاب كلية المعلوماتية عن اللقاء بالقول لهم: انتهت محاضراتكم، لكن أحدهم بقي ونقل واقع زملائه وتساءل عن مصيرهم، فتفاجأ معاون الوزير، وقال: «على حد علمي أنه ليس هنا كلية معلوماتية، ولكن سنبحث الأمر». ثمّ قامت عمادة الجامعة تداركاً للأمور بعد أن انكشف المستور بتحويل طلاب الكلية الذين يحملون البكالوريا العلمي إلى كلية الهندسة المدنية واعتبارهم ناجحين في المواد المشتركة، وتحميلهم بقية المواد، أما طلاب الثانوية الصناعية المنتسبون للكلية نفسها فقد خرجوا من المولد بلا حُمص كما يقول المثل الشعبي. ومن كان منهم لديه قبول في جامعةٍ حكوميةٍ حتى ولو لا يوافق رغبته، عاد يبحث عنها، ومن يمكن أن تقبله جامعةٌ خاصة أخرى سيجري بحث وضعه، ومن لم يجد هذا أو ذاك ضاع في الشوارع! وفي جميع الأحوال ضاعت سنةً من عمرهم هدراً.
وأما التكاليف المالية التي دفعوها، فقد قيل لهم إنها ستعاد لهم وسيتم قطع 5000 ليرة سورية رسوم التسجيل فقط، ثمّ ارتفع المبلغ إلى 12000، وبدل أن يُعوضوا مادياً ومعنوياً تكسرت أحلامهم هدراً، فمن يتحمل المسؤولية؟! هل وزارة التعليم العالي بسياساتها التعليمية المتبعة التي تدفع باتجاه الخصخصة؟ أم جامعة الجزيرة التي كانت وعودها بالأصل خلبية؟
يطالب الطلاب بقبول تسجيلهم ومحاسبة المسؤولين عن ذلك، سواء في الوزارة أم في الجامعة، كما يطالبون بتعويضهم مادياً ومعنوياً قبل أن يضطروا لرفع دعاوى قضائية.
جامعة الفرات الحكومية بدير الزور
اشتكى لنا العديد من الطالبات والطلاب في جامعة الفرات ـ كلية الآداب، ومن قسم اللغة الانكليزية خاصةً، من عدم توفر بعض الكتب المقررة للسنة الأولى، وحول العديد من القضايا، منها ممارسة بعض المعيدين التدريس فيها ممن لا يحق لهم التدريس كونهم يملكون معاهد خاصة، وأنّ الكلية لا تتوفر فيها مخابر لغوية، وجاءت نتائج امتحانات الفصل الأول لتؤكد وتبين أن نسبة النجاح منخفضةٌ بالنسبة لبقية أقسام الكلية.
معظم الطلاب أكدوا عدم توفر المناهج الرسمية، وأنه لا يوجد دكاترة مختصون إلاّ فيما ندر، وأن أسلوب الامتحان في المواد المؤتمتة تتم الإجابة فيه بقلم الرصاص بحجة أنه في حال وجود خطأ في طريقة التظليل ولا يستطيع الحاسوب قراءتها، يمكن تصحيح التظليل، وهنا نتساءل: ألا يفسح ذلك مجالاً للتلاعب بالنتائج؟!
ثانوية الشهيد حاكم الفندي في موحسن
اشتكى العديد من الطلاب والطالبات في السنة الأولى ثانوي (العاشر) ومعهم أولياؤهم، من عدم توفر مدرس لمادة الرياضيات بشكل مستقر، وانقطاع مدة شهر ونصف في الفصل الأول، ورغم المطالبة الملحة إلاّ أنّ الأمور بقيت على حالها رغم الوعود الكثيرة من مديرية التربية وموجهي المادة.
قضية هامة أخرى، أنّ الطلاب المتأخرين عن الدوام نتيجة ظروف المواصلات أو غيرها، يجري إغلاق الباب في وجههم وطردهم، وعدم إدخالهم إلى المدرسة، وبالتالي يبقون في الشارع، حيث تسحبهم أخلاقياته وممارساته، فهل هذا ما نريده لأبنائنا؟ أم أنّه من المفترض إدخالهم ليستفيدوا ولو على الأقل الحد الأدنى من المعلومات حتى لا تضيع عليهم الحصص، ومتابعة ألأمر مع أولياء أمورهم لإيجاد الحلول المناسبة، خاصةً وأنّ الطلاب يأتون من مناطق بعيدة بسبب اتساع المساحة التي تغطيها الثانوية، وحلّ هذه المسألة يجب أن يتمّ بالأسلوب التربوي الذي يبحث الأسباب، ونتائج بقاء الطلاب خارج المدرسة!! مع أننا يجب أن ننوه إلى أن إبقاء الطلاب خارج سور المدرسة أمر غير قانوني، وقد سبق أن تعرض مدير مدرسة للتوقيف بعد أن تقدم ولي أمر طالبةٍ بشكوى (وفق القانون) بحقّ المدير الذي أبقاها خارج المدرسة.
الوقائع والحقائق والأرقام تواجهنا، وحجم التحديات الخارجية والداخلية كبيرٌ جداً، وحجم الفساد بأنواعه أيضاً كبيرٌ جداً، وأن كلّ ذلك لم يعد يحتمل الهمس والهمز واللمز، وباتت الأمور تحتاجُ إلى موقف واضحٍ وصريحٍ من جميع الشرفاء في الوطن، كي يأخذوا على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن حقوق وكرامة الوطن والمواطن، التي ستبقى فوق كلّ اعتبار!
■ مراسلو قاسيون ـ دير الزور