وهم التنزيلات.. وكذبة المحلي السوق السورية الراكدة.. والمواطن ذو الجيوب الخاوية

دخل المواطن السوري منذ أول رمضان شهور غيبوبته، وهنا قد يقول قائل وهل خرج منها أصلاً؟ نعم الشهور القاسية تتوالى، والواقع الاقتصادي على صعيد الناس والبلد صعب وقاس في المجالات كافة، فكما يشكو المعدم والعاطل عن العمل، يشكو التاجر الصغير والكبير، المواطن من قلة حيلته وضيق يده، والتاجر من الركود وقلة وضيق حال زبونه (المواطن)..  وكل منهما يحلم بواقع أفضل قد لا يهل بهلاله في المدى المنظور..

السوق المزدحمة في الأيام القليلة التي سبقت العيد، وتجعل من زحمته مجرد منظر يجب أن يتكرر، مشهد يحبه الأولاد والنسوة، ويكرهه الرجال، الناس في أيامنا هذه ينزلون السوق للفرجة لا للتبضع، أو اصطياد قطعة رخيصة.. ومن لا يصدّق عليه فقط أن يراقب الازدحام الحاد على الأرصفة وفي الشوارع ووسائل النقل.. وما يقابلها من خواء شبه تام للمحال التجارية إلا من العاملين القلائل فيها.. 

أما التاجر فيمارس لعبة الحواة في نفح رأس المواطن بمزمار التنزيلات، من 20%- 70% وعلى الأرض يقول المواطنون إن الأسعار لم تهبط، بل على العكس التنزيلات الوهمية هي فقط للبضائع التي نامت من موسمين، وعسى موسم العيد يذهب بها إلى أجساد من لا يهمهم فوات الموضة أو عدم مناسبتها للذوق الدارج.. 

سوق الألبسة

تُرى من يكذب على من؟ ومن يخدع من؟ اللعبة ليس المواطن أحد أطرافها، تجار الجملة يمارسون الكذب على صغار التجار، موسم الألبسة الصينية يتعاظم، فيما تنام الورش الصغيرة، والمشاغل على حلم أن تستطيع سداد جمعياتها (أقساط أسبوعية) للخياطين، ولعمالها، أما العمال فيهرعون إلى موسم العيد لأنه الموسم الوحيد للعمل، وهم يتقاضون أجرتهم الأسبوعية التي تتفاوت ضمن حدودها الدنيا، وربما تتمكن (العيدية) من إنقاذ شهرهم، أو يأخذون بدلاً عنها لباساً لأبنائهم الذين يزداد عددهم رغم كل شيء.

أما المواطن  فسيدفع ثمن هذا الكذب المتبادل، التاجر الصغير المخدوع (سيفش) غضبه في وجه  المواطن، وهنا في أسواقنا سيمارس عليه شتى أنواع الحلفان والأيمان الغليظة ليصدقه، لكن لا خديعة تنطلي على من جيبه فارغة.. وأحلامه تتخبط في طريق مسدود.

سوق الحمرا.. سوق النساء والموديل المثير للملل، سوق يرثى لحالها، التجار يجأرون من الركود، التنزيلات وصلت إلى أدنى المستويات، فقط 205 سعر أية قطعة، إعلان آخر (سبورات 350)، أما ساحبو الزبائن (الشقيعة) فيمسكون بالزبائن بين الهمس والجر، والجميلات يذرعن الحمراء من أولها إلى آخرها متفرجات حالمات.. وغالباً دون التعريج على أي محل.

أحد التجار يقول: أنا على أبواب الستين من عمري، أستطيع أن أقول لك لم تعش السوق موسماً أو وقتاً أسوأ من هذه السنة، نحن لا نبيع أبداً، أو نبيع بأسعار رخيصة دون أرباح تذكر، نريد ألا نخسر فقط وألا نغلق محلاتنا ونقعد في بيوتنا.

تاجر آخر: لقد ذبحنا الصيني، انظر إلى السوق، البسطات تعمل أكثر منا، وتاجر البسطة يبيع ويربح، بينما نحن نكش الذباب فقط. 

أما المواطنون فلم تغرهم التنزيلات الكبيرة، وربما من تعدادها، وكبر نسبتها أثارت فيهم الإحساس بالخديعة.. والمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.

(روعة. ه): هؤلاء يخدعوننا، ليست هناك تنزيلات حقيقية، التنزيلات على الرجالي ربما، والمستورد الصيني، هل ترى حسومات على ألبسة الأطفال على سبيل المثال؟.

آدم. م (الزوج): التنزيلات في الألبسة الرجالية غير حقيقية أيضاً،  سعر البنطال الرجالي من  400- 800 ليرة، والكنزة الرجالية المستوردة ما بين 500- 1000، أما الحذاء الرجالي فمن 350-3000 ليرة، هذه فوارق مريبة ومخيفة ولها مدلولات لا تبعث على الطمأنينة.

بسطات وزحام وبيع

سوق الفقير عادت بقوة، الناس هنا يتجمعون على الأرصفة، وأمام المحلات الخاوية، وصياح بين أصحاب المحلات والبسطات، تصل إلى الشكوى إلى الشرطة والبلدية، على طرفي النفق الذي يقع أمام سوق الحميدية، وفي وسط السوق بائعو البسطات يصيحون على بضائعهم بحماس، وقد قال أحد المواطنين إن هؤلاء هم أبناء أصحاب المحلات في أغلبهم، بعد أن كره المواطن دخول المحلات لحقوا به إلى البسطة لأنهم لا يقبلون الاستسلام.

في سوق شارع لوبية في مخيم فلسطين ثمة سوق أوضح، المحلات هي في ملكية أغلبها لتجار من أسواق العاصمة هربوا إلى الأطراف، ما تجده في (لوبية) نفسه في الجسر الأبيض بفارق يصل إلى 1000 ليرة لمصلحة الثاني.

الفارق بين (لوبيه) وسواها أن السيطرة هنا للبسطات المفروشة على العربات والأرصفة، داخل السوق وخارجه، وهنا يمكن أن يجد المواطن بنطالاُ يتراوح سعره بين 300-500 ليرة، وقميص 200-500 ليرة، وبهذا يشتري لأولاده ما يمكن أن يسمى لباس العيد، على الأقل أنه جديد. 

حكاية أبوعلي

أبو علي موظف من الفئة الرابعة، متزوج من امرأتين، لكن لديه واحدة فقط بعد أن طلق الأولى، لديه سبعة أولاد، خمسة من الأولى واثنان من الثانية، لكنهم كما يقول كلهم أبنائي، وهذا ما تؤكده الثانية (أم أحمد).

قال لي أبو علي: بخمسة آلاف ليرة فقط أشتري لأولادي لباس العيد، الناس هنا تحب الشكوى و(البروظة)، يعني هل من الضروري أن أشتري لبنت عمرها شهران فستان بـ2000 ليرة، أنا أسكن في ريف دمشق، وكل سنة أنزل إلى تل منين، أحد أكبر المحلات يبيع كل بنطال جينز بـ350 ليرة، والبلوزة أو الكنزة بـ250، مع جوز جرابات، وكندرة أو بوط 250 الكل يلبسون، لكن الناس كما قلت لك صارت  تتكبر ولا تريد أن تعترف بحقيقة وضعها المتراجع. 

سوق عاصم

أغلب الساكنين في محيط العاصمة يذهبون إلى سوق عاصم، وشهرة السنوات الطويلة جلبت له الزبائن من الريف، الفقراء يبشرون بعضهم بالقطعة الرخيصة والنظيفة، هذا ما قاله صاحب أحد المحال التجارية.

يوسف (خ) يقول: هذه القطعة من المشغل نفسه، موجودة لدي وفي سوق الصالحية، سعرها هنا 750ليرة، وسعرها هناك 2500 ليرة، خذها وتأكد، والأدهى أن مشغلها في صحنايا، والعاملات من الريف ومن أرخص الأجور، هذا جشع تاجر، لا توجد أزمة في سورية، توجد أزمة جشع، وعدم رقابة.. هناك فلتان غير مسبوق.. الله يجيرنا.. إلى أين نحن ذاهبون؟!

على طول الشارع بسطات الأحذية تنادي على أحذية بأسعار غريبة ورخيصة، 250- 1000 ليرة، وبعضها من الجلد الطبيعي، بالة وألبسة مستعملة، وإكسسوارات صينية من 10- 100 ليرة في أفضل أحوالها.. وكل سلعة لها زبائنها بالتأكيد..

الحلويات..آه من الحلو!

الطرف الثاني في معادلة العيد، والدليل على احتفال البيت وأهله بالعيد هو الحلويات، في السنوات الأخيرة أغلب النساء بدأن بصنع الحلويات في البيت لتوفير أكبر قدر من المال على الأسرة، وصنع أكبر كمية ممكنة منها، فأسعار السوق الغالية أعادت هذه العادة لكن ليس من باب الحب بل من باب التوفير وضيق ذات اليد.

في السوق الأسعار في قمتها، وهنا لا تنزيلات تحرك السوق، والتجار لا يتراجعون عن أسعارهم، فهم يتذرعون بأسعار المواد الأولية الغالية والمستوردة، من السمون والسكر، والجوز والتمر.. إلخ.

فعلى سبيل المثال سعر كغ الحلويات الشرقية يصل من 250-1400 ليرة،  الشوكولا والسكاكر والملبس والراحة والنوكا وهي من الحلويات الشعبية والمعدة لضيافة العيد 150- 800 للكيلو، أما الملبس فوصل سعره إلى نحو 400 ليرة، الراحة بالفستق 200- 650 ليرة، أما النوكا فلا ينزل سعرها عن 550 ليرة سورية مهما تدنى نوعها.

وهنا تتعدد أنواع الحلويات حسب المواد التي تشكلها، وتختلف الأسعار إن كانت بالسمن النباتي أو الحيواني، أو غيره مما قد ساد مؤخراً خارج أعين الصحة والتموين، وحسب جودة الحشوة المستخدمة وما تتضمنه.

فمن أهم صحون العيد في الزيارات العائلية يتصدر البرازق والغريبة والبيتفور قائمة الضيافة، أسعاره ارتفعت جملة واحدة 250- 500 للكيلو غرام.

أما البقلاوة والمبرومة و«كول وشكور» وسواها من الحلويات الثقيلة كما هذا على صعيد  الحلويات الشعبية، أما خارجها فيصل سعر كيلو الشوكولا للأصناف عالية الجودة إلى 8000 ليرة سورية. 

عودة مظفرة

البالة عادت إلى عزها بعد أن اعتقد تجار الجديد وزبائنهم أن عصر البالة قد ولى، ودخلت في نفق لن تعود منه أبداً.

على عكس هذا الاعتقاد يرى تجار البالة أن الناس بعد تجربتهم في سوق الجديد اقتنعوا أن البالة أرخص سعراً وأطول عمراً.

أضف إلى ذلك أنه على سبيل المثال كما يقول (سامي) أحد الشبان المتسوقين في السوق المقابلة لقيادة شرطة دمشق: أترى هذا الحذاء؟ اشتريته بألف ليرة من سنتين وهو ما زال على حاله، بينما كنت أشتري الحذاء من الصالحية بأغلى من هذا ولا يصمد أكثر من ستة أشهر.

أحد أصحاب محلات البسطة: هنا نبيع أكبر الماركات العالمية، البالة لا تعني كما يعتقد البعض الألبسة التي يجب أن ترمى في الزبالة، هنا أفضل أنواع القمصان، البنطلونات، الأحذية.. كما أن لدينا زبائن من فنانين ومهمين ومسؤولين، وحتى رجال أعمال.

سوق البالة من مدخل الفحامة إلى أزقتها الضيقة تمتلئ بالمشترين من جيل الشباب، هنا توجد الموديلات الحديثة، البنطلونات من ماركة لا تصنعها مشاغلنا، ولا تصنعها الصين، هذا رأي أحد الشباب الذي يقول أيضاً أنه لا يشتري سوى من البالة.

الأسعار متنوعة فالبنطال يتراوح سعره بين 500- 2000 ليرة سورية، والقمصان 200- 600 ليرة، أما الأحذية فمن 1000- 2500 ليرة. 

مواسم مكررة

مواسم التعاسة تتكرر، الهواجس التي يعيشها السوري نفسها منذ سنين وسنين، الشهور والفصول تعني له ما سيدفع وما سيستدين منذ أسبوعها الثاني، الشتاء لا يعني المطر الجميل الحميم، الشتاء هو تأمين ثمن المازوت والمدفأة، ورمضان شهر الصوم والعبادة للاستدانة، والصيف ليس للمشاوير بالتأكيد، بل هو فواتير الكهرباء والتقنين والحر المتزايد.. وهكذا..

تتشابه الفصول والأيام لكنها تزداد وطأة وحاجة، مع أحلام مؤجلة عن الزيادة على الراتب المحدود، عن خوف من إسقاط آخر وريقات الدعم، عن التهام الخاص للكهرباء والهاتف والماء.. إلى آخر معزوفة كانت تسمى القطاع العام.

العيد والمونة والمازوت والمدارس مشاريع قادمة للخيبة، تحتاج إلى أربع وظائف، خمسة رجال، أو سوبرمان استثنائي يدعى (المواطن).. مشاريع خاسرة الرهان، لكنها الحياة.

آخر تعديل على الخميس, 28 تموز/يوليو 2016 00:44