أعجب العجب في جامعة حلب.. ثقافة الكرات والأقدام.. على حساب الفن!

أصبحنا لا نستغرب كثيراً عندما تؤول الأمور إلى غير أهلها في قطاعات الحياة اليومية المختلفة، ولكن عندما تؤول الأمور إلى غير أهلها في أهم مؤسسة علمية وثقافية ألا وهي الجامعة، فإن العجب لا يكفي بل يستدعي ذلك دموع الأسف على ما وصلت إليه الحالة الثقافية والاجتماعية.

مجموعة من الشباب الموهوب كلفوا أنفسهم بالمساهمة في تنشيط الحراك الثقافي والفني والاجتماعي، وشكلوا فرقة مسرحية أسموها  غودو ((goDot رمز الانتصار. وقرروا المساهمة بمسرحية جادة وراقية على حساب وقتهم ودراستهم ومصروفهم الضئيل الذي يتقاضونه من أهاليهم بشق الأنفس، لتكون مسرحية (المتوقع) باكورة أعمالهم.

ولكونهم طلبة جامعيين فقد رأوا أن أنسب مكان للعب هذا الدور هو اللجوء إلى جامعة حلب ولبعض المسؤولين الطلابيين فيها للاستفادة من الإمكانيات الموجودة. فماذا كانت النتيجة؟

قدموا نص المسرحية إلى المكتب الإداري (مكتب النشاطات) فلم يحصلوا على الموافقة على النص إلا بعد شهرين، ولم يتم ذلك إلا بعد أن قام أعضاء فرقة غودو بالإلحاح والسؤال اليومي عن الموافقة.

احتاروا في البحث عن مكان لإجراء التدريبات على المسرحية، ولم  يأبه بمساعدتهم أحد رغم وجود الإمكانيات لدى الجامعة والمسؤولين الطلابيين، فما كان منهم سوى إجراء التدريبات خلسة في إحدى القاعات المهملة بعد توسلات شديدة للمستخدمين ليغضوا الطرف عنهم، فتبدأ معاناتهم بهذا الآذِن الذي يطردهم لتعكر مزاجه وذاك المستخدم الذي يقطب حاجبيه مفتياً لهم أن المسرح حرام وعليهم أن ينتبهوا لدروسهم.

رغم ذلك، وبحماس الشباب الذي لا يمل ولا يكل استمروا في تدريباتهم وتحضيراتهم منتظرين رحمة المكتب الإداري بالموافقة على النص وبمنحهم مسرح الباسل لعدة ساعات ليقدموا عرضاً وحيداً.

وافق أخيراً المكتب الإداري على عرض واحد للمسرحية على أنه سيعطيهم مسرح الباسل لمدة ساعتين ونصف فقط وعليهم أن يتدبروا كل أمورهم بأنفسهم (الديكور، الإضاءة، الصوت، الإعلان) وعلى نفقتهم الخاصة، وخلال هذه المدة حصراً.

علقوا إعلاناتهم قبل ساعات من موعد العرض. ودُهش الجميع بكثافة الحضور فرغم أن لم يكن لديهم متسع من  الوقت لإخبار حتى أصدقاؤهم فقد فوجئ الجميع بامتلاء المسرح بمئات الطلبة المتعطشين لثقافة جادة ومحترمة ، الأمر الذي أنسى الجميع كل تعبهم الذين بذلوه خلال شهرين.

بدأ العرض وتألقت الفرقة نصاً وتمثيلاً وإخراجاً، وتصاعد تصفيق الجمهور لهذا العرض الرائع، وما أن مضت ساعة من العرض المتميز، والمسرحية لم تنته بعد حتى تقدم بعض المسؤولين الإداريين طالبين من مدير الفرقة إنهاء العرض وإفراغ المسرح من الجمهور لأنه هنالك مباراة للدوري الانكليزي سوف تعرض في مسرح الباسل!!

حاول مدير الفرقة بشتى الوسائل إقناع المتدخلين بأن ذلك مستحيل، وأن الفرقة ملتزمة بالمدة المحددة، وستفرغ المسرح في الوقت المتفق عليه، وقبل بداية المباراة المقدسة، إلا أن جهوده قد باءت بالفشل. وفوجئت الفرقة والجمهور بتجمّع عدد من الطلبة الذين حضروا لمشاهدة المباراة أمام باب المسرح الجانبي قرب المنصة، وهتافهم بأصوات عالية وبشكل متواصل بهتافات كروية قاصدين التغطية على أصوات الممثلين. وتم لهم ذلك حيث لم يعد بإمكان الممثلين إسماع أصواتهم إلى بعضهم البعض، ناهيك عن إسماع أصواتهم إلى الجمهور. الأمر الذي حدا بمدير الفرقة إلى أن يصعد إلى المنصة معتذراً من الجمهور عن عدم إكمال الربع ساعة الأخير من المسرحية ليتقدم بعد ذلك أعضاء الفرقة مجتمعين لتحية الجمهور الذي ضج بتصفيق حار ومتواصل لفترة طويلة.

إننا بدورنا نحيي أعضاء الفرقة فرداً فرداً ومديرها، ونحيي الجمهور الواعي المثقف الذي تفهم صعوبات العمل الثقافي والفني عندما يتحكم غير المؤهلين بالحراك الثقافي، وإننا نسأل المسؤولين الطلابيين في جامعة حلب، وجميع المعنيين فيها: هل وجِد مسرح الباسل في جامعة حلب لتنشيط الحراك الثقافي أم لعرض مباريات الدوري الانكليزي؟ وهل مباراة الدوري الانكليزي أهم من المسرح؟ وهل القائمون على هذه النشاطات من البعض بعد الذي رأيناه منهم يستحقون الموقع الذي يشغلونه؟ أسئلة برسم أولي الأمر.

حلب ـ زياد الحمود