ظاهرة الاحتيال.. والبيئة الاجتماعية – الاقتصادية المشجعة
يلجأ كثيرٌ ممن يقعون ضحية التردي الاقتصادي والأخلاقي، إلى العديد من أساليب الكسب غير المشروع المنتشرة في سورية. ومن هذه الأساليب، أخذ مبالغ مالية من بعض الأشخاص الساذجين، أو أصحاب المشكلات مستعصية الحل، كالمعاملات الإدارية والدعاوى القضائية، مقابل وعد بمساعدتهم من خلال أصحاب النفوذ على حل هذه المشكلات، وكثيراً ما تكون النتيجة خسارة الشخص للمبلغ الذي دفعه دون أن تحل مشكلته. ويمكن القول إن هذا النوع من عمليات النصب والاحتيال تطور حتى أصبح ظاهرة حقيقية في المجتمع السوري، حتى أنها أخذت تنتشر مؤخراً بين طلاب الجامعات على نحو واسع، إذ يأخذ بعض الطلبة مالاً من زملائهم بغية ضمان النجاح لهم في الامتحانات.
إذا كان التقييم الأول لحادثة احتيال من هذا القبيل، يفضي إلى إلقاء اللائمة على هؤلاء المحتالين باعتبارهم خارجين على القيم الأخلاقية والقانون، ثم على ضحايا الاحتيال الذين يلجؤون إلى طرق غير شرعية لتحقيق مصالحهم، أو اقتضاء حقوقهم، فإن الدراسة المتأنية لهذه الظاهرة تقودنا إلى حقيقة أن أغلب المواطنين السوريين، يشعرون أن بإمكانهم تحقيق مصالحهم، مشروعةً كانت أم غير مشروعة، من خلال الرشوة والفساد. ومن جهة أخرى فإن الكثير من أصحاب الحقوق، يعجزون عن تحصيل حقوقهم عبر القنوات الشرعية، فيضطرون إلى اللجوء إلى وسائل أخرى. وهكذا فإن الروتين والفساد يشكلان معاً الممر الأساسي لجرائم الاحتيال تلك، والحاضنة التي ينمو فيها هذا الاستهتار بالقوانين وحقوق المواطنين، إضافة إلى الفقر والبطالة اللذين يدفعان المحتالين إلى هذا النوع من السلوك غير الأخلاقي.
وعليه فإن الدور المباشر للقانون والقضاء في ملاحقة المحتالين ومعاقبتهم، لا يكفي لمحاصرة هذه الظاهرة، لأنه يقع على عاتق سلطات الدولة العمل على محاصرة أسباب الإجرام، ومعالجة المشاكل الاجتماعية الاقتصادية التي تؤدي إلى إنتاجه، قبل ملاحقة هؤلاء ومعاقبتهم. وفضلاً عن ذلك، فإنه كثيراً ما تكون عمليات النصب تلك، غير منطوية على أي جرم جزائي، لأن جريمة الاحتيال تفترض استعمال وسائل احتيالية، كإبراز أوراق مزورة، أو الاستعانة بشهادة شخص ثالث أو سوى ذلك، أما أخذ مال شخص دون وجه حق، اعتماداً على الكذب المجرد فهو لا يشكل جرم احتيال بالمعنى الجزائي.
يحمل انتشار هذه الظاهرة في طياته، دلالات خطيرة حول مستوى الفساد وانهيار سيادة القانون في البلاد، كما يشير بوضوح إلى العدد الهائل من الفاسدين في جهاز الدولة، والذين يشكل وجودهم مبرر وجود محتالين يدَّعون إمكانية حل المشكلات من خلال الرشوة والوساطة. وعليه فإن الحل يبدأ من محاصرة الفساد، والعمل الجدي على استعادة احترام القانون والمؤسسات، ووضع مشاريع جدية لمكافحة البطالة والفقر، ومن ثم يأتي الدور الأساسي للقانون والقضاء في الملاحقة والمعاقبة. أما القيم الأخلاقية التي يعتبر الكثيرون أن ترديها هو السبب الأبرز لهذا النوع من التجاوزات، فإن رفع سويتها لن يأتي إلا نتيجة للخطوات السابقة التي تحدثنا عنها، لأنه دون محاصرة الفساد، ومكافحة الفقر، وتطوير القانون والقضاء، فإن الحديث عن تردي القيم الأخلاقية سيبقى حديثاً فارغاً من أي مضمون.