أطباء من فئة «معدومي الضمير»

الطب مهنة ليست ككل المهن، فهي مهنة الرحمة وتخفيف الألم وإنقاذ الحيوات.. لكن عندما يسري لدى بعض العاملين فيها الفساد مدعماً بموت الضمير، وعندما يصبح بعض الأطباء جزارين لا همّ لهم سوى تكديس المال أو البروز الاجتماعي والاستعلاء على الناس، متناسين واجباتهم الإنسانية ومتغافلين عن نواميس هذه الرسالة النبيلة، فهذا يعني أن البشرية برمتها أصبحت في خبر كان..

وفي بلدنا، فإن تعاظم هذه المظاهر لدى بعض الأطباء يؤكد انحطاط مستوى الأخلاق والقيم والتضامن الاجتماعي وسيطرة النزعة الاستهلاكية وغياب المحاسبة، فكيف إذا كانت العجرفة واللامبالاة تتم في التعاطي مع الفقراء الذين لم يتبقّ لهم سوى مستوصفات ومشافي القطاع العام، التي أصبح تعيين الكادر الطبي فيها يعتمد على المحسوبيات لا الكفاءات المهنية والأخلاقية.. وعلى سبيل المثال، عندما يصبح طبيب الأطفال مسترخياً في وظيفته الجديدة، ويمضي دوامه في التسلية وإضاعة الوقت، فماذا يبقى للفقير، أو من له؟. أم محمد وفي الساعات الأولى من إحدى الصباحات راحت تنتظر بداية دوام أطباء المركز الصحي (المستوصف) في مخيم الوافدين الذي يبعد عن دمشق /15 كم/، وهي تتقلب على جمر، يوجعها صوت طفلها الذي أعطته الحياة أشهره العشرة الأولى، طفل بعمر الورد، يستيقظ بصوت تهتز له الأرض إشفاقاً... لكن لم يثر انتباه الطبيب المسؤول عن المركز الصحي، الذي راح يتسلى بحديثٍ فارغ مع اثنين من زملائه المعينين مثله بالواسطة، بينما أم محمد تنادي، وابنها يصرخ ولا مجيب!! وكأنهم أصيبوا بالطرش أو بفقدان الإحساس، وكأن هذا الطفل الشاكي الباكي ليس إنساناً بحاجة إلى الرأفة قبل أن يكون بحاجة إلى العلاج..

فتخيل يا سعادة الطبيب «المطنش» لو تبادلت الأدوار مع أم محمد، وابنك يئن ألماً.. ماذا كنت ستفعل؟

اسودت الدنيا وما فيها بعيون أم محمد، وكل الدروب انسدت في هذه الساعة التي لا يتواجد أي طبيب خاص في عيادته.. سلمت أمرها لله، وانسحبت وهي تدفن أوجاعها ومرارتها في قلبها لأنها لا تريد أن تضحي بحياة ابنها، ومضت تبحث عن طبيب يخفف آلام ولدها قبل أن يقع ضحية استهتار وعدم مبالاة ممن يصفون أنفسهم بـ(ملائكة الرحمة)..

إن المواطن أسمى من في الوجود، ولأن الطب رسالة إنسانية وليس مهنة للارتزاق نرفع الصوت ونقول: كفى استهتاراً بالبشر!.