نباح حتى الرمق الأخير!
لم يقف الفرز الحكومي عند حد البشر، بل تعدى ذلك إلى ملحقاتهم من بني الحيوان، فوزارة الزراعة بعد فشلها الذريع في الحفاظ على أمن البلد الغذائي، مع إصرارها على تحقيق النجاحات الوهمية وتكريس سياسات الإفقار والتجويع عبر تخليها عن الزراعة والمزارعين، من خلال رفع الدعم عنهم، لم تستطع إلا أن تقوم بدعوة أصحاب الكلاب المرفَّهة لترخيصها كي تنال الرعاية التي تليق بمكانتها. فبعد أن أدت واجبها إزاء البشر، تقوم الآن بما يفيض عن الحاجات الإنسانية إلى توجيه الدعم للكلاب!!.
الوزارة الرؤوم الرؤوفة بالحيوان، وبشكل خاص بالكلاب، زينة الطبقة المخملية المتأوربة، تدعو مالكي الكلاب المنزلية إلى مراجعة دوائر الصحة الحيوانية لتسجيل كلابهم، تحت طائلة المساءلة القانونية للمخالفين. ولنضع خطاً تحت كلمة «المخالفين» وما يترتب على تلك المخالفة من تبعات، ربما تصل إلى حد مصادرة الكلاب وفتح دور رعاية للرفق بها!.
فهل أصبحت عملية تسجيل الكلاب على رأس أولويات وزارة الزراعة، بعدما حلت مشكلات الفلاحين وعوضت عليهم بما يكفل بقاءهم على قيد الحياة، ويمكنهم من الاستمرار بزراعة أراضيهم، أم أنها حلت مشكلة الفلاحين في الجزيرة وأعادت إليهم أراضيهم التي انتزعت منهم بعد استثمارهم لها لعشرات السنين؟ وهل تقر وزارة الزراعة بمسؤوليتها عما لحق بالفلاحين من أضرار جراء تقصيرها في معالجة الأمراض الفتاكة التي لحقت بمحصول القمح هذا العام، كي تنتهي إلى ترخيص الكلاب، ويغدو ذلك شغلها الشاغل؟
المشكلة ليست بالمخالفة وإنما بالوزارة ورفقها، فالأولى الرفق بالبشر الذين أصبحوا ينافسون الكلاب الشاردة على مكبات القمامة. لعل هذه الخطوة الرائدة والمتقدمة التي قامت بها وزارة الزراعة بدعوة الكلاب المرفهة للحصول على رخصة عواء، أثارت حفيظة الكلاب «المعتَّرة»، فراحت تعمل على تنظيم نفسها ضمن مجموعات مطالبة الوزارة بالمساواة على أساس أن الجميع تحت القانون، و«ما حدا أحسن من حدا».. وبعد أن قامت بتنظيم نفسها جرى النقاش والمداولات المطولة بحثاً في الحالة الطارئة حول آفاق ومستقبل النوع الأصيل المنتمي لهذه الأرض، وما إذا كان الهدف هو استبدال الصنف المحلي من الكلاب بالأصناف الهجينة المستوردة، معتبرين ذلك تهديداً لبقاء النوع!!. ومما جرت مناقشته بحدة حسب خبير عالم اللسانيات الحيواني «عو ميو هش» الذي حضر الاجتماع وأخذ على عاتقه إيصال مطالب المجتمعين، تخوف الكلاب المحلية من مقارنتها مع نظيرتها من الكلاب الأوربية، تمهيداً لاتفاقية الشراكة المزمع توقيعها بالحروف الثانوية، (باعتبار الحروف الأولية تم التوقيع بها مرتين) حيث لامجال للمقارنة، وذكر الخبير عن لسان كبير النابحين قوله بنباح لا لبس فيه إنهم يستشعرون بقوة غريزتهم أن القانون جاء لمصلحة الكلاب المرفهة صاحبة الامتيازات، وأن وقت انقراض الكلاب المحلية بات وشيكاً، وقد نبح المحتشدون مطالبين بالعبودية وامتلاكهم من قبل أي شخص كان لينطبق عليهم القانون، وإلا فهم مضطرون للجوء إلى وسائلهم الخاصة، وأولها العض!.
وفي ظل ما يشاع عن نية الوزارة إنشاء صندوق دعم الحيوان تحت اسم «نباح حتى الرمق الأخير»، أجمع المجتمعون على المطالبة بتعديل القرار، وحذف كلمة «المخالفين»، وإضافة جملة: «لمن يرغب في ذلك بعد الحصول على الترخيص» ريثما يعثرون على وسيلة تساعدهم بتسوية أوضاعهم. كما ذكر الخبير أن من ضمن المساعدات الأوربية التي تمت مناقشتها مع الطرف المانح دفعة لقاحات لتحديد النسل وربما تعقيم الكلاب المحلية، وهذا ما أثار ضجة كبيرة أثناء المداولات، إذ علا النباح على المواء، ولم يستطع كبيرهم السيطرة على سير الاجتماع إلا بعد أن استخدم الفيتو ببضع شنهقات، ومما ساعده على الاستمرار في إدارة الجلسة قبل أن تأخذه غريزته بعيداً هو ما نطق به أحد الحكماء: «هش»!
يذكر أنه في ظل التنافس الشديد على مكبات القمامة بين البشر النابشين والحيوانات الناهشة، تعرض كل من الطرفين إلى إصابات بليغة وعضات قاتلة متبادلة، ويزعم كلا الطرفين أحقيته بالمكب، هذا بالنبش، وذلك بالنهش، عبر تقديم حججه المقنعة بأولوية حصوله على ما يسكت قرقعة معدته وضجيجها، ولذلك أدرجت هذه المشكلة على جدول أعمال المجتمعين حيث تم تبني اقتراح أحد الجراء عندما (هَوْهَوَ) ملوحاً بذيله بعد أن كان قد تحدث مع الخبير، حيث طرح ما يلي:
عدم إحراق مكبات القمامة أو طمرها.
في حال عثر على بقايا وجبة غذائية مصدرها أحد الأحياء الراقية، فحكماً تكون من نصيب النابشين.
أن تبقى قريبة من أماكن التجمعات السكنية لسهولة الوصول إليها، نظراً لارتفاع تكاليف النقل بالنسبة للبشر، وصرف حريرات عالية بالنسبة للناهشين، إذ كادت هذه المكبات تفقد قيمتها نتيجة تردي الأوضاع المعيشية حتى بالنسبة للشرائح الميسورة، ومع وصول هذه المطالب إلى الجهات المعنية من المتوقع أن تلاقي قبولاً لديها، نظراً لتماشيها مع سياسة الخدمات الراهنة، كما أن المحافظة على النوع أمر يستحق العناية.