وداعاً لطقوس العيد

انتهى شهر رمضان الذي كان كريماً في جيوب الناهبين والفاسدين، مستنزفاً حياة الفقراء ومعيشتهم كافراً على جيوبهم، ليأتي العيد مستنزفاً ما تبقى في هذه الجيوب، حيث تبقى أية لغة قاصرة وعاجزة عن التعبير عن واقع البؤس والازراء الذي عاشه ويعيشه السوريون، سواء في شهر رمضان أو غيره من أشهر السنة.

 

أحد المواطنين قال: «ما عم ناكل تلت وجبات، صرنا عم ناكل وجبة وحدة باليوم، يعني نحنا صايمين من خمس سنين تقريباً، وجباتنا ما فيها لحمة، حتى السلطة صارت موسم أسبوعي وحتى شهري، و ع نقص الكهربا والمي صرنا عم نتحمم 3 مرات بالشهر بس، لك معجون السنان صرنا عم نوفر فيه، شو لسا في كمان».

تقنين بالطقوس

الواقع المعيشي اليومي رمي بثقله على كاهل السوريين خلال شهر رمضان، حيث تضاعفت الأسعار عدة مرات خلال الشهر، وخاصة المواد الغذائية، وقد خرج الفروج أخيراً من قائمة الغذاء بسبب ارتفاع سعره الجنوني خلال هذا الشهر، وبذلك خرجت اللحوم بشكل نهائي من سلة الاستهلاك الخاصة بالفقراء وأصحاب الدخل المحدود.

أتى العيد، وعلى الرغم من أن أغلب السوريين قد ألغوا الكثير من طقوسه وعاداته، مثل شراء الألبسة الجديدة أو تحضير الحلويات وغيرها من الطقوس، كما طال التقنين والإلغاء للعيدية الخاصة بالأطفال، وحتى زيارة أماكن ألعاب الأطفال والمراجيح، وذلك بسبب تردي الوضع المعاشي والغلاء وعدم التناسب بين المداخيل والمصروفات.

الهاتف بديلاً عن التواصل الاجتماعي 

وقد بلغ الأمر في التقنين على زيارة الأقارب بهذه المناسبة أيضاً، حيث أصبحت تلك الزيارات تحسب بتكاليفها المتعلقة بأجور النقل، هذا الحال ضمن المدينة الواحدة، فما هو حال من يريد التنقل من محافظة لأخرى من أجل معايدة الأهل هناك، حيث منعتهم تلك الحسابات من السفر إلى ذويهم خلال فترة العيد، وذلك للارتفاع الكبير بتكاليف النقل بين المحافظات، وخاصة بحال كان تعداد الأسرة كبيراً، حيث تحتاج الأسرة المكونة من أربعة أفراد إلى 24000 ليرة كأجور للنقل بالحد الأدنى للمحافظات متوسطة البعد، مثل المنطقة الوسطى والساحلية، ناهيك عن تكاليف المصاريف الإضافية، فكيف إذا كانت لمنطقة الجزيرة أو المنطقة الشمالية، مع عذابات الطريق ومخاطره كلها، ما أدى لأن يعزف الكثيرون عن معايدة ذويهم بهذه المناسبة، وبالتالي التخلي عن طقس هام من طقوس العيد المتمثل بصلة الرحم، وبات من الطبيعي الاكتفاء بالمعايدة عبر الهاتف، بديلاً عن التواصل الاجتماعي.

تقنين بالحياة

في حديث لأحد كبار السن عن ذكرياته عن العيد وطقوسه وعاداته المحببة للكبار والصغار، لفتني مقاربة عرضها عن الواقع المعاشي المتبدل بين ما كان سابقاً وما صار حالياً حيث قال: «سنة 1962 كنت معلم مدرسة ابتدائية بمنطقة الجزيرة، وقتها كان راتبي بحدود 300 ليرة، وبهديك الفترة كان غرام الذهب سعرو بحدود 370 قرش بس، يعني كان راتبي يجبلي حوالي 80 غرام ذهب، بس ما حسبنا حساب هالأيام السودة، هلأ بالحسبة لازم يكون الراتب بالحد الأدنى شي 500 ألف ليرة ع هوا سعر الذهب، لك يعطونا نصهن، هههه».

حديث هذا العم الهرم، وضحكته المتهكمة، يشير بوضوح إلى حجم النهب والفساد الذي طال لقمة عيش المواطن خلال تلك السنوات الطوال، وخاصة خلال السنوات الأخيرة بظل الحرب والأزمة، ما أدى لأن يحدّ السوريين ليس من طقوس العيد وعاداته وغيرها من المناسبات، ولا من معدلات استهلاكهم للمواد والسلع والخدمات، بل لأن تصبح حياتهم نفسها مقلصة للحد الأدنى، ومع ذلك هناك من يزيد من نهبه واستنزافه لهذه الحياة، حتى وصلنا لمرحلة هدرها دونما سبب، وهذا ما نعيشه منذ ما يزيد عن الخمسة أعوام.

موعد الحساب آت

يقال عن رمضان، أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، ولكن واقع الحال وانعكاسه على السوريين يقول أن التجار والسماسرة والفاسدين، كما الإرهابيين والمرتزقة والمعفشين والمشبحين، لم يتركوا مكاناً للرحمة لا بأسعارهم ولا بسرقاتهم ولا بهدرهم لحياة الناس، كما لم يعتقوا الناس من نار نهبهم وفجور حربهم المستمرة، فهل بعد ذلك من يمكن أن ينال هؤلاء أي مغفرة؟.

عسى ألا يطول موعد الحساب!.