إلى الوزراء المسؤولين.. عن جريمة مركّبة
ذات يومٍ أخطأ الطفل «رام» الإجابة عن سؤال سأله أستاذ إحدى المواد، فطالبه الأستاذ الكبير، الكبير جداً! بأن يفتح يديه الصغيرتين لينال ضربتين بالمسطرة-العصا، ورفض الطفل.
بـ«ديموقراطية» تليق بتاجر، خيّره الأستاذ بين أن يرضى بالضربتين، مثلما فعل غيره، أو أن ينقص له علامتين!! أيُدرك أستاذكم الجليل أنه يعلّم هذا الطفل التنازل عن كرامته مقابل علامتين، أو بيعها (بلغة السوق، لمحبي النوع)؟ ومن الذي علّم ذاك الأستاذ المقايضة بالكرامات، وشراءها بالعلامات؟
وعندما علا هتاف الأولاد في الصف «عصايتين يا رام، عصايتين»! احتار طفلنا قليلاً، وتردد في مواجهة ابتسامةِ أستاذٍ لاحت له تباشير النصر العظيم وسط هتافات «الجماهير» المشجعة!
هل مررت بهكذا خيار، يا سيادة الوزير، في الصف السابع؟
وكأنما هو قائد المربين (و بيلبقلو)، من مقعده الصغير يعلـّم الأساتذة معنى الكرامة والخيار واتخاذ القرار، حسم طفلنا الموقف واختار أن تنقص علاماته على أن يُضرب. فزها الأستاذ بربحه-الهزيمة، على الأغلب دون أن يفهم الدرس. وزها ابننا بنصره المعزز بـ ناقص علامتين.
غمرني الفرح عندما أخبرني ابني ما جرى. احتضنته وغمرته بالقبلات، مدركاً أن هذا الطفل غدا اليوم فتىً، شبلاً. لكنه باغتني بسؤال قاسٍ: لماذا يقبل رفاقي بـ «العصايتين»؟ وأتبعه بسؤال أقسى: لماذا لا يعترض أهالي الآخرين على ضرب أولادهم؟.. هذا الشبل مستعجل، يسأل أسئلة الراغب أن يشبّ سريعاً.
دخلت غرفتي وبكيت... بكيت من أجلهم جميعاً. الأطفال والأهالي والأساتذة، ومن أجلك أيضاً يا سيادة الوزير، لأن المقايضة، علامتين إثر علامتين، تجعل الصفر المكعب أشرف العلامات. بكيت لأجل آثار الجريمة المتراكمة في «لا وعينا»، ومعظمنا يعيها، كما تعونها. الجريمة التي ما زال موظفو وزارة التربية يرتكبونها باسم التربية، واعتاد الوزراء الآخرون تركها تجري.
جريمة الضرب في المدارس، بلغة علم النفس الاجتماع الإنساني، هي شكل من أشكال السلوك العدواني السادو-مازوشي الذي يرتكبه الإنسان المقهور ضد أمثاله من المقهورين، لشعوره بالعجز عن مقاومة قاهريه الحقيقيين. وسواء كانت جنحة أو جناية، تبقى جُرماً، بلغة القانون. فمن هو المسؤول الأعلى في وزارة التربية عن متابعة تطبيق وعدم تطبيق القانون في المدارس؟ ثم، ألا يعتبر جُرماً تقاعس المسؤولين عن تنفيذ القانون؟
ولعلمكم يا سيادة الوزير، تعرّض طفلنا عدة مرات لمحاولات ضرب من عدة أساتذة وموجهين، وامتنع عن أن يُضرَب مذكراً أساتذته، بلطفِ طفل وجرأة شبل، أن والده لا يقبل أن يُضرَب، والضرب ممنوع في المدارس. ووافق بأدب على كل أنواع العقاب الأخرى، رغم تفاهة أسبابها، إلى أن عاد شبلنا ذات يوم إلى البيت باكياً بحرقة المكسور: «بابا ضربني (فلان من الأساتذة) كفوف على وجهي وراسي ورفسني برجليه... كتير... ووجّعني كتير...»!!
هذا يا سيادة الوزير كثير، كثير جداً. موظفوكم يفسدون تربيتنا لأبنائنا، ويجرِّحون كرامة أشبال السوريين جميعاً.. وتطال أهاليهم الإهانات، بالجملة والمفرق (أيضاً بلغة السوق، لهواتها).
ولماذا؟ لأنه يرتدي بنطال الرياضة، استعداداً لحصة الرياضة، ذاك اليوم!! لو كانت هذه جريمة لعانيت من الإحساس بالذنب، ولو قليلاً.
أحد الأساتذة دخل متحمساً بين الطلاب وسأل: كم طالباً عندنا في الصف؟ فأجابه طفل سريع البديهة: «46 أستاذ». تألق حماس الأستاذ من ضخامة العدد وقال «يعني عندي 46 خــــــــــــ »... وقهقه... مسكين هذا الأستاذ السعيد لأنه لا يعرف أن مديره يسأل كل يوم: «كم أستاذاً عندنا في المدرسة»؟ ولا يجد أستاذاً سريع البديهة يفيده بالرقم الدقيق!
تابع رام حكايته: «بابا، وسبني كمان.. قال لي يا حيوان، ودائماً يقول لأي واحد يا حيوان»!!
لا جرم في هذه! ولا بأس!.. فشبلنا لا يعلم بعد أنه، رويداً رويداً، سيغدو أسداً يطارد كبار الخارجين عن القوانين، ويعفّ عن صغار الطرائد.
يا سيادة الوزير المحترم:
ما صدر وأُفهم علناً أعلاه، ويُرسل للنشر في الصحف الرسمية، لا هو شكوى نقدمها لكم أو عليكم، ولا هو طلب من سيادتكم... بل هو إدانة للجريمة المستمرة رغم أنف القانون (رقم كذا... الصادر بتاريخ كذا... وينص على كذا وكذا وكذا...).
فنفـِّذوه إن كنتم أشبالاً لأُسود. أو أخلوا باحات الوزارات لرام كي يلهو فيها مع بقية الأشبال.
رام إسماعيل (مواليد: دمشق 1/1/1999)، المضروب بوحشية قبيل عيد ميلاده بعشرة أيام، يوم الثلاثاء 21/12/2010، في مدرسة ابن خلدون، والشاهد على ارتكاب الجريمة ذاتها ضد رفاقه، مرات ومرات، يوماً إثر يوم، منذ تسجيله فيها، مطلع العام الدراسي الجاري.
■ والد الطفل
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.