حضارة!!

«ليش أم تدفش»؟ يصيح أحد المتدافعين على ركوب السرفيس، بلكنة خاصة تجعل أقرانه أصحاب اللهجة السورية الأصيلة يجفلون فجأة..

المعترض على التدفيش رغم أنه يمارسه دون احتراف، هو شاب يشير شعره الأشقر وعيناه الخضراوان  أنه أوربي «متسرين»، أي متخلق بأخلاق السوريين وسلوكهم المواصلاتي، وقد أطلق صرخته بعد أن عجز  عن حجز مكان لصديقته في مقدمة المتدافعين، وهي التي غامرت معه بقطع آلاف الأميال لتتعرف على عاصمة الأمويين..

الأوربيون، وما أكثرهم في دمشق مؤخراً، من طالبي السياحة أو الدراسة أو المغامرة أو (؟).. أثبتوا بما لا يقبل الجدل، وفي أكثر من مثال، أنهم سيفعلون مثلنا وربما أكثر لو أن ظروفهم تشبه ظروفنا.. ومع ذلك حين سيعودون إلى بلدانهم المتطورة سيضحكون حتى تنشق أشداقهم وهم يتذكروننا ويتندرون علينا وعلى تخلفنا.. أما نحن فسنستمر في محاولة إقناعهم بأننا متحضرون أو نحاول أن نعود كذلك إن سنحت لنا الفرصة والخطط التنموية والظروف الإنسانية التي ننشد تحققها..

وبالعودة للحادثة إياها.. ابتسم المتدافعون للأجنبي الأشقر بعد أن تعاطفوا مع صراخه.. وعلق أحدهم «أنتم كمان بتدفشو»؟ ويرد عليه آخر «ماجابوها من عندهم، نحن علمناهم»!! ويفسحون له مجالاً...

ترى لماذا عندما «يدفش» الأجنبي ليحصل على مكان يجلس فيه في الباصات والسرافيس لا يثير غضب السوريين، كما هو الحال فيما بيننا؟

لماذا يثير صراخه المتألم أو المستغيث نخوتنا المصحوبة بابتسامة، فنفسح له بسرعة مجالاً للركوب والجلوس؟ أهي عقدة الدونية تجاه الآخر، أم أنها الخجل من تاريخنا الحضاري الذي يكسوه الغبار، فننتبه على حين غرة لسمعة بلادنا التي نتذكر قيمتها فجأة بحضور الأجنبي؟