لا تعويض للفلاحين المنكوبين.. وحظ أوفر للوطن
يبدو أن الفريق الاقتصادي أدار ظهره نهائياً لغالبية المواطنين، وخصوصاً الفلاحين، وبالمقابل ما يزال يهتم بفئة محدودة جداً من ذوي الحظوة والنفوذ الذين استولوا ويستولون على أكثر من 80% من الأرباح على حساب لقمة الشعب السوري، هؤلاء المستثمرون والتجار وشركاؤهم في بعض مراكز القرار الاقتصادي يسرحون ويمرحون، بينما القوى المنتجة تئن تحت ثقل آلام السياسات الاقتصادية المهلكة.
وبالرغم من أن هذا الفريق أثبت فشله مرة تلو الأخرى، إلا أنه لم يقدم اعتذاره لمن تضرروا من تطبيق سياساته الاقتصادية، وهو بذلك يمعن في المضي نحو مراميه النيوليبرالية متجاهلاً ضحاياه الذين وصل بهم الأمر حد الجوع.. لقد تجاهلت هذه السياسة نداءات الاستغاثة وصرخات الفلاحين وممثليهم في التنظيم الفلاحي عبر مطالبهم بالتعويض عليهم عن الأضرار التي أصابتهم خلال الموسم المنصرم من صقيع وأمراض اجتاحت محصول القمح مما أثر سلباً على الإنتاج وتدهوره إلى أدنى مستوى له منذ عشرات السنين، على عكس ما توقعت وزارة الزراعة بأن الموسم الحالي سيكون الأفضل في سورية، وسيفوق إنتاج السنوات السابقة..
وبعد أن أنكرت الوزارة مسؤوليتها عما حصل من خلال عدم تعاملها مع الأمراض الفتاكة بفاعلية ومسؤولية، جاء الإقرار غير المباشر عن هذه المسؤولية عبر تعميمها إلى اللجان الفرعية في المحافظات لإعادة تقييم الأضرار، ليس ليصار إلى تعويض الفلاحين عن الأضرار، وإنما لتأجيل ديونهم إلى مواسم قادمة، وكأن الحال سيكون أفضل مع ظروف إنتاج لم تتغير؟! والحقيقة أنه طالما الأسباب ما تزال قائمة فإن النتائج ستكون نفسها مع بعض الاستثناءات الخاصة بالعوامل الجوية، أي أن غلاء مستلزمات الإنتاج هو العنصر الرئيس من ضمن الأسباب المؤدية إلى خسائر الفلاحين، فإن بقي الأمر على حاله فلا يتوقع المزيد من النتائج المرضية.
والوزارة إذ تقر بان الأضرار ليست 8% كما جاء على لسان وزير الزراعة، بل هي حسب مديريتي الزراعة في الغاب وحماه، وصلت إلى حدود 60%- قسمي شطحة والزيارة 58%، فبقي على الوزارة ومن ورائها الحكومة تحمل مسؤولياتها إزاء الفلاحين الذين تضرروا عندما لم تقم الوزارة بمكافحة مرض الصدأ و شركاه ، ولم تسع إلى معالجته في مراحله الأولى بل قامت بتوجيه الفلاحين إلى الاستسلام للأمر الواقع (فالج لا تعالج) في حين كما يقول الخبراء في هذا المجال كان من الممكن التخفيف من أضرار إصابة محصول القمح عبر كشف المرض والسرعة في مكافحته وكما أثبتت التجربة ان هذا ممكن لأن هناك من الفلاحين من قام بالمكافحة في طورها الأول ونجح في ذلك. إذاً الوزارة تتحمل مسؤولية تقاعسها وعلى ذلك تتحمل نتائج ذلك من التعويض على الفلاحين، فقد جاءت التوصيات التي رشحت عن اجتماعات اللجنة الفنية التي ترأسها وزير الزراعة مخيبة للآمال ومحبطة لعزيمة القوى العاملة من الفلاحين الكادحين الذين بحت حناجرهم بعد طول صراخ مطالبة بالتعويض كي يستطيعوا الاستمرار بحياة كريمة تحاشيا للذل والتشرد «طلبت وزارة الزراعة من اللجان الفرعية في المحافظات إجراء تقييم للموسم الزراعي الشتوي وتحديد معدل الأضرار تمهيداً لجدولة الديون في حال كانت الأضرار قد تجاوزت 30%»، إلا ان الحكومة مازالت تشيح الوجه عن أخاديد الشقاء المحفورة في وجوه الفلاحين، وتدير ظهرها ميممة وجهها شطر طلعة الوجوه البهية لرجال الأعمال الذين قطعوا بابتساماتهم المخادعة أرزاق المواطنين بشرائحهم المختلفة.
إذاً، الحكومة تمني النفس بالوجه الآخر ومن وراءه من المستثمرين الأجانب الذين لن يأتوا لتأسيس مشاريع يعول عليها في تنمية الاقتصاد الوطني الحقيقي ورفع مستوى المواطنين المعاشي، وبدلاً من أن تتحمل مسؤوليتها عن الجانب الذي يخصها سواء باكتشاف المرض ومعالجته في الوقت المناسب، أو باستنباط البذور المقاومة لمثل هذه الأمراض، راحت توهم الجميع بأن لا جدوى من المكافحة، وما زالت الحكومة تعمل بفتور تام على تمييع المصيبة التي حلت بالفلاحين والاقتصاد الوطني، عبر التخفيض التدريجي لسقف مطالب الفلاحين من التعويض التام عن الأضرار التي لحقت بمحصولهم، إلى الوعود بتعويض جزئي بإعفاء الفلاحين من ثمن البذار والأسمدة لهذا الموسم، وصولاً إلى الحد الأدنى المتمثل في جدولة الديون المستحقة للمصارف الزراعية، وانتهاء بجدولة 50% من الديون على مدار ثلاث سنوات للمحافظات التي تراوحت نسبة الأضرار فيها بين 30-50%، حتى هذه خضعت لشروط معينة.. أما في حال تجاوزت الأضرار 60% فتجدول الديون المستحقة على ثلاث سنوات. والمعلوم جيداً أن الأضرار تجاوزت هذا الرقم ولكن الجهات المعنية لن تقر بذلك.. فيا لهذه المكرمة! فليهنأ الفلاحون بهذا الدعم... وحظ أوفر للوطن.