ما هذا السخاء الحكومي على فلاحي الحسكة؟!

وافقت رئاسة مجلس الوزراء في اجتماعها المنعقد بتاريخ 29/6/2010 على جدولة الفوائد المستحقة على الفلاحين في محافظة الحسكة لمدة /10/ سنوات، والبالغ مجموعها حسب ما ورد في الاجتماع مليار ليرة سورية: (صحيفة تشرين - العدد /10837/ تاريخ 30/حزيران، فما معنى ذلك؟

أولاً: اعتراف صريح من الحكومة أن الفوائد المستحقة على الفلاحين أصبحت كبيرة، تصل حتى حدود مليار ليرة، وهي تشكّل عبئاً على القطاع الزراعي ككل، يترتب على الفلاح دفعها لخزينة الدولة، وإذا كان الفلاح غارقاً بالديون فإن الزراعة ستتدهور حكماً!

ثانياً: اعتراف رسمي بأن الحكومة لا تقدم أي دعم فعلي للفلاحين والقطاع الزراعي، بحيث أصبحت جدولة الفوائد إلى جانب جدولة الديون لمدة /10/ سنوات، فعند جدولة الديون المستحقة على الفلاحين في عام 2004 لمدة /7/ سنوات تم حسابها على الشكل التالي: الرأسمال + الفائدة = رأسمال جديد (الفوائد اللاحقة ستحتسب طبعاً على هذا الرأسمال الجديد)، أي ما يسمى برسملة الفوائد، فالدولة تمارس هنا دور المرابي وتتعامل مع الفلاح (كزبون)، أي بعقلية التاجر وليس بعقلية الجهة الرعائية كما يجب أن تكون، وكانت الفائدة آنذاك /4،5%/. وبالطبع فإن أغلب الفلاحين لم يستطيعوا دفع هذه الأقساط، ووقعوا تحت أعباء ديون وأقساط مستحقة الدفع، وذلك بسبب السياسة السعرية وزيادة تكاليف الإنتاج. وما كان من الحكومة إلا أن تجدول مرة أخرى وبنسبة فائدة جديدة 5،5% في 17/6/2009، وبطريقة الحساب التالية هذه المرة: من 1/1/2004 ولغاية 17/6/2009 الرأسمال جديد × 5،5 % نسبة الفائدة، ضرب عدد السنين، وهي 5.5سنة. والطامة الكبرى أنه بعد 17/6/2009 أصبحت نسبة الفوائد 8%، بمعنى أن الحكومة ترهق الفلاح متعمدة، وبالتالي تضر بالعملية الإنتاجية. وبحساب بسيط تبلغ نسبة الفوائد إلى الرأسمال المستحق على الفلاحين الآن نحو 35 أو 40% من الرأسمال، والنتيجة باختصار أن إنتاج فلاحي محافظة الحسكة سيذهب عملياً لخدمة الدين الحكومي!.

ثالثاً: اعتراف من الحكومة أيضا بأن الأقماح في محافظة الحسكة قد تضررت وتضرر الفلاح المنتج، الذي يعتمد في معيشته على الزراعة جراء الظروف المناخية التي أصابت حقول القمح بمرض الصدأ، وخاصة الطرية منها شام 6، وشام 8، وانخفض الإنتاج على أقل تقدير 50 بالمائة، وفي بعض المناطق أكثر من ذلك، وهذا الإنتاج لا يغطي 75 % من المصاريف. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل معالجة أوضاع الفلاحين في محافظة الحسكة في ظل أوضاع كهذه، وفي ظل الظروف المناخية السيئة وتدني الإنتاج هي في جدولة الفوائد وخسائر الفلاحين باهظة؟

إن تعب سنة كاملة ذهب هباء، فكيف سيبدأ الفلاحون الدورة الجديدة لمتابعة زراعة أراضيهم؟ أسئلة مهمة لم تجب الحكومة عنها..

 كان حرياً بالحكومة لو أرادت حقاً دعم العملية الزراعية والفلاحين وتثبيتهم بالأرض والحد من الثالوث المشؤوم (الفقر والهجرة والبطالة) التي باتت العناوين البارزة في المحافظة، أن تعمل اليوم وقبل الغد على إلغاء هذه الفوائد، وإلغاء جزء من الديون المستحقة على الفلاحين لأن هذه الفوائد بالأصل كبيرة، ولا تنسجم مع أوضاع فلاحنا، وتتناقض مع عملية دعم الزراعة والإنتاج الزراعي. ومن المنطقي أن تكون الفوائد /0/ أو /1/ بالمائة لأن أغلب البنوك العالمية فوائدها بهذه الحدود، وليس 8 % الشيء الذي يطالب به الفلاحون، أي أن إلغاء الفوائد لا يغطي الخسائر التي مني به الفلاح خلال هذا الموسم.

إن تنمية المنطقة الشرقية بحاجة إلى إجراءات عملية على ارض الواقع لا إلى إجراءات ترقيعية، وخير مثال طريقة احتساب الفوائد التي تشبه لغز الشيطان، فمن واجب الحكومة العمل لتحسين المستوى المعيشي للناس وخاصة الفلاحين، فإذا كان الفلاح بخير كان الوطن بخير، والسؤال الموجه إلى الحكومة اليوم: هل رفع الدعم عن مادة المازوت يخدم العملية الإنتاجية؟ هل زيادة نسبة الفوائد على القروض التي تقدمها الدولة للفلاح تخدم العملية الإنتاجية؟ هل زيادة أسعار الأسمدة تخدم العملية الإنتاجية، وهي مكدسة بآلاف الأطنان في العراء الآن، بينما الباب مفتوح على مصراعيه للتجار، وما يستوردونه ارخص من المنتج الوطني؟

نعتقد أنه من غير المنطقي أن تعلق الحكومة واقع الزراعة على مشجب الظروف المناخية فقط، وإذا كان الجفاف بالمعنى الطبيعي قد لعب دوراً كبيراً في تراجع الإنتاج الزراعي، فان الجفاف والتصحر الذي أصاب ضمائر أصحاب القرار الاقتصادي لعب دوراً لا يقل عن الظروف الطبيعية في ما آل إليه واقع القطاع الزراعي وواقع الفلاحين. 

إن أغلب الحكومات في دول العالم إذا ما ألمت كارثة طبيعية أو ظروف جوية استثنائية موقعة أضراراً بالغة بالإنتاج الزراعي بشقية النباتي أو الحيواني، تتكلفل بتعويض الفلاحين عن الخسائر، بل وحتى تقدم جزءاً من الأرباح للمتضررين كي يستطيع الفلاح مواصلة العمل في الأرض، لاسيما وأن الأمن الزراعي مرتبط بالأمن الاجتماعي الذي يشكّل بدوره جزءاً من الأمن الوطني لكل الدول، وتجربة العديد من هذه الدول ماثلة أمامنا.. وبهذه المناسبة نذكر بأن النيران التهمت مساحات واسعة من مزروعات الفلاحين والمزارعين في أنحاء عديدة من قرى المحافظة هذا العام، ومن واجب الدولة تعويضهم، وليس التغافل الكلي عن كل هذه المآسي المتزامنة.

■ القامشلي - مجدل دوكو