كيف أصبحت شيوعياً؟
لقاؤنا اليوم مع شيوعي قديم هو الرفيق محمد علي الشربجي..
الرفيق المحترم (أبو بسام) مرحباً بك في قاسيون، وكعادتنا مع ضيوفنا من الشيوعيين القدامى، نسألك أن تحدثنا كيف أصبحت شيوعياً؟
«أولاً، أشكركم، وأعبر عن امتناني لصحيفة قاسيون لأنني وبكل الصدق والقناعة أرى فيها تلك الصحيفة التي تحترم قراءها كما تحترم ذاتها، وهذا ما يميز حال المبدئي عن سواه، وأرجو أن أوفّق في سرد ذكريات من حياة مديدة أمضيتها كما أظن، بانسجام حقيقي بين ما أحمله من فكر وبين ما أمارسه من سلوك في واقع عشته بحلاوته ومرارته.
أنا من مواليد حي شعبي عريق من أحياء دمشق الغالية، هو حي الميدان عام 1940، في كنف أسرة معيلها إنسان طيب ومحبوب يعمل حلاقاً، ومن المعروف بأن الحلاق في تلك الأيام الغابرة كان الخبير بأحوال وأخبار أبناء حارته، وهو الطبيب المداوي لكثير من الأوجاع والأمراض بدءاً من الأسنان وعلاجها وقلعها إلى تحضير الدهونات والأدوية للعديد من أمراض الجلد.
المهم أنني لم أتمتع برعاية هذا الوالد الحنون لأنه توفي وأنا في السادسة من عمري. وكان أن اتجهت بعد أن أنهيت المرحلة الأولى من التعليم إلى العمل، فعملت لدى صيدلي في حي الشاغور لسنوات عدة، انتقلت بعدها إلى مجال العمل بالبناء، وهنا كانت البداية، ثم عملت بتصليح السيارات، وما زلت في هذا العمل حتى اليوم.
بدأت بالتعرف على الشيوعية وأنا في الثالثة عشرة من عمري، وأول من التقيت به من الشيوعيين شاب من أبناء حارتي هو عبد الرحمن العسة، ومن ثم الرفيق أبو علاء من السويداء والرفيق أبو محمد ظاظا من ركن الدين، ومنذ ذلك الوقت دخلت مجال النشاط السياسي والحزبي، ولا جدال في أن ما شدني لصفوف الحزب هو الواقع المعيشي الصعب والشعور بالظلم والفقر، حيث وجدت أن الخلاص لا تحققه إلا الشيوعية، ومازلت أتذكر أول اجتماع للفرقة التي انضممت إليها مع رفاقي إحسان الصغير وعدنان صباغ ومحي الدين حمادة ووليد صالحاني، وأود أن أوضح أن البيئة التي نشأت فيها تميزت بنبضها وروحها الوطنية، فعمي حسن أبو صلاح من المجاهدين المعروفين، وخالي الرجل الجليل والثائر القيادي الشيخ محمد الأشمر، ولا شك أن الحديث عن تلك الأيام سيطول، ولكنني سأذكر بعضاً بسيطاً منه، فجميع الرفاق في كل المجالات والمواقع في الريف وفي المدن عاشوا الظروف ذاتها وخاضوا النضال وعانوا الاضطهاد والملاحقة والسجون.. لقد شاركت بجميع المظاهرات التي قادها الحزب في مدينة دمشق دفاعاً عن حقوق العمال والفلاحين وعن القضايا الوطنية، وأكثر تلك المظاهرات كانت «طيارة» حيث تبدأ فجأة في ساحة أو شارع رئيسي نرفع خلالها اللافتات المطلبية والوطنية ونهتف بشعارات التحدي للاستعمار وأعوانه من المستغلين، كما شاركت في جميع التواقيع على العرائض المطلبية وفي توزيع المنشورات والبيانات الحزبية والكتابة على الجدران، وفي الاحتفالات الوطنية والطبقية كعيد الجلاء وثورة أكتوبر وعيد العمال، وقد أقيم في بيتنا عدد من الاجتماعات الجماهيرية، وفي أحدها حضر الرفيق خالد بكداش وألقى خطاباً بمناسبة انتخابات البرلمان السوري.
وأنا اليوم، وإن كنت خارج التنظيم الحزبي، أحس بالمرارة والحزن لحالة الانقسامات والترهل التي أصابت حزبنا، لكنني لم أيأس، وقد وجدت بارقة الأمل الحقيقية في نشاط وجهود الرفاق في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، وفي هذا الظرف بالذات الذي يشهد حركة نهوض شعبية عارمة في البلاد العربية تعاودني الثقة الأكيدة بقدرة الشعوب على صنع انتصاراتها في دروب العدالة الاجتماعية التي ستحققها الاشتراكية المتطورة. وعن طريق صحيفة قاسيون أحيي الشعوب المناضلة، وأحيي جميع الرفاق في نضالهم ليستعيد الحزب دوره في مقدمة الكادحين، فميدان الكفاح ما يزال يفتح صدره لكل المناضلين... وأختم حديثي بهذه الجملة:
ليس شيوعياً من لا يحبه الناس.