غاسق.. «كاد الفقر أن يكون كفراً»..
قد اختلفت فلسفة الفقر بين الحاضر وما غبر من الزمان، واختلفت فلسفة الفقراء أنفسهم للحالة الذهنية والمادية التي تفرضها عليهم الأوضاع، أو التي يفرضونها هم أحياناً.. حالات إبداع وتميز ما كانت لتنشأ إلا في تلك البيئة الفقيرة.
ولكن هل يختلف فقر الأمس عن فقر اليوم؟ هل زاد الفقر إلى حد لم تعد السيطرة عليه ممكنة؟ لقد تحول الفقر - في معادلة غريبة جداً - إلى رأسمالي كبير يسيطر على عبيده! أمرهم بالكدح ليل نهار، ولا يعطيهم حتى ما يسد رمقهم، (أما العاطلون أو المعطّلون عن العمل الشريف قسراً أو كنتيجة للإفساد المنظم) فيوزعهم في الصباح على شتى القطاعات، جماعات إلى التسول، والجميلات إلى الفجور، والمهرة إلى السرقة والاحتيال!
وفي المساء يعطي بعضهم كسرات من الخبز، ويبقى معظمهم طاوين، حتى يجدّوا العمل في الصباح التالي!
هذا الرأسمالي يبدع أشكالاً شتى من محاولات الكسب، والغريب أنه ليس كغيره من الرأسماليين، يشابههم في كل ما يزرعونه من جهل وتخلف ومرض وجوع، ولكنه يختلف عنهم بأنه وعبيده لا يحسنون الكسب، لأنه لو استطاع الكسب ولو بطريق غير مشروعة، فسيفقد مكانته ولن يعود «الفقر» سيداً!
حالة جديدة كنا نراها في المسلسلات، صارت حقيقية على أرض الواقع، فرضها هذا الرأسمالي بعبقرية وحذق، أشخاص مهمتهم أن يرموا أنفسهم بين أحضانك، لا تعرف لم؟ ولكنك ستعرف بعد أن تجلس فتاة جميلة في سيارتك بسرعة، تنظر إليك بابتسامة رقيقة، ثم ما تلبث أن تكشّر عن أنيابها وترفع «الولاويل» لتجمع عليك الناس، ثم تستجر بضعة آلاف منك وأنت تخشى الفضيحة!
وستعرف أيضاً حين تدكك سيارة ـ تبدو عفوية ـ ثم يحاول سائق السيارة أن يبتز منك مبلغاً، فإن استجبت فبها، وإلا ستتفاجأ بأنه يطلب الشرطة، لتنظيم ضبط ـ وهذا تراه بسيطاً ـ إلا أنك لن تجد السائق حين تصل الشرطة، بل سيهاتفك شخص من قبله ليقول لك إنه في العناية المشددة، وستضطر أن تدفع مئات الآلاف بدل العشرات، كي لا يتم توقيفك ريثما تتبدى حالته الصحية.
هذا ما جرى معي وربما يجري معك مثله أو ما يشابهه، فتنبه، حين تفتح باب سيارتك ـ أنصحك ـ بأن تستعين من «شر غاسق إذا وقب».
هذا الرأسمالي يكبر أكثر وأكثر بعلاقة طردية مع ازدياد الجهل والفساد، وبعلاقة عكسية مع محاولات القضاء عليه، وإلا تفعلوا فسنتحول إلى عشرين مليون غاسق، نبدع الأفكار في المليون الذهبي المتبقي، فانظروا أينا أشد بأساً!