«تجار الموت» يحصدون أرواح الشباب بعقاقير مهدئة! الحكومة مسؤولة بتجاهلها لحقوق المناطق الفقيرة
أخذت ظاهرة تجارة الأدوية الممنوعة بالانتشار مؤخراً بشكل مخيف في المجتمع السوري وذلك على الرغم من القيود والتحذيرات الكثيرة التي أطلقتها وزارة الصحة في وجه من يزاولون بيع هذه الممنوعات الدوائية في الصيدليات، حيث تمنع قوانين وزارة الصحة بيع بعض الأدوية دون إظهار وصفة طبية بها، لما تسببه من مخاطر على حياة البشر في حال استخدامها لأغراض غير طبية.
لكن، وللأسف فإن ما يجري على الأرض يدعو إلى القلق، فبعض الصيادلة يتناسون القوانين ويتجاهلون تحذيرات وزارة الصحة لدرجة أنهم نالوا بكل جدارة اسم «تجار الموت» حيث باعوا ضمائرهم وتناسوا آداب المهنة التي وجدت أصلاً لخدمة البشر، وبات بعض هؤلاء الصيادلة مصدراً مهماً لتجار آخرين يقبعون خارج قوانين وزارة الصحة وينسابون خارج تحذيراتها، ليروجوا لأقرانهم في المجتمع أنواعاً مخففة من «المخدرات» تبدأ بـ«شراب السعال» ولا تنتهي بالـ«سيتاكودائين».
إذاً، الملام الأول عملياً هو أولئك الصيادلة «الرخيصون» الذين تحولوا إلى «باعة»، وهم قلائل بطبيعة الحال، فرغم معرفتهم بما قد تتسب به هذه الأدوية من مضار على حياة متعاطيها لكون معظمها ينتمي إلى فئة الأدوية المهدئة والنفسية التي تستخدم عادةً في علاج أمراض نفسية والحالات المرضية العقلية، تراهم يلهثون وراء حفنة من الليرات يحصدونها من أرواح الشباب السوري.
وتحوي هذه الأدوية بطبيعة الحال على نسبة عالية من «المهدئات» التي تملك تأثير «المخدرات» نفسه في حال تعاطيها بنسب كبيرة، حيث يمنح تعاطيها للمريض شعوراً بالراحة والاسترخاء وحالة من الرضا، وهذا ما يجعل الكثير من الشباب يلجؤون إليها للهروب من واقعهم وعجزهم عن مواجهة صعوبات الحياة المتزايدة، ودليل ذلك أن المناطق التي تنتشر فيها هذه التجارة هي المناطق التي يعاني أهلها من الفقر وانخفاض مستوى المعيشة والبطالة التي تعدّ آفة البلد «حكومية النكهة» بامتياز، كما أنها السبب الرئيسي لمعظم الظواهر السلبية في مجتمع الشباب السوري، ولاسيما في الأرياف الفقيرة غير المدرجة على قائمة التخديم الحكومي، والأحياء الشعبية التي تقبع خارج التغطية بشكل عام، والمحيطة بدمشق بشكل خاص.
للبطالة أثر كبير في تعاظم هذه الظاهرة المؤذية للمجتمع، فمعظم المتاجرين بهذه الآفة هم من العاطلين عن العمل الذين وجدوا في هذه التجارة ربحاً سريعاً وفيراً تنازلوا للحصول عليه عن قيمهم ومبادئهم، والكلام هنا ليس محاولةً لتبرير لجوء هؤلاء إلى هذا النوع من التجارة وإنما هو لتسليط الضوء على الأسباب التي دفعت الكثير من الشباب إلى السير في هذا الطريق، وكذلك حال المتعاطين، فمعظمهم أيضاً عاطلون عن العمل ويقطنون في أماكن مهمشة «عملياً» وغير مخدمة اجتماعياً بالوجه المطلوب من الحكومة بشتى مؤسساتها.
فبمجرد أن تسأل أياً من الطرفين عن سبب اللجوء إلى هذه التجارة بالأدوية أو تعاطيها ستجده يلقي اللوم على الظروف الاقتصادية، فمزاول التجارة يقول إنها تدر ربحاً أكثر مما يقدمه العمل غير الموجود أصلاً، ويشير صراحةً إلى أنه يتعامل مع بعض الصيادلة والأرباح تكون مناصفة بين الشركاء، أما المتعاطون فيبررون زلتهم هذه بأنها طريقة للهروب من الواقع والظروف الصعبة، وأداة لتحصيل بعض الهدوء والاسترخاء المفقودين نتيجة هذه الظروف الصعبة.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا: لماذا تعاني معظم المناطق الفقيرة والأرياف قلة الاهتمام الحكومي إلى هذا الحد؟ وإلى متى ستبقى السياسات الحكومية بعيدةً عن تأمين حاجات ومتطلبات المجتمع السوري الشاب؟ إن انتشار الانحراف بين فئات الشباب ما هو في النهاية إلاَّ إحدى نتائج تقصير بعض الجهات في الحكومة بأداء مهامها، ما يزيد الظروف تعقيداً ويدفع بالمزيد من الشباب إلى شراك الفاسدين وأعوانهم، وعليه فقد بات لزاماً اليوم إعادة النظر بكثير من الأمور، ومنها بكل تأكيد دور الحكومة الداعم للمشروعات القادرة على توظيف الشباب لمساعدتهم في بناء مستقبلهم بعيداً عن الآفات القاتلة لهم ولبلدهم في الوقت نفسه.
تبقى الإشارة إلى أن أكثر الأدوية التي يتعاطاها المدمنون رواجاً هي: الزولام، البالتان، البروكسيمول، سيتاكودائين، وشراب سيمو المهدئ للسعال، وهي كلها عقاقير تتسبب بتلف خلايا الدماغ وتسرع بالخرف وتزيد احتمالات الإصابة بالأمراض العصبية.