عندما تصبح الكهرباء قضية سياسية

تحت عنوان «كهرباء جبل الرز» كتبت قاسيون في عددها ذي الرقم 577 في شهر تشرين الثاني الماضي عن معاناة أهالي جبل الرز في وادي المشاريع وطريقة تعامل المسؤولين عن كهرباء منطقتهم معهم التي تتصف بالتسلط والفوقية وعدم المبالاة تجاه ما يحدث وبعد شهر من حل مشكلة جبل الرز تجددت المشكلة القديمة الحديثة خلال الأيام الثلاثة الماضية ثلاثة أيام لم تحل مشكلة الكهرباء في هذا الحي بعد وكأن من يفترض بهم حلها يملكون أرجل سلحفاة أو لايملكونها أصلاً، أن تكرار هذه المشكلة مراراً إن دل على شيء فهو يدل على أن الكهرباء أصبحت قضية سياسية في بلادنا ترتبط بضرب مواقع الفساد البيروقراطي الليبرالي ولم تعد مجرد قضية خدمية ترتبط بدائرة الكهرباء وإنما باتت هي أكبر من ذلك  باتت كهرباء سياسية

كهرباء وادي المشاريع مرة أخرى:

 وادي المشاريع «زور آفا وجبل الرز» حي من أحياء أحزمة الفقر الدمشقية في دمر تسكنه شرائح شعبية فقيرة عمال بناء وعمال مطاعم وعسكريون وحرفيون وغيرهم فعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية انقطع التيار الكهربائي عن زور آفا وجبل الرز يومياً واستمر قطع التيار مدة اثنتي عشرة ساعة يومياً وأكثر وسبب تذمراً شعبياً بسبب استمراره لأيام دون حل بينما وعلى بعد عدة أمتار فقط من الحي في مشروع دمر ينقطع التيار الكهربائي ثلاث ساعات فقط يومياً ويتساءل أهالي وسكان الحي عن سبب هذا التمييز الفاضح بحقهم لأنهم فقراء، أمتار قليلة فقط تفصل وادي المشاريع عن مشروع دمر وهذه الأمتار القليلة تمارس التمييز في ساعات توزيع التيار الكهربائي على هذه الأحياء السكنية فكون السكان فقراء ومن الطبقات الاجتماعية الفقيرة فمدة قطع التيار الكهربائي عنهم تكون أطول من مدة قطع التيار عن باقي الأحياء ومدة معالجة مشكلة قطع التيار إن كانت أسبابها فنية أطول من باقي الأحياء أيضاً قد تستمر لأيام أو عدة أسابيع دون حل لأن هذا الحي الفقير ليس ضمن أولويات مسؤولي دائرة الكهرباء ولأن سكان هذا الحي ليسوا من القطط السمان وكبار العسكريين والمسؤولين

الفساد البيروقراطي: 

أثناء توجه وفود أهالي وسكان جبل الرز لمراجعة المسؤولين عن الكهرباء في منطقتهم وعشرات المكالمات التي تلقاها المسؤولون وأثناء تقديم شكوى لوزير الكهرباء تفاجأ الجميع أن موظفاً صغيراً يكيل الشتائم لوزير الكهرباء مبدياً لا مبالاة أمام الأمر كله إن هذه الصورة أي قيام موظف صغير بتجاهل المطالب المحقة لسكان الحي وكيل الشتائم لوزير الكهرباء أمام الجميع دليل قاطع على أن هذا الموظف جزء من شبكة فساد حيث  أن بيروقراطيته تدل على فساده وتدل أيضاً على أن ثمة من يحميه في جهاز الدولة من الأعلى ليكون هو وأمثاله واجهة للفساد المتوسط المرتبط بدوره بالفساد الكبير في البلاد كما أن حدوث مثل هذه الأمور في أجهزة الدولة يدل على أن بنيتها غير قادرة بتاتاً على ممارسة دورها الوظيفي بسبب سيطرة الفساد على مفاصله ويضع بالتالي آلاف المواطنين تحت كاهل المعاناة والبؤس ويحسسهم أنهم بلا قيمة في وطنهم وحقوقهم ومطالبهم المشروعة مجرد غنائم وأوراق بيروقراطية تغني جيوب البعض فقط لا أكثر

إن حادثة انقطاع التيار الكهربائي عن جبل الرز الشهر الماضي وطريقة تعامل أهالي الحي معها تعكس معاني سياسية مهمة، ومؤشر مهم على تطور الوعي الاجتماعي للجماهير الفقيرة حيث قام الأهالي بجمع مبلغ مالي من دخلهم الخاص وقاموا بإصلاح العطل  الذي استمر لمدة أسبوع خلال ساعة واحدة فقط

إن مبادرة الأهالي هذه تدل على أن الجماهير عندما تستلم زمام المبادرة فإنها تستطيع حل مشاكلها العالقة وتحقيق مطالبها الحياتية اليومية بشكل جماعي وهو من بوادر ولادة الشكل الجديد للحركة الشعبية التي تستطيع تمثيل مصالحها وهي لو انتقلت إلى مرحلة متطورة إلى مرحلة تنظيم نفسها فإنها قادرة على تحقيق الكثير فالعمل الجماعي العفوي لأهالي وادي المشاريع وجبل الرز استطاع تحقيق انجاز بحل قضية انقطاع التيار الكهربائي في حيهم فكيف لو انتقل هذا العمل الجماعي إلى مرحلة تنظيم نفسه كل ذلك انعكاس واقعي لشعار السلطة للشعب لأن الجماهير فقط عندما تمتلك الإرادة والتنظيم تستطيع انتزاع مكاسبها الاجتماعية والظهور كقوة أمام من يعرقل حل أمورها الخاصة والعامة.

كلمة أخيرة:

سكان وادي المشاريع يطالبون بالكهرباء وإيجاد حل سريع لانقطاع التيار الكهربائي الطويل والمتكرر وقد عبروا عن تذمرهم بشكل تصاعدي أكثر من مرة وبأكثر من طريقة كما سبق وربما يأخذ تذمرهم أشكالاً أخرى تصعيدية إن لم يتم حل هذه المشكلة سريعاً.