رفع أسعار الأدوية شجع الاحتكار... وفقدانها أنعش التهريب

تعرض قطاع الأدوية في سورية لنكسة كبيرة، بعد أن كان يغطي 90% من حاجة البلاد،  فكان للحصار الإقتصادي وتوتر الأوضاع الأمنية أثر سلبي كبير على هذا القطاع، عدا عن الإعتداء على المعامل وصعوبة النقل، مع ارتفاع سعر صرف القطع الأجنبي، ما جعل عملية تأمين الأدوية أمراً صعباً.

الأسباب سابقة الذكر، مع عدم قدرة العاملين للوصول إلى معاملهم وتوقف بعض معامل حلب وريف دمشق وحمص، خلقت خلخلة في السوق، وبدأت الصناعة الوطنية تشكو الخسارة حتى استفحلت أزمة الأدوية لتطال مستحضرات شديدة الحساسية، ما تطلب إيجاد حلول سريعة.

 وبعد عدة اجتماعات بين الجهات المعنية كانت الإقتراحات المطروحة «إما رفع سعر الأدوية بشكل يحقق مصلحة المعامل والمواطنين، أو قيام الدولة بتوفير قطع أجنبي لاستيراد المواد الأولية على الأقل» بحسب نقابة صيادلة سورية، وهنا بدأت الأزمة تشتد شيئاً فشيئاً ولأسباب مختلفة تماماً عن ما تم ذكره، فقد كان تسريب بعض المعلومات عن عزم وزارة الصحة رفع سعر الأدوية المحلية بعد عدة مشاورات مع قطاع الصناعات الدوائية، أثراً خطيراُ، حيث قام الموزعون وأصحاب المستودعات مع بعض المعامل بإيقاف تصنيع وضخ الأدوية إلى السوق المحلية كنوع من الإحتكار بغية البيع بسعر مرتفع.

الأنسولين مفقود ولا بديل عنه..

 ومرضى السكري مهددون

 أبو ربيع:  يبلغ من العمر 52 عاماً، ويعاني من داء السكري، قال لصحيفة قاسيون إنه «منذ فترة أكثر من شهر انقطع مستحضر الأنسلوين« ابر»  من السوق وأصبح من الصعب جداً الحصول على الجرعات المحددة عن طريق الصيدليات العادية، مادفعني للجوء إلى الجمعيات والمنظمات الخيرية، أو دفع أضعاف أضعاف سعر المنتج المحلي للحصول على مادة مهربة، وإن ضاقت بي الأحوال أسافر إلى لبنان لشراء حاجتي»

بدوره قال سليمان المصاب بداء ضغط الدم، إن «انقطاع أدوية الضغط  قد يهدد حياتي، ولهذا وصف لي الطبيب أدوية بديلة لم استطع التأقلم معها، إلا أن خطورة الموقف دفعتني لقبول هذا الدواء ضعيف التأثير» مشيراً إلى «انقطاع أنواع مختلفة من الأدوية مثل مدرات البول والفيتامينات التي لم يجد لها بديلاً»

إقناع المرضى بتبديل الأدوية التي اعتادوا عليها كان أمراً صعباً، حيث قال طبيب القلبية المختص، الدكتور إيهاب الزراد إن  «إقناع المريض بإبدال الدواء الذي اعتاد عليه كان أمراً صعباً جداً حتى في فترة ماقبل الأزمة، مع أن التركيبة هي ذاتها والاسم التجاري هو المختلف فقط»

وتابع الزراد: «بعض المرضى ونتيجة عدم وعيهم قد يرفضون فكرة التبديل بين الأدوية، وبعضهم اشتكى من أعراض جانبية غير منطقية نتيجة تغيير الشركة وذلك لسبب نفسي معين، في حين تعرض البعض فعلاً لعوارض جانبية ناجمة عن حساسيتهم للمادة غير الفعالة الداخلة بتركيب الدواء»

وأدرف إنه«هناك أدوية لايمكن تبديلها بأي مستحضر آخر، فاستبدال الأنسولين لمرضى السكري بالحبوب غير ممكن نهائياً، فالحبوب عبارة عن منظم لمادة الأنسلوين الموجودة في الجسم أو محرض لإفرازها فقط، وفقدان الانسلوين قد يسبب مشكلة كبيرة» 

انتعاش التهريب واستمرار الاستيراد

 من أوروبا رغم المقاطعة

وقامت صحيفة قاسيون بجولة على بعض الصيدليات في دمشق وريفها، حيث قال الصيدلي (عماد.ع) صاحب صيدلية في منطقة الميدان إن «موزعي الأدوية وفور تسرب أنباء عن رفع قريب للأسعار، قاموا بوقف التوزيع، وذلك لبيع الأدوية قديمة الإنتاج على السعر الجديد، ضاربين بعرض الحائط حاجة المرضى من ناحية انسانية، ما سبب أزمة خانقة لأدوية حساسة في السوق»

وأضاف إن  «هناك بعض الأدوية البديلة عن المفقودة حالياً، إلا أنه من الصعب اقناع المريض باستخدامها، عدا عن ارتفاع سعر الدواء البديل المستورد بشكل كبير والذي قد يصل الفرق بالسعر بينه وبين المحلي إلى أكثر من 700 ليرة سورية ما سبب أزمة كبيرة»

وتابع عماد  إن «أزمة الدواء الوطني أنعشت سوق الأدوية المهربة التي باتت متوفرة بشكل كبير، وقد زاد الإقبال عليها كثيراً من المحتاجين  مؤكداً استمرار استيراد أدوية من وزارة الصحة وبموافقتها من دول أوروبية قيل إنها قاطعت البلاد مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية»

تجار يحتكرون الدواء

والغوطة الشرقية دون أدوية

بدوره قال الصيدلاني «مروان.ح» في ريف دمشق إن «الوضع الدوائي في ريف دمشق وخاصة الغوطة الشرقية منها، مزري جداً، فهي منقطعة منذ فترة عن الدواء بشكل نهائي، ولا توجد فيها صيدليات ولا يدخلها الموزعون بسبب التوتر الأمني، عدا عن الخوف من عمليات السطو والسرقة على سيارات توزيع الأدوية والصيدليات»

وأردف إن «الريف بشكل عام يعاني من شح الأدوية لصعوبة المواصلات وتوقف بعض المعامل، والبدائل ليست متوفرة بشكل كامل، فبعضها انقطع نتيجة الإقبال عليها كبديل للدواء المعروف سابقاً- مشيراً إلى أن - توجه وزارة الصحة نحو الدول التي وصفتها بالصديقة لم يلمس على أرض الواقع نهائياً»

وعن الوضع الدوائي في ريف دمشق، قال نقيب صيادلة الريف  «مازن الحمصي»    إن« بعض معامل الأدوية هددت بعدم العودة للإنتاج إلا في حال تم رفع سعر الدواء رسمياً، وبدورهم قام الموزعون وأصحاب المستودعات وبعض الصيادلة بالتصرف ذاته، رغبةً بالبيع بسعر مرتفع في عملية تجارية بحتة بعيداً عن أخلاقيات العمل والمجتمع»

وعن احتكار الأدوية، قال الحمصي إن «بعض المستودعات والمعامل والصيادلة يميلون إلى الإحتكار كلما زاد رأس المال لديهم» مشيراً إلى أنه «لايمكن حالياً إحصاء عدد المعامل المتوقفة عن العمل كونها قد تغلق لفترات بسيطة وتعاود العمل مرة أخرى حسب الأسباب».

وبعد صدور قرار رفع سعر الأدوية  برزت عدة انتقادات من أصحاب المعامل والمستودعات الذين طالبوا سابقاً برفع الأسعار بنسبة 100% في حين جاء القرار على أساس الشرائح وليس بالمجمل، ولم يصل إلى أكثر من 40%، دون أن يطال الأدوية المستوردة.

هُمشت النقابة ورُفعت الأسعار.. و70 مليون للصيادلة المتضررين

وحول فاعلية قرار رفع أسعار الأدوية الأخير، التقت «قاسيون» نقيب صيادلة سورية، الدكتور فارس الشعار، والذي قال إن«نسب رفع الأسعار الذي أصدرته وزارة الصحة لا يلبي الطموحات اللازمة لحل الأزمة بتأمين المواد الأولية للصناعات الدوائية بالشكل الكامل، حيث صدرت نشرة الأسعار هذه دون الرجوع إلى نقابة الصيادلة أو الأخذ بمقترحاتها لتحديد المركبات الدوائية الخاسرة، واقتصر الأمر على الإجتماع مع اللجنة العلمية للصناعات الدوائية، الذين هم بالنهاية تجار ينشدون الربح بالدرجة الأولى»

واقترحت نقابة الصيادلة أن «يتم إنشاء هيئة وطنية للغذاء والدواء تشارك فيها جميع الجهات المعنية بصحة المواطن لتكون المقترحات الموجهة لوزارة الصحة علمية وواقعية وتلبي مصالح الجميع، في حين كان المقترح الثاني تشكيل لجنة مشتركة مابين الصناعات الدوائية ونقابة الصيادلة لتقديم المقترحات».

وحول سبب فقدان الأنسولين من السوق مع بعض الأدوية الحساسة، قال الشعار إن معمل آسيا للأدوية في حلب، هو الوحيد الذي ينتج الأنسولين لمرضى السكري في سوريا كمنج محلي، وعلى الرغم من توفر المادة اللازمة فيه إلا أنه هناك صعوبة بالغة في نقل المواد منه وخاصة إلى المناطق الجنوبية لتعرض بعض سيارات نقل الأدوية للسطو من الجماعات المسلحة للمتاجرة بها فيما بعد، عدا عن توقف المعمل الوحيد الذي ينتج بخاخات الربو، نتيجة تعرضه للأذى في حلب».

وأضاف الشعار إن «نقابة الصيادلة دفعت مابين عامي 2011 و2012 مايقارب الـ70 مليون ليرة سورية لجميع الصيادلة المتضررين في المحافظات، حيث كانت خسائرهم كبيرة نتيجة السطو والتخريب لتموضع الصيدليات على الشوارع العامة».

وفي مقترح لحل الأزمة، قال الشعار إنه« يجب السماح باسيتراد الأدوية التي تنتج أصنافها محلياً بنسبة 25% على الأقل، ماقد يدفع التجار إلى المنافسة بالنوع والسعر، فقرار منع استيراد الأدوية التي ينتج منها محلياً خاطئ»

 

توزع معامل الأدوية على مناطق التوتر

وكانت وزارة الصحة وزعت على جميع الصيدليات نشرات الأسعار الجديدة في 12 الشهر الحالي، وبشكل مفصل وفقاً للشرائح التي حددتها برفع السعر، وهي 40% للأدوية دون الـ50 ليرة سورية، و25% للأدوية مادون الـ100 ليرة سورية، و10% للأدوية مادون 300 ليرة، و5% للأدوية مادون الـ500 ليرة، في حين لم يطرأ أي رفع على أسعار الأدوية التي يبلغ سعرها فوق الـ501 ليرة سورية، بالإضافة إلى بقاء سعر الأدوية المستوردة على حالها دون رفع.

وتتوزع معامل الأدوية السورية على 3 محافظات بحسب نقابة صيادلة سورية، في حلب بنسبة 40% وريف دمشق 40% وحمص 20%، وجميع هذه المعامل كانت تغطي 90% من حاجة البلاد المحلية إلا أن تقارير صدرت مؤخراً أفادت بوجود نقص بنسبة 40% من حاجة السوق وهذه النسبة مهددة بالزيادة إن لم يتم حلها.

وتشهد جميع المناطق التي تتوزع بها معامل الأدوية المحلية توترات أمنية وأعمال عنف، وتأمين منتجات هذه المعامل لباقي المحافظات السورية بغض النظر عن قرار رفع سعر الأدوية، يبقى رهيناً لحل أزمة البلاد بشكل عام وسلمي، فاستمرار العنف لفترات أطول قد يؤدي إلى خسارة انتاج هذه العامل وبنيتها التحتية بشكل عام، ماقد ينذر بدخول البلاد إلى مرحلة حرجة في قطاع الأدوية كما باقي القطاعات.

 

ويشار إلى أن صحيفة قاسيون توجهت إلى وزارة الصحة للحصول على إجابات على بعض الأسئلة المتعلقة بأزمة الأدوية، إلا أنه لم يتم الرد على التساؤلات في الوقت المحدد بسبب روتين الجهات الرسمية التي تتبعه الوزارة للحصول على أسئلة الصحفيين عن طريق المراسلات بالفاكس حصراً.

آخر تعديل على الثلاثاء, 31 أيار 2016 14:58