سوق الحرامية: سوق لبيع الأدوات المنزلية المسروقة
سوق الحرامية، أحد الأسواق المعروفة، والتي يرتادها ذوو الدخل المحدود والفقراء في دمشق، نتيجة انخفاض أسعار البضائع فيه، على اختلاف أنواعها، فمعظمها بضائع مستعملة وقديمة، تباع بنصف القيمة، كـ «الثياب وأحذية البالة، والمفروشات، والأدواتالكهربائيات المستعملة»، وإلى غير ذلك من متطلبات الحياة اليومية.
كان يعتقد قديماً بأن تسمية هذا السوق بـ « سوق الحرامية» أتت من كون معظم البضائع المعروضة فيه، بضائع مسروقة، إلا أن هذه التسمية باتت منذ بدء الأزمة، وتحديداً مع انتشار العنف والعنف المضاد، تنطبق تماماً على هذا السوق، فقد شهد هذا السوق ازدهاراكبيراً في الآونة الأخيرة، حيث كثرت البضائع المستعملة «المسروقة طبعاً...!» فيه إلى درجة باتت تعرض على الأرصفة في هذا السوق.
تتنوع البضائع المسروقة والمعروضة، فتجد من ضمنها «الثياب والأثاث، والأبواب الخشبية والمعدنية، ونوافذ الألمنيوم، والأدوات الكهربائية بأنواعها، (البرادات، والثلاجات، والغسالات، والمراوح، والمكيفات، والحواسيب) كلها بأسعار منخفضة مقارنة بأسعارهاخارج هذا السوق، فـعلى سبيل المثال يبلغ ثمن براد في هذا السوق (3000) ل.س، بينما يبلغ سعر غسالة أوتوماتيكية أو مكيف (2) طن، (5000) ل،س، كما يبلغ سعر غرفة الجلوس (7000)، أما الثياب فتتراوح أسعارها بين ( 100، 200) ل.س لأي قطعة.
فمعظم هذه البضائع سرقت من منازل العائلات التي تم تهجيرها من المناطق الساخنة، والذين أجبروا على تركها هرباً من العنف الدائر، والقصف الذي تعرضت له مناطقهم، فـهذه المناطق الخاوية، شكلت مصدراً غنياً لرفد هذه السوق بمختلف البضائع، لأن منازلالمهجرين باتت مشاعاً أمام اللصوص، تتنوع الجهات التي تقوم بالسرقة بتنوع الدوافع وراء السرقة، فبعض أهالي هذه المناطق يتهمون بعض رجال الأمن وعناصر من اللجان الشعبية بسرقة منازلهم هذا أيضاً بحسب أحد عناصر اللجان الشعبية، الذي رفض ذكراسمه أو المنطقة المسؤول عن حمايتها والذي أعترف لـ « قاسيون » بوجود مثل هذه الحالات بالفعل.
و من الجهات التي تقوم بسرقة المنازل المهجورة أولئك الذين امتهنوا السرقة، ومعظمهم من أصحاب السوابق استغلوا غياب الأمن وانشغال رجال الأمن بمهام غير مهامهم الأساسية، لسلب ونهب البيوت المهجورة، إضافة إلى أولئك الذين هجروا من محافظاتهم بعد أندمرت منازلهم وفقدوا مصادر رزقهم، والذين أجبرتهم الحاجة على السرقة لإطعام أطفالهم، في ظل شح المساعدات الرسمية وغير الرسمية، إن وجدت.
«أبو محمد»: من أهالي التضامن يصف لـ « قاسيون» كيف وجد منزله بعد عودة الهدوء إليها قبل أن يشتد العنف والذي وصل إلى حد القصف الذي دمر معظم منازل هذه المنطقة.
« أبو محمد»: مع بداية انتشار العنف في التضامن تركنا منازلنا هرباً، ولجأنا إلى منازل أقاربنا بضعة أيام، وعندما علمنا بأن الهدوء عاد إلى المنطقة عدت إلى منزلي لأجد بابه قد تم خلعه وسرقة كل محتويات بيتي، وبعد بضع دقائق يدخل عنصران قالا أنهما منالأمن ظنا منهما أن، المنزل فارغ من أهله، وشعرت بأنهما فوجئا بوجودي، فـطلب أحدهما مني أوراق ملكية البيت، عندما تأكدوا من أني صاحب البيت ذهبوا، وعندما نظرت من شرفة المنزل رأيت عنصري الأمن يركبان في سيارة مخصصة لنقل البضائع، مليئةبأدوات كهربائية مسروقة، فأدركت على الفور بأنهم اصدوا منزلي لسرقة بعد أن ظنوه خاوياً من أهله، لكن للأسف كان هناك من سبقهم لسرقة منزلي، فهم حتى لو لم يجدوني في البيت، لن يجدوا فيه ما يسرقونه.
«أبو محمد » حالة من ضمن حالات كثيرة تعرضت منازلهم للسرقة في كثير من المناطق في دمشق وريفها والمحافظات السورية، التي باتت في معظمها خاوية من أهلها.
« ف،ع» أحد الباعة الموجودين في سوق الحرمية، يبيع المواد الكهربائية، رفض ذكر أسمه، يتحدث لـ «قاسيون» عن مصدر البضائع التي يشتريها ليعيد بيعها في سوق الحرامية.
«ف،ع» معظم البضائع التي تأتينا هي بضائع مسروقة من المناطق التي تم تهجير أهلها، ونحن نشتريها بأسعار بخسة ممن سرقها ، فهم بكل الأحوال سيربحون لأنهم لم يدفعوا ثمنها أصلاً، ونقوم ببيعها هنا في سوق الحرامية بنصف ثمنها أو أقل قليلاً، هي تجد رواجاًكبيراً كـ «المكيفات والغسالات والبرادات» ومعظم زبائننا من ذوي الدخل المحدود، وهم عاجزون عن شراء مثل هذه الأدوات، بسبب ارتفاع أسعارها في المحال والوكالات المخصصة لبيع الأدوات الكهربائية، أكثر البضائع التي تلقى رواجاً في هذا السوق هيالأدوات الكهربائية والأثاث كـ «غرف النوم، غرف الجلوس»، والأكثر رواجاً هي الثياب فمعظم السوريين يشترون ثيابهم من البالة بسبب الفقر وارتفاع المتزايد في أسعار البضائع الجديدة خصوصاً خلال الأزمة، نتيجة الحصار الاقتصادي بحسب قول المسؤولينوالتجار الكبار الذين يتحججون بارتفاع سعر صرف «الدولار»، ونحن نشتري هذه البضائع المسروقة، من عدة جهات منها مدنية وأخرى أمنية.
«أبو سامر»: رجل من ذوي الدخل المحدود، يقصد سوق الحرمية منذ مدة طويلة تسبق الأزمة، يتحدث لـ « قاسيون » عن التغير الذي لمسه في سوق الحرمية منذ اندلاع الأزمة.
«أبو سامر»: قبل الأزمة كان من النادر أن يجد الشخص طلبه وإن وجده لدى أحد الباعه قد يكون معطلاً، أما الآن فكل ما يخطر في بالك من أدوات منزلية وغير ذلك تجده بكثرة ودون عناء وبأسعار منخفضة، أنا أعرف بأن هذه البضائع مسروقة، ولكن ضعف مستوىالمعيشة وقلة الإمكانيات المادية تدفعنا للشراء من هذا السوق، فأنا مع كثير من السوريين لسنا قادرين في الأحوال العادية على شراء «براد أو مكيف» جديد وإن توفر بتقسيط، فكيف نتمكن من شرائها في هذه الظروف الصعبة.
مع انتشار ظاهرة السرقة في سورية ، يتداول الناس داخل هذا السوق بعض القصص، والروايات الطريفة والتي يعتقد الكثيرون منهم بأنها حقيقية، كـ تلك التي تقول: «بأن أحد اللصوص وجد داخل غسالة أتوماتيكية كيساً مليئا بالذهب»، وأخرى «يتعرف فيها أحدالأشخاص على جهاز تلفاز الذي سرق من منزله، ويثبت ملكيته لهذا الجهاز بإخراج كيس مليء بالمال، كان قد خبأه داخل جهاز التلفاز قبل أن يسرق من منزله »، تتنوع القصص وروايات السرقة التي باتت الناس تتناقلها، ويبقى القول إن واجب جهاز الدولة أن يقومبحماية المواطنين وممتلكاتهم والضرب بيد من حديد على اولئك الذين تطاولوا على كرامات الناس ومن ثم أملاكهم، حتى يقتنع الناس بأننا في وطن وليس في غابه.