جديدة الفضل.. صفعة من الإرهاب وصفعات من الحكومة

جير أكبر بكثير من كل أحلامها المنهوبة والمدهوسة.

لا تملك جديدة الفضل شيئاً يستحق التفجير، فواقعها المأزوم بندرة الخبز والمازوت والكهرباء والمياه والنقل  وجميع الخدمات الأساسية، كافٍ وحده لتفجير نفوس أهلها غضباً وألماً.

أزمات تاريخية

إن هذه الأزمات المذكورة آنفاً، لا تتعلق بالأزمة الحالية التي تشهدها البلاد منذ حوالي العامين، إلا أنها تعد أزمات عضوية عانت منها البلدة، التي تعتبر تجمعاً للنازحين من أبناء الجولان المحتل منذ تشكلها في أوائل سبعينيات القرن الماضي. قام هذا التجمع على أراض تتبع من الناحية الإدارية الى محافظة ريف دمشق، الإ أنها من الناحية الخدمية تتبع إلى محافظة القنيطرة، وبين القنيطرة والريف تفاقمت كل أزماتها حتى وصلت إلى لقب البلدة المنسية بلامنازع.

على سبيل المثال تتبع خدمة الهاتف الآلي لدائرة خدمات هاتف جديدة عرطوز البلد وهي المنطقة المجاورة والخاضعة كلياً لمحافظة ريف دمشق، بينما من ناحية الكهرباء فهي تتبع إلى بلدة عرطوز المجاورة، أما من ناحية المياه والنظافة وتعبيد الشوارع فهي تتبع إلى محافظة القنيطرة مباشرة والتي يبعد مركزها حوالي 40 كم عن مركز جديدة الفضل.

يبرر المسؤولون عنها هذا التشتت في التبعية إلى أن معظم قاطني المنطقة هم من نازحي أهل الجولان المحتل، بينما تتبع أراضي المنطقة لمحافظة ريف دمشق، حيث تم  شغل هذه المنطقة من الوافدين سواء من نازحي الجولان المحتل أو المهاجرين الفقراء من كافة أنحاء سورية منذ ما بعد عام 1970، وكون أن المنطقة كانت تعتبر أراضي زراعية ريفية يسكنها غرباء من محافظة أخرى، ظلت هذه المنطقة خارج أي تنظيم إداري وبالتالي تحولت إلى منطقة عشوائيات تعج بكافة المهمشين الباحثين عن أي مأوى بأرخص الأسعار من كل أنحاء سورية.

صدمة لا تُنسى

هزّ التفجير المروع قلب البلدة في وقت الذروة حوالي الساعة الواحدة والربع من ظهر الخميس 13/12/ 2012 في الشارع الرئيسي في منطقة مدنية بحت لا يؤمها في هذا الوقت إلا طلاب المدارس وطالبو قوت اليوم (لا يتواجد في المنطقة حتى مخفر شرطة) والذي أسقط أكثر من عشرين شهيداً و120 جريحاً. لم تهرع إلا سيارة إسعاف واحدة لنجدة أهل المنطقة وبعد حوالي الساعة، فرغم أن المنطقة تعتبر ومن دون مبالغة المنطقة الريفية الأكثر هدوءاً حيث لم تشهد أية أحداث عنف جدية، ويقوم الجيش العربي السوري بتأمين كافة مداخلها، إلا أن سياسة التهميش التاريخية جعلت  أهل جديدة الفضل يواجهون الموت بكل صمت.

لم تحو البلدة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي ال50 ألف نسمة والتي تبعد 15 كم فقط عن قلب العاصمة، مشفىً تنجد به أهلها في لحظات الشدة، والمستوصف الوحيد الموجود فيها يكاد يكون أشبه بعيادة داخلية في ريفٍ ناءٍ، فرغم كبر مبناه إلا أنه لا يحوي على أي تجهيزات إسعافية. مما حدا بأهل البلدة إلى إسعاف ذويهم، وهنا تدخل الجيش العربي السوري بفتح الخط العسكري وإغلاق كل الفروع المعيقة لحركة السيارات الخاصة المسعفة، طبعاً هذه الرواية الخاصة بموقف الجيش يشهد عليها كل أهل الفضل، وهي تكذب زيف روايات البعض التي قالت أن الجيش سد على أهلها المنافذ. أُسعف الجرحى في بادئ الأمر إلى أقرب مشفى وهي تقع على بعد مئات الأمتار فقط في جديدة عرطوز البلد المنطقة المجاورة، إلا أن إدارة المشفى التي تعتبر قطاعاً خاصاً رفضت إسعاف أي منهم، ومن ثم تم إسعافهم إلى مشفى المواساة في قلب العاصمة.

وضع كارثي

واجهت هذه البلدة كل سياسات التهميش قبل الأزمة دون أي حلول، فتعبيد الشارع الرئيسي استغرق عشر سنوات، لكن الوضع اليوم بات وضعاً حرجاً، فالبلدة لم تستلم حتى اللحظة أي مخصصات تذكر من مازوت الشتاء، وتتفاقم عليها أزمة الخبز، حيث لا يتواجد فيها إلا فرن خاص وحيد تبلغ مخصصاته 3 طن يومياً وينتج 3 آلاف ربطة خبز يومياً، بينما تبلغ حاجات البلدة ما لايقل عن 10 طن يومياً، فعدد سكانها 50 ألف نسمة. إن وجود فرن خاص وحيد في هذه المنطقة التي زاد عدد سكانها حالياً عن هذا الرقم بكثير وذلك كونها تعتبر من أهم مناطق اللجوء بسبب أمانها النسبي، جعل من أزمة الخبز أزمة خانقة وكارثية ناهيك عن قيام القائمين على الفرن الخاص بإغلاق الفرن وعدم البيع متذرعين بعدم وصول المخصصات رغم أن هذه الادعاءات عارية عن الصحة، حيث أكد بعض السكان  أن القائمين على هذا الفرن يبيعون مخصصاته من الطحين ومن المازوت في السوق السوداء.

تزاد معاناة أهل المنطقة بسبب شح المياه فيها، حيث يتم استجرار أغلب احتياجات المنطقة من منطقة سعسع عبر الصهاريج الحكومية، والتي كانت تنقل كميات المياه على مدار 24 ساعة خلال اليوم، ورغم أن حصة العائلة من المياه تبلغ ساعتين أسبوعياً قبل الأزمة وهي بالكاد تكفي الاحتياجات، إلا أنها مع تصاعد أزمة الكهرباء والنقل وزيادة الاستهلاك بسبب وضع المهجرين فاقمت أوضاع المنطقة سوءاً.

فانقطاع الكهرباء يبلغ ما بين 9 إلى 12 ساعة يومياً وهو يعني أن الكثير من العائلات التي تعتمد على ضخ المياه بالمضخات الكهربائية لن تتمكن من تعبئة أية قطرة.

كما أن جزءاً من الصهاريج التي كانت تنقل المياه ليلاً توقفت عن التحرك، بسبب أخطار الطريق نتيجة الوضع الأمني. ناهيك عن النقص المتراكم في المياه حيث لم يتم إنجاز مشروع استجرار المياه عبر الأنابيب من منطقة «ريمة» وهو المشروع الذي حَلُم به أهل جديدة الفضل وقد أُنجز في المناطق المجاورة ولم يرَ النور لديهم. يزداد الأمر سوءاً حالياً مع زيادة الطلب نتيجة وضع المهجرين وغياب أية مساعدة حكومية لهذه المنطقة، حيث لم تأخذ الحكومة أية إجراءات تراعي وضع المنطقة كونها باتت منطقة مهجرين.

تتعقد الأمور أكثر مع الانقطاعات المتكررة للكهرباء والمتواصلة أحيانا نتيجة للاستجرار الزائد بعد تضاعف عدد سكان البلدة، وهو مايؤدي إلى تهاوي الشبكة التي لم تخضع لعمليات توسيع خلال الفترات السابقة.

نعم ضرب الإرهاب قلب الفضل وفجع أهلها، المسالمين في عز أصوات الحرب، والمهادنين في لحظات التطرف، إلا أن صفة الإرهاب لم تكن مع كل أسف أقل من صفعات التهميش الحكومي التي اكتفت بخبر إعلامي يتيم مقتضب على قنواتها الرسمية ولم تستطع كاميراتها مواجهة واقعها المنكوب تاريخياً.