أرقام وإحصائيات توثق معاناة السوري اقتصادياً .. وعجز رسمي عن حمايته
في الوقت الذي اعترفت فيه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بفقدانها أدوات السيطرة على الأسعار وضبط السوق، في سبيل تحقيق مهمتها الأساسية والمتمثلة بحماية المستهلك وذلك بسبب استمرار العمل بآليات النموذجالليبرالي، تعيش الأسواق المحلية حالة من الفوضى الهستيرية في الأسعار والتلاعب والغش سواء كان لجهة المواد الغذائية أو غيرها، كما وطالت الحال المواد الأساسية المفترض أنها ضمن قيود وقوانين التسعير الرسمية، إضافةإلى تأثير العوامل السياسية والأمنية على مستوى الأسعار محلياً وتفاعلها مع الأسعار العالمية من جهة ثانية، ليبقى المستهلك السوري ضحية جشع تاجر من جهة وغياب رقابة الدولة بسياساتها الاقتصادية المبتعدة عن مصالحه منجهة أخرى.
أرقام رسمية فقط!
فحسب النشرة التنموية الاقتصادية الصادرة عن مديرية دعم القرار في رئاسة مجلس الوزراء، بلغ معدل التضخم السنوي عن شهر آب لعام 2012 نحو %39.49، مقابل %39.13 عن تموز للعام نفسه، علماً أن معدل التضخمالسنوي عن شهر آب لعام 2011، بلغ نحو %3.9، وذلك بسبب ارتفاع الرقم القياسي لمجموعة الأغذية والمشروبات غير الكحولية بمقدار 65 نقطة، ولمجموعة التجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية بمقدار62.55 نقطة ولمجموعة النقل بمقدار 57.3 نقطة.
على سبيل المثال بينت النشرة، أن وسطي سعر الكغ لمادة السكر ارتفع من 62 ليرة إلى 65 ليرة خلال الفترة المذكورة ذاتها بنسبة زيادة بلغت نحو %4.8.
وفيما يتعلق بسعر هذه المادة في الأسواق العالمية، ارتفع وسطي سعر كغ السكر ما يعادل 40 ليرة إلى 41.5 ليرة في سوق البرازيل بنسبة زيادة بلغت %3.8، وذلك بين تموز و آب 2012.
بينما بينت النشرة أن « وسطي سعر الصرف الرسمي لليرة السورية مقابل الدولار الأميركي تراجع من 64.6 ليرة إلى 66.19 ليرة، وبنسبة تراجع بلغت نحو %2.5 وتراجع وسطي سعر الصرف الرسمي لليرة السورية مقابلاليورو من 79.47 ليرة إلى 81.19 ليرة، وبنسبة تراجع بلغت نحو 3.1% بين تموز و آب للعام 2012».
النموذج الليبرالي مهد لجنون الأسعار
وفي نظرة أعمق، وبحسب جدول أسعار السلع الأساسية الصادر من مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بين عام -1992 2011، يتبين أن سعر معظم المواد وبعد تطبيق سياسة تحرير الأسعار عام 2001شهدت قفزات نوعية، مقارنة مع تدرج الارتفاع أو عدمه، قبل تطبيق السياسة السعرية الجديدة.
فسعر القمح القاسي شهد أبرز ارتفاع له في عام 2009 ليستمر بعده بالارتفاع حتى العام الحالي، أما عام 2008 فشهد ارتفاع أسعار عدد من المواد أبرزها القمح الطري والدقيق الحر والرز الحر القصير والمازوت.
أما البنزين فقد شهد ارتفاعاً في سعره بشكل لافت منذ عام 2006 حيث أصبح سعر تنكة البنزين 600 بعد أن كان 487 ليرة، كما شهد عام 2004 ارتفاع سعر اللحمة الهبرة إلى 375 ليرة، وبدأ سعر الفروج المذبوح بالارتفاع عام2006 بوصول سعر الكيلو إلى 85 ليرة، فيما وصل سعر صحن البيض إلى 130 ليرة عام 2005 وبقي ثابتاً حتى عام 2010 تقريباً، ليشهد من بعدها ارتفاعاً كبيراً مستمراً حتى العام الحالي.
نموذج التسعير الإداري
وكانت السياسة السعرية ركزت منذ اعتمادها عام 1979 على الأخذ بمبادئ التكاليف الحقيقية للإنتاج والاستيراد لتحديد الأسعار، مع مراعاة هوامش الأرباح لكافة الحلقات من الإنتاج أو الاستيراد إلى بائع المفرق، والتي كانتتصدر تباعاً لكل أنواع السلع، أما ما لم يصدر له قرار نسب أرباح، فتم تشميله بقرار عام للمواد الغذائية وغير الغذائية، ترافق ذلك مع دور مركزي للوزارة في تحديد السعر والرقابة له.
إلا أن السياسة العامة للأسعار منذ أواسط الثمانينيات في سورية، تعرضت لمتغيرات اقتصادية كثيرة، مثل وجود شركات إنتاجية كثيرة ودخول القطاع الخاص بنشاط اقتصادي واسع أكثر مما كان سابقاً، وفي عام 2001 أعادتوزارة الاقتصاد النظر في السياسة السعرية، وأقرت سياسة سعرية جديدة تعتمد على آلية السوق المبنية على العرض والطلب والجودة والمنافسة لمعظم السلع، واعتمدت هذه السياسة للسلع الكمالية، أما السلع الأساسية الضروريةالحياتية فما زالت مقيدة بضوابط.
الوضع الحالي
قسمت السياسة السعرية الجديدة السلع إلى ثلاث زمر، الأولى تتضمن السلع التي يجب أن يستمر تدخل الدولة في تسعيرها وهي السلع الحياتية الأساسية للمواطن، والزمرة الثانية تتضمن سلعاً ضرورية ويتم تحديد سعرها النهائيللمستهلك من جهة مخولة في التسعير دون التدخل بتحديد سعرها أو هوامش ربحها لحلقات الإنتاج أو الاستيراد والجملة، والزمرة الثالثة تم تحريرها من هوامش الربح وتركها للمنافسة السعرية وفق العرض والطلب بالسوق.
ومن السلع التي ما زالت محددة السعر وتخضع لهامش ربح محدد، السكر. حيث يتم تحديد أسعاره من وزارة التجارة الداخلية، وعلى المستورد أو المنتج أن يتقدم بوثائق الإنتاج أو الاستيراد التي تؤكد تكلفته إلى مديرية الأسعار قبلطرحه في السوق، ويتم تحديده من الوزارة، حيث لا يوجد سعر موحد للمستوردين كافة لمادة السكر وذلك وفق وثائق التكلفة التي يتقدم بها المنتج أو المستورد.
ومن السلع المحددة أيضاً الرز والزيوت والسمون، أما المعكرونة والشعيرية فتصدر أسعارها ضمن مديريات الاقتصاد والتجارة في المحافظات، وكذلك الأمر لمعلبات اللحوم والمشروبات الروحية وألعاب الأطفال وخبز السندويشوالكعك والحلويات، أما الخضراوات والفواكه والبيض والفروج فتصدر أسعارها ضمن النشرة التأشيرية الدورية.