يوسف البني يوسف البني

تهميش مقصود لأراضٍ زراعية هامة؟! أهالي ريف منبج يشكون إهمال وتجاهل الحكومة لتنمية منطقتهم

شكا أهالي القرى المترامية الأطراف في ريف منطقة منبج لـ«قاسيون» إهمال الحكومة وتجاهلها لهذه المنطقة الهامة، التي كانت يوماً سنداً وداعماً للاقتصاد الوطني بمساهمتها بزراعة القطن والقمح والشوندر السكري، ولكن هذه المنطقة تعاني الآن، كما يعاني الريف السوري بمجمله من الجفاف وتغير المناخ، يضاف إليه إهمال الحكومة للمشاريع التنموية التي قد تكون بديلاً هاماً عن قصور المطر، وهذا يؤدي إلى خسارة جزء هام من منتوجاتنا الزراعية الاستراتيجية التي تساهم بدورها في تأمين وتعزيز الأمن الغذائي والاقتصادي.

وتلبية لطلب أهالي ريف منبج قامت «قاسيون» باستطلاع حول همومهم ومطالبهم وشكاواهم، ورصدت على أرض الواقع معاناتهم وقصور الخدمات اليومية والتنموية على حد سواء، والتقت ما يزيد عن ثلاثين فلاحاً ومربياً للمواشي، الذين صرحوا لنا بشكاواهم ومطالبهم المحقة التالية:

 

أراضٍ خصبة أتلفها الجفاف

ـ أحد الفلاحين قال: إن ريف منبج يمتد حوالي 70 كيلومتراً في كل اتجاه بدءاً من منبج، وهو ريف واسع ومترامي الأطراف، وكله من الأراضي الزراعية الخصبة، التي كانت تنتج القمح والقطن والشوندر السكري، والموسم الأهم والأساسي الشعير، وكانت الأراضي مروية بالآبار منذ أكثر من 20 سنة، وعندما بدأت مواسم الجفاف وقلة الأمطار نضبت الآبار، وأصبحت مواسمنا تنقطع في منتصفها، فيموت الزرع الهام والاستراتيجي جداً للمنطقة ولجزء من الاقتصاد الوطني، فانقلبت حياتنا وتدمرت زراعتنا، وبدأ شبابنا بالهجرة والعمل في المغترب وتركوا أراضينا بوراً، مع أنها كانت رافداً هاماً للاقتصاد الوطني، فخسرنا زراعتنا وخسرنا أولادنا، حيث أن المنطقة تخلو من الشباب، ولا يوجد فيها سوى النساء والأطفال والرجال العاجزين عن السفر، والفلاحون يبيعون أراضيهم ويهجرونها».

ـ تابع فلاح آخر: «من هنا فإن الهم الأكبر والمطلب الأساسي لكل قرى المنطقة هو جر مياه لري الأراضي من نهر الفرات الذي يبعد عنها فقط مسافة لا تزيد عن 20 كيلومتراً، وهي مسافة غير عصية على الحكومة، وأسوة بمنطقة الباب المخدَّمة بالري الحديث بالتنقيط، مع أن المسافة تبلغ 40 كيلومتراً، بينما منطقتنا يلزمها ساقية ري من الفرات تبدأ من الخفسة مروراً بتل أسود، رأس عين الحمر، أربعة كبير، اربعة صغير، مزيون الحمر، حيمرجيس، أبو كهف، وصولاً إلى المروح، مع أن هناك مجرى وادي طبيعي يمكن بكل بساطة تغذيته من مصرف صغير يخرج من الفرات شمال الخفسة، وهذا المشروع بسيط جداً ولا يستعصي على الدولة التي جرت مياه الري للأراضي الزراعية ومزارع الدولة عبر ساقية دير حافر الموازية لوادينا».

ـ أردف فلاح آخر: «هذا المشروع كان قد طُرح سابقاً، ولكن لا نعلم لماذا لم تهتم الحكومة بتنفيذه إنقاذاً لزراعتنا وغذائنا، ويمكننا لو نُفِّذ هذا المشروع أن نستعيد شبابنا الذين يهاجرون خارج الوطن بحثاً عن لقمة العيش، لأنه سيكون لهم فرص عمل كثيرة في أراضي أهلهم وجدودهم المهجورة حالياً، مع أنها كما قلنا خصبة ومعطاءة، وهي في ماضي السنوات قد حصَّلت بطولة الإنتاج الزراعي ولها فضل كبير في هذا المجال. ويجب أن تعود إلى دورها الفعال في خدمة الوطن وأهالي المنطقة».

وتربية المواشي ايضاً

ـ أحد المربين قال: «الرابطة الفلاحية في منبج تعاني من فساد كبير، وتتاجر بنا في السوق السوداء حيث يأخذ التجار الكبار الأعلاف من المصرف على أساس أن عندهم حيازة تربية مواشي وبأعداد كبيرة، ليعودوا ويبيعوننا الأعلاف بأسعار مضاعفة، وقد تبين أن الرقم الحقيقي المربَّى في سورية من الأغنام يقل عن الرقم المسجَّل بأربعة ملايين رأس، والعلف المخصص لهذه الملايين الأربعة يأخذه تجار السوق السوداء ويبيعونه للمربين الذين لا يجدون في الرابطة الفلاحية والمصرف الزراعي علفاً لحيواناتهم، وفي السوق السوداء نجد الأعلاف المسروقة من المصرف الزراعي حيث يبيعوننا كيلوغرام النخالة بـ17 ل.س بينما سعرها الرسمي في المصرف 4.5 ل.س، ويبيعوننا كيلوغرام الشعير البلدي بـ20 ل.س والمستورد بـ13 ل.س».

ـ الفلاح أبو محمد قال: «لا تنسَ قصة السماد الكيماوي المستورد، الموجود بالسوق السوداء بنصف تركيز السماد الوطني الموجود بالمصرف الزراعي وبسعر أقل، ونشعر من هذه الظاهرة أن هناك مخططاً لضرب الصناعة الزراعية السورية، فسعر السماد الوطني غال جداً، وينافسه تجار السوق السوداء الذين يستوردون السماد خفيف التركيز ويبيعونه بسعر أقل، كي لا يشتري الفلاح السماد من المصرف الزراعي، وبالتالي يتوقف معمل السماد عن إنتاجه».

ـ فلاح أخر قال: «الأراضي الزراعية التابعة للجمعية الفلاحية في حيمر جيس تبلغ 54 هكتاراً وثمانية دونمات، وكان لها رصيد مادي جيد لمساعدة الفلاحين يزيد عن مليوني ليرة سورية، استقراضهم اتحاد الفلاحين في حلب بحجة بناء معمل الخراطيم، وقالوا فيما بعد إن المشروع فشل، وهنا نتساءل، والسؤال برسم التفتيش والتحقيق: هل حقاً استُخدِم المبلغ لبناء معمل الخراطيم وفشل المشروع؟! وهل اتحاد الفلاحين في حلب أساساً بحاجة لسحب رصيد الجمعية لبناء هذا المشروع؟! أم كان للمبلغ تصريف أخر؟!

وللخبز قصة أخرى

ـ أحد المواطنين الموظفين قال: «بدلاً من أن يحرمونا من رصيد الجمعية كان أولى بهم استعمال المبلغ في بناء فرن خبز للقرية التي تحوي ما يزيد عن خمسة آلاف نسمة، ولا يوجد فيها فرن، ومثلها كل القرى في هذا الريف الواسع الممتد حول منبج، وكلها لا يوجد فيها أفران، والمواطنون يذهبون بالسيارات لمسافات طويلة لجلب الخبز، يجب حل مشكلة الخبز في قرانا هذه إما بالسماح بترخيص أفران وإعطائها مخصصات من الطحين المدعوم لتصل ربطة الخبز إلى المواطن بالسعر الرسمي الذي حددته الدولة 15 ل.س، بدلاً من تحكم المندوب الذي يبيعها بـ20 ل.س، وأحياناً بـ25 ل.س، وأحياناً نضطر لشرائها بهذا المبلغ حتى لو كانت بائتة لعدة أيام وجافة، وهناك حل أفضل من ترخيص الأفران هو بفتح منافذ بيع في كل القرى للأفران الآلية الموجودة في منبج، وبذلك نحقق هدفين هامين: أولهما وصول ربطة الخبز للمواطن بالسعر الرسمي، وثانياً تكون هناك فرص عمل لبائعي الخبز الذين يمكن تعيينهم على عدد القرى التابعة لمنطقة منبج، والبالغ حوالي 400 إلى 500 قرية.

الطريق الرئيسية.. مجموعة أفخاخ!

رغم بعد المسافة عن منبج وطول الطريق، يفضِّل سائقو السيارات سلوك طريق أبعد من الطريق الرئيسي المباشر من منبج إلى المنطقة، ويزيد عنه بنحو 25 كيلومتراً، بسبب سوء الطريق وكثرة الحفر فيه الناتجة عن سوء تنفيذ الزفت، وتقع على هذا الطريق قرى المزيونة، أربعة كبير، الحمر الكبير، الحمر الصغير، حيمرجيس وبامتداد 8 كم، ويلاقي المواطنون مشقة كبيرة في الحصول على توصيلة سيارة لأن السائقين يرفضون السير على هذه الطريق، ويطلبون إيجار التوصيلة على الطريق الأطول حوالي 300 ل.س، وهذا أمر شاق جداً على المواطنين، الذين يسمون الطريق الرئيسي طريق الموت، حيث تكثر الحوادث، ويسبب ليس فقط عبئاً مادياً بل خدمياً أيضاً، والمريض عندما يحتاج للإسعاف فالفرص أمامه بالنجاة قليلة، وقد يموت قبل أن يصل إلى من يسعفه، ومن هنا ننتقل إلى مطلب آخر وهو إيجاد مستوصفات في القرى، ففي كل هذه المناطق الممتدة الواسعة لا يوجد مستوصفات تقدم الخدمات الصحية للمواطنين، سوى في قرية أبو كهف، التي تحوي أيضاً إرشادية زراعية ومخفراً، وباقي القوى محرومة من هذه الخدمات».

تدمير متعمد للزراعة وتهجير للفلاح

ـ رئيس الجمعية الفلاحية قال: «منطقتنا هذه زراعية بامتياز، وجريمة كبرى بحق الوطن والمواطنين أن تبقى مواسمنا مهددة بالجفاف والخسارة، فإضافة إلى حاجتنا الشديدة للماء، وهو أمر سهل على الحكومة، المطلوب قبل كل شيء تنزيل سعر المازوت، وهو قاطرة تجر معها تخفيض تكاليف المعيشة وتكاليف الإنتاج الزراعي، ونريد مساعدتنا في تأمين وسائل ومستلزمات الإنتاج، فالمنطقة كلها لا يوجد فيها جرارات زراعية، وكان المصرف الزراعي يعطي القروض لشراء الجرارات والآن تم إلغاؤها، فمن أن سيحصل الفلاح على 700 ألف ليرة سورية دفعة واحدة ثمناً للجرار؟!

الفلاحون كذلك يطالبون بتوفير السماد للزراعة والعلف للحيوانات، وتخفيض أسعارها حسب قدرة الفلاح، والمطلوب تسهيل معاملات القروض الزراعية على الفلاحين المحرومين منها، بسبب أن أراضينا مازالت باسم الجدود، حيث سُجِّلت بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي والتأميم، وإن نقل ملكيتها الآن يكلف مبالغ طائلة لا طاقة لنا بها، وبالتالي فإننا محرومون من القروض الزراعية، لأن أرضننا ليست باسمنا» 

والتعليم أيضاً..

ـ قال مدير مدرسة القرية: «يوجد في قرية حيمرجيس مدرسة ابتدائية وإعدادية وثانوية، ولكن مدرسون لا يوجد في الإعدادية والثانوية، فمدرّس الفرنسي غير موجود نهائياً، ومدرّس الرياضيات حضر منذ عشرة أيام فقط، أي حوالي 15 آذار، ومدرسون فيزياء وكيمياء أيضاً لا يوجد، مع أن السنة قاربت على الانتهاء، وهذا الوضع ينطبق على كل قرى الجهة الجنوبية والشرقية من منطقة منبج، وأبنية المدارس بحاجة إلى توسيع، ويداوم الطلاب دوامين وبعض الشعب في المرحلة الإعدادية فيها أكثر من 50 طالباً، وبعض المدارس مازالت مبنية من التراب واللبن حتى الآن، مثل مدرسة السفري ومدرسة البلوة ومدرسة المشيرفة».

ـ والد أحد الطلاب قال: «ابني في الصف الحادي عشر في مدرسة علي بن أبي طالب في منبج، وهو ورفاقه في المدرسة يكادون يفقدون مستقبلهم التعليمي بسبب وجود مدرِّس لغة انكليزية متنفذ ومستقوي بأخيه في مجلس الشعب، فهو لا يداوم، محسوب على ملاك المدرسة ولكنه لا يخضع للأنظمة والقوانين، وتغلب مزاجيته اللامبالية على كل تصرفاته، وحتى المدير لا يستطيع إلزامه بالانضباط والدوام النظامي، وهو ينحني له ويقول: حاضر سيدي وأمرك سيدي».

مطالب بالجملة تدل على التهميش

ـ جميع القرى جنوب منبج معزولة عن العالم تماماً وتعيش في عصور الظلمات، لا يعرفون خدمة الهاتف، لا آلي ولا نصف آلي، وقد تم تمديد الأعمدة والكابلات عليها منذ أكثر من عام، ونام المشروع، وهذه القرى لا تعرف الاتصالات في عصر الانترنت والمعلوماتية.

ـ الكهرباء في قرية حيمرجيس ضعيفة جداً لتحميل القرية كاملة على محولة واحدة، علماً أنها أكبر قرية في ناحية أبو كهف، والمطلوب توسيع شبكة الكهرباء وإضافة محولتين أخريين.

ـ معظم أهالي المنطقة من الطبقة الفقيرة، وصندوق المعونة الاجتماعية لا يوزِّع إلا بالرشوة والفساد، حيث يوجد أمام مركز البريد في منبج كشك صغير (كولبة) توزع مبالغ المعونة، فيها موظف من معقّبي المعاملات، يقبض ألف ليرة سورية ويحصِّل لك مبلغ المعونة فوراً، ومن لا يدفع يعود للمطالبة مرات عديدة، بتعبٍ وذلٍّ وهوان، المطلوب زيادة مراكز توزيع المعونة الاجتماعية، حيث هناك مركز واحد في منبج لأكثر من 400 أو 500 قرية، ويتعرض المواطنون عند الازدحام للضرب والإذلال، ومؤخراً تم فتح مركز في أبو قلقل، ويبعد عن بعض القرى حوالي 100 كيلومتر، والذي يقطع المسافة لا يحصل على المبلغ إذا لم يدفع المعلوم».

على أمل الاهتمام

هذه هي حال قرى الريف الجنوبي من منطقة منبج، تشكو من الإهمال والتهميش والتأخير المتعمد أيضاً، تطالب بأن يكون لها موقع بسيط في مخططات التنمية التي تضعها الحكومة، وأهم ما يطلبونه لاستعادة راحتهم وطمأنينتهم واستعادة دورهم في دعم الاقتصاد الوطني، جر قناة مياه من نهر الفرات عند منطقة الخفسة، وعلى بعد لا يزيد عن عشرين كيلو متراً، وهي مسافة ليست بالعصية على الحكومة، والمطلوب أيضاً قليل من الاهتمام بالنواحي الهامة من متطلبات الحياة المعيشية اليومية: كالكهرباء والهاتف والتعليم وغيرها، لتكون في مصاف القرى النامية، وليس النائية كما تسميها الحكومة.