سوريو الخيام  إذلال وفساد ومراقبة

سوريو الخيام إذلال وفساد ومراقبة

من أقدم المخيمات التي أقيمت على الحدود السورية التركية، حيث مضى على أغلب المقيمين به أكثر من أربعة أعوام حتى الآن، وهو يبعد عن تل أبيض السورية بحدود 20 كم داخل الأراضي التركية، وبلغ عدد المقيمين فيه ما يزيد عن 30 ألف لاجئ، غالبيتهم من النساء والأطفال، الذين اضطرتهم ظروف الحرب والأزمة للجوء خارج حدود الوطن، وهم بمعظمهم من ادلب وحلب والرقة ودير الزور.

 

شبه معتقل

على الرغم من أن المخيم ما زال على مسماه، حيث ما زالت الخيم هي السائدة هناك، رغم وجود بعض البراكيات، ولكنه تحول إلى شبه مدينة متكاملة الأنشطة، حيث باتت الخيام، بالإضافة لكونها مكاناً للإقامة والمبيت، فهي أمكنة لمزاولة الأنشطة الاجتماعية والتجارية من بيع وشراء وتعليم وحلاقة، وغيرها من الأنشطة التي يمارسها السوريون هناك، وذلك للتشبه بالحياة الطبيعية التي اعتادوا عليها وعاشوها، ولكسر حالة الإحساس المتولدة لديهم عن وجودهم في مكان أشبه بالمعتقل من حيث حجز الحريات، حيث الأسوار تحيط بالمخيم، ويمنع الدخول والخروج إلا بموافقة وإذن وللحالات الصحية بشكل خاص، كما للمكابرة على حالة الاستغلال والبؤس المكرسة لدى هؤلاء خلال سنوات من اللجوء.

رقابة مشددة وإدارة فاسدة

للمخيم إدارة محصورة بالأتراك، تسن التعليمات وتضبط إيقاع الإقامة بداخله، كما تمنع الإعلام من الدخول إليه، وإن تم فهو مراقب بشكل كبير، منعاً لتسرب أية معلومات عما يجري بداخل المخيم، وخاصة ناحية الشكوك بالفساد التي تحوم ظلالها حول إدارته، ناحية التصرف بالمساعدات العينية أو النقدية التي تقدم من المنظمات والجمعيات، المحلية والدولية، كما أن المقيمين من اللاجئين مراقبين أيضاً وبشكل كبير، جزء من هذه الرقابة تبرر تحت حجج أمنية، وجزء آخر تحت مبررات سياسية، حيث يمنع منعاً باتاً الخوض بأي نقاش سياسي، علماً أن اللاجئين وإن كان تواجدهم بالمخيمات سببه المعلن إنساني، إلا أن الأسباب الحقيقية للجوئهم هي أسباب سياسية بامتياز، أدواتها عسكرية وأمنية واقتصادية وغيرها، وكل من يشتبه به من قبل الإدارة بأنه يمارس أي نشاط سياسي وإن كان بحديث، فالإجراء المباشر هو الترحيل من المخيم.

تعتيم على الاستغلال

الوضع الاجتماعي في المخيم لا يشي بالإيجابية، على الرغم مما يظهر على السطح كله من إيجابيات مرسومة ومراقبة بدقة، حيث يبلغ عدد الأيتام من الأطفال بحدود 1000 يتيم، ويبلغ عدد الأرامل بحدود 500 امرأة، أما عدد المعاقين من الأطفال فيقدر بـ 140 طفلاً معاقاً، كما يتواجد به عدد من العجزة من كبار السن يقدر عددهم بـ 65 مواطن، ومع أكثرية كبيرة من النساء والأطفال بالنسبة للتعداد العام للمقيمين بهذا المخيم، فقد ظهرت حالات الاستغلال، للنساء خاصة، تحت ضغط الحاجة، مع التعتيم عليها بشكل كبير، رغم الحديث عن وجود شبكة راعية لهذا الاستغلال، كما تمارس العقوبات من قبل الإدارة بحال تم الحديث أو التلويح بوجود مثل تلك الحالات من الاستغلال، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الغالبية العظمى من خريجي الجامعات من السوريين الذين تواجدوا بالبداية في المخيم قد غادروه، وذلك لعدم وجود فرص عمل لهم داخل المخيم.

اكتفاء ذاتي

الوضع الصحي في المخيم يعتبر إيجابياً، حيث تتوفر الأدوية في صيدليات خاصة وعامة، ويوجد مشفى عام ومستوصفات وعيادات، كما تتوفر بعض الأدوية السورية، حيث أن غالبية المرضى يفضلونها على غيرها، وذلك لاعتيادهم عليها، المواد الغذائية متوفرة ولكن سعرها مرتبط بالدولار، وعلى اعتبار أن الأنشطة التجارية وممارسة الأعمال مسموحة داخل المخيم، والتعامل النقدي محصور بالليرة التركية غالباً.

وقد أبهر السوريين الأتراك خلال السنوات الماضية، حيث تحولت الخيام إلى منازل ومحال وورشات حقيقية، فيها الكثير من المستلزمات بما في ذلك الكهربائيات المتعددة وحتى أجهزة التكييف، خاصة وأن الكهرباء مجانية، وقد كان ذلك يسيراً وخاصة بالنسبة للذين يعملون للحصول على دخل إضافي على المساعدات المادية المقدمة، حيث أن تلك المساعدات تكاد تكفي الاحتياجات الأساسية فقط وبالحدود الدنيا، حتى أن بعضهم يمارس الأعمال الزراعية في الأراضي المحيطة بالمخيم، وقد بات الأتراك يفضلون التعامل مع السوريين بمجال الأعمال والخدمات في المنطقة المحيطة بالمخيم، وقد بات المخيم شبه مكتفٍ ذاتياً بالكثير من أنشطته وخدماته.

أمية متزايدة

معدلات الأمية داخل المخيم بتزايد يوماً بعد آخر، حيث توجد مدرسة واحدة بإشراف الأمم المتحدة، لثلاث أفواج من الطلاب «ثلاث فترات للدوام»، وعدد الطلاب يقدر بحدود 8 آلاف طالب، ما يؤدي إلى التسرب من التعليم، بالإضافة إلى التعليم في الجوامع التي تشرف عليها «الهيئة الاسلامية»، الذي يقتصر على بعض دروس في اللغة العربية وأصول النطق، والفقه والحفظ لمن رغب بالمتابعة.

العمل أو الاستغلال

الليرة التركية تقدر بحدود 160 ليرة سورية، وعلى سبيل المثال فإن سعر طبق البيض يقدر سعره بحدود 3 ليرات تركية، ليتر الحليب المبستر يقدر سعره بحدود 2 ليرة تركي، وسعر كيلو لحم الضأن مرتفع حيث يقدر بحدود 20 ليرة تركي، أما سعر الفروج فيقدر بـ 5 ليرات تركية، الحلاقة للأطفال بليرة وللكبار بـ 5 ليرات، وقس على ذلك، وعلى اعتبار أن التعامل يغلب عليه الليرة التركية، فقد أصبح جزء من السوريين يتعاملون بصرافة العملات، بالإضافة إلى التعامل في بيع وشراء المصاغ الذهبي.

على ذلك فإن تلبية الحاجات الأساسية والضرورية اليومية، تفترض إيجاد فرصة عمل من أجل الحصول على دخل مناسب يفي تلك الاحتياجات، وإلا فإن الاستغلال بأشكاله المباشرة وغير المباشرة هو البديل أمام المقيمين.

بانتظار الحل والعودة

المقيمين في المخيم جميعهم باتوا على يقين من الدور التركي، الذي يستفيد ويستغل هذا المخيم وغيره، كما الأزمة السورية عموماً، والكارثة الإنسانية خصوصاً، لتحقيق مكاسب سياسية أو مادية، مباشرة أو غير مباشرة، كما أن جميعهم بانتظار انتهاء الأزمة عبر الحل السياسي، مؤكدين رفضهم للحلول العسكرية التي دفعوا ضريبتها دماً ودماراً وتشرداً بالخيام، وذلك من أجل عودتهم إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم، ليمارسوا أنشطتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بعيداً عن الاستغلال والمتاجرة بهم تحت ضغط الحاجة والوضع الإنساني المزري.

آخر تعديل على الأحد, 10 نيسان/أبريل 2016 16:22