فلاحو الغاب استعراض إعلامي وغياب الدعم
يعاني فلاحو ومزارعو منطقة الغاب، كغيرهم من العاملين بالقطاع الزراعي في بقية المناطق السورية، من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وخاصة خلال فترة الحرب والأزمة.
فقد ارتفعت هذه التكاليف بشكل كبير، ما أدى لعجز البعض عن الاستمرار بالعمل بمجال الإنتاج الزراعي، نتيجة عدم تغطية تكاليف إنتاجه، إن لم يصل بعضهم إلى تكبد الخسائر المحققة.
أسباب إضافية للخسائر
لم تقف حدود خسارة الفلاحين من عدم تغطية تكاليف الإنتاج فقط، بل تعدتها للأسباب الطبيعية المرتبطة بالمناخ، أو بالآفات الحشرية أو المرضية الأخرى أيضاً، حيث تتعرض مواسمهم بشكل دائم لآثار الجفاف التي تأتي على المحاصيل، وخاصة محصول القمح، بالإضافة إلى عدم توفر مياه الري بشكل دائم، ناهيك عن التكاليف المرتفعة المرتبطة بتأمين الري من مصادر أخرى، ما يؤدي إلى زيادة آثار الجفاف بنهاية المطاف.
مع ما يعانونه من خسائر جراء تعرض محاصيلهم لانتشار فأر الحقل، الذي يلحق ضرراً كبيراً بالمواسم في الكثير من الأحيان، ناهيك عن الكثير من الآفات المرضية الأخرى، التي يعجزون أحياناً عن تفاديها، أو التقليل من خسائرهم نتيجتها، بسبب ارتفاع أسعار المبيدات الحشرية والأدوية والأسمدة وغيرها.
كلف الإنتاج
كلف الإنتاج من الناحية العملية يجب ألا تتجاوز الـ 30% من قيمة الناتج، كي تكون الزراعة مجدية اقتصادياً للمزارع، لكن في الواقع واعتماداً على دراسة ميدانية أجرتها «قاسيون» سابقاً وعرضتها عبر صفحاتها، فقد بلغت هذه الكلف 70%، وهذه نسبة عالية جداً لا تشجع أي فلاح على زراعة مثل هذه المحاصيل، طبعاً الدراسة شملت كلف المحاصيل الاستراتيجية (قمح-قطن- شوندر) التي لها علاقة بالأمن الغذائي والصناعي، ولذلك هرب معظم الفلاحين من زراعة هذه المحاصيل إلى زراعات مجدية أكثر، مثل حبة البركة واليانسون والشمرا وغيرها، علماً أن هذه المحاصيل تبقى رهناً بحركة السوق بين العرض والطلب، وبالتالي فإن الفلاح يغامر عندما يزرع هذه المحاصيل، جراء تحكم التجار والسماسرة والضمانة بتسعير تلك المحاصيل.
أراضي زراعية خارج الخدمة
ارتفاع أسعار المحروقات أدى إلى خروج مساحات واسعة من الإنتاج المروي، فآخر تقدير أنه خرج من الإنتاج الزراعي بحدود 60% من الأراضي المروية، كما خرجت مساحات من الأراضي بسبب الظروف الأمنية، التي فيها الكثير من المبالغة بالأسباب والمبررات، كما وبعضها غير حقيقي.
بالإضافة إلى أن مؤسسة تطوير الغاب تركت أقنية الري منذ اندلاع الأزمة دون صيانة، ما منع استثمارها وظيفياً.
ما وضع فلاحي الغاب بنهاية الأمر متروك لربهم على مستوى تأمين مصادر مياه الري وسبل استثمار أراضيهم.
الخطط الزراعية «نظرية»
فلاحو الغاب بشكل عام من أنشط الفلاحين ولديهم خبرات عملية واسعة بالعمل الزراعي تفوق بكثير من الأحيان خبرات المختصين على المستوى النظري، وهذه إحدى معاناتهم مع الجهات الوصائية التي تعتمد الدراسات النظرية البعيدة عن الواقع، ولعل من أهم هذه القضايا هي وضع الخطة الزراعية التي لا تراعي المتغيرات التي حصلت.
إن كان على مستوى الملكيات أو الحيازات، التي وزعت بقانون الإصلاح الزراعي، فالملكيات والحيازات تجزأت وتبعثرت بين الورثة، وبالتالي ما كانت توضع من خطط زراعية لذاك الزمان لم تعد ممكنة التحقق في يومنا، ولذلك لا تنفذ الخطط الزراعية الموضوعة نظرياً على الورق، وهذا ما ينعكس سلباً على الناتج العام، وبخاصة في المحاصيل الاستراتيجية (قمح- قطن- شوندر).
أو على مستوى المتغيرات المناخية والبيئية، (الأمطار- المخزون المائي- الجفاف- وغيرها) والتي بدورها تؤثر على مردودية الإنتاج.
لذلك فإنه من المفترض، عند وضع الخطط الزراعية، أن تؤخذ هذه الجوانب الهامة بعين الاعتبار وتراعى، كي تصبح هذه الخطط ممكنة التنفيذ.
المصرف الزراعي
فيما يخص تعامل المصرف الزراعي بتأمين البذار والأسمدة، وغيرها من بعض مستلزمات الإنتاج الأخرى، هناك تأخير دائماً في تسليمها للفلاحين وتعطى على دفعات، مما يضطر الفلاحين لشرائها من السوق السوداء من أجل الاستفادة من عامل الزمن بكل موسم، وهذا يزيد من كلف الإنتاج عملياً.
وقد علمنا مؤخراً أن المصرف الزراعي سيسلم الفلاحين نصف مخصصات الموسم الشتوي فقط، من بذار وأسمدة، والنصف الآخر غير معلوم متى سيسلم لهؤلاء!.
تعويضات تتآكل عبر الروتين
وعلى الرغم من المطالب العديدة بصرف التعويضات عن الأضرار، والتي يعتبر الجفاف أحدها، إلا أن هذا الصرف غالباً ما يتوه في أروقة الروتين والبيروقراطية، بحال تم إقراره، ناهيك عن أوجه الفساد التي ترتبط به، علماً بأن التعويضات المقدرة غير منصفة ولا تغطي الخسائر بالشكل العملي، فكيف عندما يتم التأخر بصرفها، مع الارتفاع المتزايد لتكاليف الإنتاج، وللمعيشة بشكل عام، وهو ما يعانيه الكثير من الفلاحين الآن، حيث أصبحت التعويضات المقدرة مـتآكلة بفعل عامل الزمن، المرتبط بتدني القيمة الشرائية لليرة، وارتفاع الأسعار المتتالي، ناهيك عن أنها تمنح للبعض دون الآخرين في كثير من الأحيان، حيث تم العام الماضي تعويض للإصابات الحقلية ولكن بشكل جزئي، وكثيرون كان لديهم إصابات في حقولهم ولم يعوض لهم شيء، كما أن التعويض لم يكن بمستوى يرضي أحداً على مستوى تغطية الخسائر، أضف لذلك أن الحرائق في الحقول، والتي نتجت عن القذائف، لم يعوض عنها، وكذلك حرائق الآليات الزراعية من جرارات أو حصادات لم يعوض عنها أيضاً، بحجة أنه لا يوجد تعويض لمثل هذه الحالات قانوناً.
وعود وبروظة إعلامية
الفلاحون تعددت شكاواهم، كما تعددت الأبواب التي طرقوها دون نتيجة، حيث غالباً ما يتم عرض قضاياهم عبر المنابر الرسمية، للادعاء والبروظة الإعلامية فقط، كما يتم تصدير الوعود، مع الكثير من عبارات التشجيع على الصمود والبقاء في الأرض، دون أن يقدم لهم الشيء العملي الذي ينقذ أرضهم وينقذهم وينقذ معيشتهم المتردية موسماً بعد آخر.
دعم حقيقي وليس مزاودات كلامية
مطالب الفلاحين في منطقة الغاب تتمثل بتأمين مستلزمات الإنتاج، من بذار وسماد ومبيدات ووقود، بالإضافة إلى مياه الري، وغيرها، مع الدعم الحقيقي لأسعار هذه المستلزمات، والالتزام بمواعيد تسليمها بالأوقات المناسبة، من أجل الاستمرار بعملية الإنتاج الزراعي، وعدم هجرة الزراعة وخروج الأراضي الزراعية عن الخدمة، بالإضافة إلى تأمين تصريف الإنتاج الزراعي بسعر مناسب، يحقق ضمناً تكاليف الإنتاج الحقيقية، مع الهامش اللازم من أجل أن يعيش هؤلاء الفلاحين وأسرهم بمستوى معيشي لائق وكريم، بعيداً عن المزاودات الكلامية، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، عن دعم خلبي بتأمين المستلزمات ودعم شبيه بالأسعار.
تحقيق هذه المطالب هو ما يحقق صمود الفلاحين بأرضهم، ويعزز فرص تحسين إنتاجهم بشكل مباشر، وغير ذلك ما هو إلا ذر للرماد في العيون.