ماهر فرج ماهر فرج

أعداد المتشردين في ازدياد مستمر! أهالي القابون يهجّرون للمرة الثالثة.. ومناطق أخرى إلى الإزالة

كانت «قاسيون» قد تطرقت في أعداد سابقة لموضوع المهجرين من مناطقهم في المدن والقرى السورية ولا تزال على عهدها في طرح مشكلاتهم والحديث عن المعاناة التي يعيشونها نتيجة التشرد وخسارة المسكن الذي دمرته أعمال العنف والعنف المضاد والحلول الأمنية المبالغ بها والمتبعة منذ شهور حتى الآن، هذا العنف الذي تتزايد حدته وقسوته يوماً بعد يوم، بتنوع الأسلحة المستخدمة فيه، والتي أتت على منازل عشرات الآلاف من السوريين، ما أجبرهم في معظم المحافظات السورية على إخلاء بيوتهم والمدن والقرى، والنزوح عنها، ليجربوا أقسى أنواع التهجير والتشرد، خصوصاً أولئك الذين لم يجدوا من يؤويهم، ولم يجدوا أمامهم سوى الحدائق العامة والشوارع ليسكنوها، في ظل غياب، أو بأحسن الأحوال شح المساعدات التي إن وجدت فهي «لا تسمن ولا تغني من جوع» ولن تقيهم برد ومطر فصل الشتاء، الذي بات على الأبواب.

إلا أن التهجير وهدم البيوت لم يعد يقتصر على الأسباب الأمنية، ونتيجة القصف بل على ما يبدو باتت سياسة تتبعها الجهات المختصة في المناطق المحسوبة على الحراك الشعبي السلمي المطالب بحقوقه المشروعة، تحت ستار «هدم العشوائيات» وبحجة أن هذه المناطق منذرة منذ مدة طويلة بالإخلاء، وحان أوان تنفيذ الهدم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه فيما لو أخذنا هذه الأوامر بحسن نية، هل الوقت مناسب لإصدار أوامر بإخلاء وتنفيذ أوامر الهدم في مناطق العشوائيات في دمشق وريفها، خصوصاً في هذه الفترة التي يعاني فيها مئات الآلاف من السوريين من التهجير والتشريد على أعتاب فصل الشتاء؟ علماً أن مناطق العشوائيات في مدينة دمشق وريفها، كانت الملاذ الوحيد لمئات الآلاف من المدنيين الذين هجروا من المحافظات السورية الأخرى، وقصدوا دمشق وبعض ريفها بسبب الهدوء النسبي فيها عن غيرها من المحافظات.

 

القابون.. تهجير للمرة الثالثة

• التهجير الأول: تكاد منطقة القابون تكون من أكثر المناطق السورية التي عانى أهلها من التهجير والتشريد قبل الأزمة ومنذ بدايتها لعدة أسباب، كان أولها عند ما استلم أهل القابون أوامر بإخلاء منازلهم منذ عدة أعوام بحجة المصلحة العامة، عند ما بدأت الحكومة بتنفيذ مشروع عقدة الطرق عند «بانوراما حرستا»، هذا المشروع الذي أقيم على أنقاض مئات المنازل في المنطقة حينها، فعدد كبير من أهاليها قد هدمت منازلهم وصودرت أراضيهم بحجة المنفعة العامة دون تعويض، رغم أن عدد من الأهالي كانوا يملكون أوراقاً رسميةً، علماً أن معظمهم من ذوي الدخل المحدود كمعظم سكان العشوائيات.
• التهجير الثاني: ومع بداية الأزمة التي تشهدها سورية، وبعد ما رافقها من تطورات، إلى أن وصلت إلى حد استخدام الأسلحة الثقيلة، استلم أهالي القابون أوامر بإخلاء منازلهم بحجة ملاحقة المسلحين، ليتم تهجير أعداد أخرى من عائلات هذه المنطقة للمرة الثانية من منازلها نهائياً خصوصاً بعد أن دمر العنف المزدوج والثقيل، عدداً كبيراً من منازلهم فيها، لتجد مئات العائلات في هذه المنطقة أنفسها دون مأوى، وبعد عودة الهدوء إلى هذه المنطقة، طبعا بعد أن سويت معظم البيوت بالأرض خصوصاً تلك الملاصقة لـ «كراجات البولمان»، تم التلميح من الجهات الرسمية إلى أن هذه المنطقة «منطقة عشوائيات» هي لو لم تهدم نتيجة الحلول الأمنية كانت ستهدم بأمر إزالة، كتلميح بأن من فقد منزله وممتلكاته لن يتم تعويضه، مع العلم أن خسائر المدنيين لم تقتصر على المنازل بل تعدتها إلى الممتلكات الشخصية كـ «الأثاث، والبضائع التجارية، لمن فقد محاله التجارية» جراء العنف والعنف المضاد والقصف بالأسلحة الثقيلة، ليفقد بذلك أهالي هذه المنطقة كل ما يملكونه، والمتمثل بـ «شقاء العمر كله» فـ معظم أهالي هذه المنطقة ينتمون إلى طبقة ذوي الدخل المحدود، وهم بخسارتهم هذه باتوا من طبقة معدومي الدخل.
• التهجير الثالث: بعد عودة الهدوء النسبي إلى منطقة القابون تسلم من بقي من أهالي هذه المنطقة من الجهة اليمنى لـ«بانوراما حرستا» منذ أقل من شهر وحتى الآن أوامر بأخلاء منازلهم خلال (24) ساعة فقط من جهات الرسمية، بدواعي إزالة «العشوائيات»، لكن من وجهت لهم الأوامر بإخلاء منازلهم، رفضوا تطبيق الأوامر، في بادئ الأمر، قبل أن يأخذ العمال أوامر بهدم المنازل على ساكنيها في حال رفضوا إخلاءها، وبذلك تم هدم المنازل بعد إجبار الأهالي على إخلائها فوق ما فيها من أثاث وممتلكات، ليتم تهجير أعداد أضافية من أهالي هذه المنطقة، بحجة إزالة العشوائيات للمرة الثالثة في هذه المنطقة خلال أقل من أربعة أعوام.

 

عشوائيات أخرى

• منطقة سبينة: منطقة «سبينة» هي الأخرى من المناطق التي تندرج تحت مسمى «عشوائيات» والتي شهدت أعمال عنف وعنف مضاد أتت على عدد كبير من المنازل، وتستكمل أوامر الإزالة وهدم ما لم يهدم جراء العنف المزدوج.
يقول أهالي هذه المنطقة إن الدولة باشرت بهدم وإزالة أنقاض البيوت العشوائية من هذه المنطقة، وتقوم بزراعة الأشجار مكانهاعلى حساب تهجير أعداد إضافية من المدنين، وكأن الوقت مناسب للالتفات للأمور الجمالية في شوارع البلد، هذا البلد الذي باتت معظم مناطقه تعاني من آثار الدمار والخراب، رغم أن هذه المنطقة احتضنت أعداداً كبيرة من المهجرين من المحافظات الأخرى فكل بيت بهذه المنطقة استقبل عائلة أو أكثر وبهدمها سيعود من شرد مسبقاً ممن قصدها  هربا من الموت إلى الهروب، بالإضافة إلى سكانها الأصلين مما سيضاعف عدد المهجريين الذين سيخلون المنطقة.

 

• الحجر الأسود والتضامن: كما أن منازل منطقة «الحجر الأسود » لم تسلم هي الأخرى من أعمال العنف والعنف المضاد، وإضافة إلى ما نالته من دمار، فهذه المنطقة موعودة بإصدار أوامر إزالة، ويقول بعض الأهالي أن أعمال الهدم بدأت بالفعل حيث يتم تفخيخ الأبنية العالية بالمواد المتفجرة بحيث تسقط بشكل عامودي، بدعوى «إزالة العشوائيات» تأكيداً لما سمع على لسان بعض الموالين، عن نية الجهات الرسمية، جعل من يقيم في منطقة «مخيم اليرموك» قادراً على أن يرى مدخل منطقة «سبينة» حيث أن الحجر الأسود يقع بين هذه المنطقتين تماماً، مما يدل على نية عزم السلطات على هدم وإزالة العشوائيات في منطقة الحجر الأسود التي استقبلت هي الأخرى أعداداً ليست بقليلة من المهجريين.
كما أن منطقة التضامن من  المناطق المهددة والتي باشرت الجهات المسؤولة، بتنفيذ أوامر الهدم، بحق المنازل التي لم يأت عليها العنف والعنف المضاد  والقصف، قبل أن يتم نهب محتويات المنازل فيها على يد بعض الفاسدين من رجال الأمن بحسب قول أهالي المنطقة الذين تحدثوا عن ما رأوه بأعينهم، من أعمال نهب للبيوت الخاوية من أهلها.
• برزة البلد: يقول أهالي منطقة برزة البلد إن الدولة باشرت بهدم المنازل والمحال في هذه المنطقة، والتي كانت من أوائل المناطق التي شاركت في الحراك شعبي منذ بدايته، يعتبر الأهالي أن أوامر الإزالة جاءت كنوع من العقاب لا أكثر، وتساءلوا لماذا لم تصدر أوامر لهدم مناطق عشوائية كثيرة أخرى؟ سؤال يجول في ذهن أهالي معظم المناطق العشوائية التي باشرت الجهات الرسمية فيها بأعمال الهدم والإزالة مؤخراً .
فأهالي منطقة برزة البلد، كان لهم تجربة سابقة مع مصادرة أراضيهم دون تعويض منذ أكثر من أربعين عاماً تقريباً، تلك الأراضي الواقعة جنوب برزة البلد والمعروفة حالياً بمساكن برزة، ليفقد أهالي هذه المنطقة،بأعمال الهدم التي تتم حاليا فيها، بيوتهم وأراضيهم للمرة الثانية دون تعويض.
كما أنها من المناطق التي احتضنت أعداداً كبيرة من المهجريين من منطقة الحجر الأسود، والتضامن وحمص وحماة ودير الزور، كغيرها من المناطق العشوائية الأخرى في دمشق وريفها، والتي قصدها المهجرون نظراً لانخفاض تكاليف الأجار والمعيشة فيها، إضافة إلى استقبال كثير من البيوت فيها لعائلات المهجرين كنوع من المساعدة ودون مقابل، فعظم المهجرين من المحافظات الأخرى فقدوا كل ما يملكونه، من أملاك ومتاع عند ما هربوا بأرواحهم وما عليهم من ملابس فقط، هرباً من أعمال العنف والعنف المضاد، وهم بذلك لا يملكون ما يمكنهم من العيش في المدن بسبب غلاء الأجارات والمعيشة فيها.

 
أسئلة مشروعة

أمام هذا الواقع يصبح من المشروع طرح عدد كبير من الأسئلة، يمكن اختصارها بـ: هل إصدار أوامر إزالة المناطق العشوائية في هذا الوقت أمر صائب؟ ولماذا بدأت هذه الأوامر تصدر بهذا الوقت بالذات في المناطق العشوائية المحسوبة على الحراك الشعبي المطالب بحقوقه المشروعة، والتي اعترفت الدولة بمشروعيتها، بينما هناك مناطق عشوائية كثيرة لم يصدر بحقها حتى الآن أوامر بالإزالة؟ والسؤال الأهم؛ هل لحيتان التجارة في سورية أو للشركات الدولية، يد بإصدار مثل هذه القرارات الخاطئة في هذا الوقت بالذات؟. وهل الوقت مناسب لزيادة أعداد المهجرين والمشردين، في وقت باتت فيه  أعداد كبيرة من المدنيين في سورية، يعانون من التشريد والتهجير جراء العنف والعنف المضاد والحلول الأمنية التي تتبعها الدولة؟.
فبمجرد البدء بأعمال هدم هذه المناطق العشوائية بتنا نلاحظ أعداداً كبيرة من المهجرين ويسكنون في الحدائق العامة، بعد أن هجروا للمرة الثانية من المناطق التي لجؤوا إليها هرباُ من أعمال العنف والعنف المضاد الدائر في مناطقهم، فهذه الأوامر ساهمت في تشريد أعداد إضافية من المدنيين كان بالإمكان تفادي تشريدهم، فيما لو تم إيقاف أو تأخير إصدار أوامر إزالة العشوائيات والتي قد تساهم في تخفيف مشاكل من أعداد المهجرين والمشردين في «الحدائق العامة وعلى أرصفة الطرقات»  نتيجة مساهمة هذه المناطق العشوائية باحتضان المهجرين،  أليس من المفترض أن تقوم الدولة بمحاولة تأمين مساكن ولو مؤقتة، لمن دمرت منازلهم نتيجة العنف المزدوج الثقيل، بدل محاولة زيادة أعداد المهجرين، بإصدار مثل هذه الأوامر التي ستساهم في زيادة الهوة بين المواطن والدولة، وتأجيج النفوس، مما سيساهم في ازدياد حدة وتيرة الأزمة، خصوصاً أن أهالي هذه المناطق يعتبرون صدور هذه القرارات بهذا الوقت بالذات كنوع من العقاب؟؟!.

هذه الأسئلة برسم كل من بيده الأمر..