رياضة واستثمار
انتشرت واتسعت وتوسعت المنشآت الرياضية في دمشق، العامة منها والخاصة، من ملاعب وصالات ومسابح وقاعات ومدرجات، حتى شملت التوزيع الجغرافي للعاصمة دمشق بأحيائها، بما يمكنها من استيعاب أبناء هذه الأحياء بفئاتهم العمرية جميعها، لتكون رئة ومتنفساً لهؤلاء، ولممارسة الأنواع المختلفة من الرياضات وألعابها المختلفة.
وقد قابل سكان العاصمة في حينه هذا التوسع والانتشار بالكثير من الارتياح، حيث يمكن لأحلام أبنائهم أن تتحقق بممارسة الرياضة التي يرغبون وتستهويهم بيسر وسهولة، خاصة وقد كانت الرسوم مقبولة ومتماشية مع الإمكانات المعيشية للأهالي.
صالات أفراح وملاهي
ومع فسح المجال أمام دخول الرساميل والاستثمارات إلى المنشآت الرياضية، بدأت تلك الأحلام والطموحات والتفاؤل تخبو شيئاً فشيئاً، حتى اضمحلت وانتهت، وبات المشروع الرياضي مغيباً عن تلك المنشآت، ليحل محله المشاريع الربحية.من المؤسف ما وصلت إليه حال تلك المنشآت والأندية والصروح الرياضية، حيث وبذريعة ضعف المردود المادي وارتفاع التكاليف، وبغاية تغطية النفقات (الماء والكهرباء وأجور المدربين وغيرها، والنفقات الإدارية خصوصاً)، فتح المجال على مصراعيه أمام الاستثمارات في تلك المنشآت، بموافقة ومباركة من الاتحاد الرياضي العام.
تغيرت تسميات بعض المنشآت من قبل الأهالي، (كازينو بردى، مقهى قاسيون، ملاهي الفيحاء، ..)، كما تغير معها مرتادوها ومن تستقطبهم من الشرائح الاجتماعية، بدلاً من الرياضيين والهواة ومشاريعهم، كما أصبح بعضها ما يشبه الملاهي الليلية، بالإضافة إلى تحويل بعضها إلى صالات للأفراح.
«أراكيل وفيشة» تنهي الدور الوظيفي
انتشرت الأراكيل ولعب الشدة وطاولة الزهر والفيشة، والفوضى والازدحام، والصوت المرتفع، وغيرها، في تلك المنشآت، وباتت هي الغالبة على الدور الوظيفي لها، بظل الزحف المبارك للمستثمرين إليها، وبظل التهاون والتساهل، الذي لا يغيب عنه بعض الفساد، من قبل إداريي تلك المنشآت والأندية، حتى باتت الانتخابات أو التعيين للكوادر الإدارية في بعض المنشآت والأندية مرتبط بتلك الاستثمارت والمستثمرين، في بعض الأحيان، وبإشراف الاتحاد الرياضي العام قانوناً.
المنافسة السائدة حالياً في تلك المنشآت، وفيما بينها، باتت على الاستقطاب الأوسع للشرائح الاجتماعية، ذكوراً وإناثاً، لممارسة لعب الورق وشرب الأركيلة، وغيرها من الممارسات الضارة، صحياً واجتماعياً وبيئياً، وبات أهالي العاصمة يتخوفون على أبنائهم من ارتياد تلك المنشآت والأندية، بدلاً من تشجيعهم عليها، خاصة مع ارتفاع الأجور لقاء ممارسة الرياضات في تلك المنشآت والأندية، حيث باتت عبئاً على الأهالي، وخاصة ذوي الدخل المحدود، ومع الظروف الأمنية السائدة زاد التخوف لديهم أكثر، وخاصة على لفئات العمرية الصغيرة من أبنائهم، ما يعني اضمحلال الرياضة وأفقها المستقبلي عملياً.
لمصلحة من؟
أمام هذا الواقع المزري، الذي وصلت إليه حال تلك المنشآت والأندية، يتساءل أهالي العاصمة عن الجدوى من تحويل تلك المنشآت الرياضية إلى مقاهي وملاهي؟، ولمصلحة من يتم الاستمرار بذلك؟، وأين هو دور الاتحاد الرياضي العام أو المحافظة؟، أم أن الفساد والمحسوبية وعائدات الاستثمار باتت أهم من الدور الوظيفي لتلك المنشآت، اعتباراً من الجانب الاجتماعي، إلى الجانب الصحي، مروراً بالجانب التربوي، وليس انتهاءً بموضوع التأهيل الرياضي والمنافسة، والمكانة العامة للرياضة كأحد الأوجه الحضارية للبلاد.
الاستثمار بالرياضة والمصلحة الوطنية
من المستغرب كيف تحول مفهوم الاستثمار في الرياضة، من استثمار في إمكانات الإنسان وتأهيلها وتطويرها من أجل المستقبل، إلى استثمار بالإنسان من أجل الربح السريع، ولو على حساب الكثير من الأمراض الاجتماعية والصحية والنفسية، وغيرها، على أيدي بعض الفاسدين والمستثمرين، ضاربين عرض الحائط بالمفهوم الحقيقي للرياضة والاستثمار فيها.
المصلحة الوطنية تقتضي إعادة الاعتبار للمنشآت والأندية الرياضية، وإعادة الدور الوظيفي للرياضة، والألعاب الرياضية على تنوعها، والاهتمام الجدي بالرياضيين والهواة من الفئات العمرية كافة، والسعي لاستقطاب أكبر عدد ممكن منهم، وخاصة بهذه الظروف التي تعيشها البلاد.