واقع الصحة في السويداء.. بين «المؤامرة» و«إسقاط النظام»!
«عدم وجود المازوت هو تقصير شخصي من القائمين في المركز وستتم محاسبة المقصرين»... هكذا رد مدير صحة السويداء د. نزار مهنَّا معلقاً على الحادثة التي حصلت في مركز ملح الطبي والتي تتلخص ببساطة بأن سيارةإسعاف لم تستجب لحالة إسعافية لعدم توفر المازوت...!
نعم، لم يكن هناك كارثة ولا إزدحام خانق في السير ولا أية حالة قسرية مما قد يتوقعه المرء لمنع سيارة الإسعاف من الاستجابة لنداء الواجب، فقط لم يكن هناك مازوت، والمحطات المجاورة للمركز لم تتوافر فيها المادة أيضاً، فظلتسيَّارة الإسعاف واقفة وظلَّ الواجب ينادي دون مستجيب. بعيداً عن حالة السخرية التي تناقل بها الناس هذه الحادثة إلا أنها تمثل سابقة خطيرة حقاً حيث تصل الأزمة المتعلقة بمادة المازوت لهذا الحد من الجديّة والانتشار هذا منناحية، وأن يصل الإهمال واللامبالاة في التعاطي مع احتياجات وضروريات المواطنين من ناحية أخرى..
هذه الحادثة بشكل أساسي نموذج عمَّا يعانيه قطاع الصحة في المحافظة عموماً، فما أكثر التحقيقات والمقالات التي كتبت عن الفساد والإهمال وتردي الوضع الخدمي والصحي في مستشفى السويداء المركزي، ومستشفى صلخدالزاخر بالمعدات المتطورة والحديثة الكفيلة بتغطية الجزء الأكبر من الحالات الاستثنائية طبياً في المحافظة تقريباً، إلا أن معاناة المستشفى من نقص الطواقم والاختصاصيين لا تزال مستمرة منذ افتتاحه تقريباً.
العديد من البلدات والقرى ليس فيها سوى صيدلية واحدة يملكها خريج متدرب مؤقتاً في القرية، أو عيادة واحدة وكثيراً مارحل الطبيب صاحب العيادة الوحيدة ورحلت معه عيادته دون بديل لوقت ليس بالقليل، تكثر القصص والشكاوىوتتعمق المعاناة وتستمر الأزمة القديمة الجديدة، فارتباط مشاكل القطاع الصحي في السويداء مع أزمة المحروقات التي تعاني منها المحافظة مثلها مثل كل مناطق البلد هو ليس إلا نتيجة طبيعية للإهمال والنسيان اللذين تعانيهما هذهالمحافظة، وما قد يحرق في القلب أكثر أن السلطات التنفيذية وغيرها من الجهات الحكومية ومن قد يعملون أو يتصرفون تحت تأثيرها، كانت طوال الشهور التسعة الماضية منشغلة بشكل رئيسي بالتصدي للـ«مؤامرة» عبر كل أنواعالأخطاء السياسية والوطنية التي من الممكن ارتكابها ابتداءً بالتخوين والقدح والذم لكل ما قد يحسب على «المعارضة» أياً كان خطاب أو مطالب ذاك المعارض، وليس انتهاءً بالملاحقة والتضييق الاجتماعي والأمني وحتى التعرضفي بعض الحالات لتخريب الممتلكات أو الأذى الجسدي...
هكذا ترتبط أزمة المحروقات التي تخترق البلاد منذ بداية فصل الشتاء والحكومة عاجزة تماماً عن معالجتها، ترتبط بالتراكم الطويل لانحدار مستوى الخدمات الصحية وتفشي الفساد والسرقة والهدر في أحد القطاعات العصب فيالمجتمع، ليبقى المواطن يعاني دون أن يسمع أنينه أحد، فلا حكومة ترى في النقد- وإن كان لاذعاً- مصلحة للوطن بل على العكس يتم التعامل مع كل رأي مختلف عن وجهة نظر أجهزة الدولة على أنه خيانة للبلد وتوطيد للـ«مؤامرة»انطلاقاً من مقولة: «إسَّا مش وقتو هالحكي لازم نواجه المؤامرة وبعدين بنحكي بهالمطالب السخيفة»، ولا معارضة تعتبر أن الكرامة والحرية والمطالب الاقتصادية الاجتماعية حلقة واحدة لا تُفصل، وأن تقاسم السلطة السياسية ليسهو ما يحلم به المـــواطن العادي، فتهمل المطالب وتغفل كثير من المعاناة انطلاقاً من مقولة: «إسَّا مش وقتو هالحكي، لازم نسَّقط النظام بالأول وبعدين لاحقين على هالمطالب العادية».
ليس في الأمر مبالغة، لا، فحادثة كهذه وإن كان حلّها ممكناً ببعض المازوت من منزل سائق سيارة الإسعاف.. إلا أنها تحمل مؤشرات لحوامل احتقان طويل ومستمر ينذر بانفجار محتم قد لا تُحمد عقباه!..
«لا علم لي بهذه المشكلة و أؤكد أن المادة متوافرة وأن هناك من يحاول الصيد في الماء العكر ولن نسمح بذلك». هكذا ختم د. مهنَّا تحليله للحادثة!..