الفاكهة المحرّمة

لو أصبح كيلو الموز بليرة واحدة لبقيت متوجّساً منهمعتبراً إياه أنه فاكهة الأغنياءوربما يعود سبب ذلك إلى عجزي التاريخي منذ أيام الطفولة عن شرائه وبالتالي تذوّقهوكلما زرتُ أحد المعارف وكان الموز من بين مواد الضيافةأستثنيه من قائمة رغباتي تلقائياًوأعتبره غير موجودولو اقتصر الأمر على الموز بمفرده لكنتُ بأحسن حالإلا أن توجّسي انسحب أيضاً إلى الحكي في المواضيع التي لا تتجرّأ على التطرق إليها لا صحف النظام ولا صحف المعارضةبسبب حالة القمع التاريخية التي نعاني منها؛ كالحديث عنالجنس والدين والسياسة.. وخاصة الأخيرة منها لاسيّما تلك المواضيع المتعلقة بتسمية المسؤولين الكبار بأسمائهم الصريحةأولئك الذين عاثوا فساداً في البلاد دون محاسبة أو مساءلة..

ومنذ أيام قررنا مجموعة أصدقاء كسر هذه التابواتواتفقنا على أن يبوح كل منا ما يعتمل بداخله من أفكار ورؤىوانخرطنا بسلسلة أحاديث عن الثالوث المحرّم؛ وبدأ نقاشنا حول بنود الدستور التي يتوجب النضال من أجل تعديلها؛ هذا ينتقد المادة (8) منه والتي تنصعلى أن حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمعولا يحق لغيره من القوى السياسية أن تحلم بالوصول إلى الحكم لأن ذلك مخالف للدستور!  وذاك ينتقد المادة (13) من الدستور والتي تؤكد على أن اقتصاد النظام اقتصاد اشتراكي وتصل عقوبة من (يقاومهإلى الإعدام!وعندما أدليت بدلوي – رغم توجّسي الأزلي - وقلت إننا بحاجة إلى تعديل المادة (3) التي تنصّ على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام.. وبرأيي أنه يكفي أن يكون مواطناً سورياًبصرف النظر عن انتمائه القومي أو الديني أو المذهبي أو القبائلي أو العشائري.. فالحاكمالكافر العادل خيرٌ من الحاكم المسلم الجائرعندها ثارت ثائرة الحضور متهمة إياي بأنني لست ديموقراطياً البتةلأن الأغلبية من مجتمعنا تدين بالإسلاموبالتالي من الطبيعي أن يكون الرئيس مسلماًحاولت أن أذكّرهم بأن ما يهمّنا من أيّ حاكم هو مدى توفر الشروطالقيادية لديهومدى ذكائه ومؤهلاته واستعداده للتفاني في سبيل وطنهوأن تاريخنا وتاريخ بقية الشعوب مليء بالأمثلة والنماذج عن شخصيات فذة كان لها شأو في ترك بصمة مجيدة على الحكم أثناء تولّيهم مسؤولياتهم رغم انحدارهم من أقلّيةولا أدلّ على ذلك منشخصية وطنية طالما قدّرناها رغم اختلافنا مع إيديولوجية صاحبها ألا وهو فارس الخوريالذي تولّى رئاسة المجلس النيابي ورئاسة الوزراء لأكثر من مرة في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرمولم يكن مسلماً بل كان مسيحياً بروتستانتياً وكان يتصفبالحكمة والجدارة والثقافة العالية

   ولدى انتقالنا للحديث عن الزواج والجنسورغم توجّسي المرير من الخوض في هذه المواضيع بسبب تشبّعي بثقافة الصمت والخوففقد أبديتُ رأياً مخالفاً للسائد العامخلاصته أنني من أنصار إدراج مادة الجنس في المناهج التعليمية وفي البرامج التلفزيونيةوأننيمن أنصار الزواج المدني الاختياري.. وأنه من غير المعقول أن يكون أحد دعاة الفكر الإسلامي (حسن الترابيأجرأ منا جميعاً عندما طرح رأيه بجواز اقتران المسلمة بمسيحي أو يهودي.. فما كان منهم إلا ونعتوني بالانحلال والانحطاط الخلقيوبأن القوى التي حاربتناتاريخياً لا تقصّر فينا بسبب أفكارنا الهدّامةوأن ضربنا بالصرماية قليلٌ علينا..

   وعندما جاء دور الفساد والسياسةورغم توجّسي الفظيع من الاقتراب من خطوط التماس التي رسمتها الأحكام العرفية منذ أكثر من أربعين عاماً من (التقدّم والاشتراكية), والتي جعلتني مدمناً بل مهووساً بنفخ اللبن بسبب احتراقي من الحليب مرات ومراتفقد تجرّأتُوطالبتُ كافة القنوات الإعلامية بيمينها ويسارها (المرئية والمسموعة والمكتوبةبذكر أسماء الفاسدين الكبار وفصفصة أحوالهم المالية ونبش تاريخهم القديم والحديثكيف كانوا وماذا أصبحوا.. ولا بأس من إنتاج مسلسلات تلفزيونية عن كل مسؤول تفضح مسيرته(النضاليةويفضّل عرضها في شهر رمضان.. فما كان من الحاضرين إلا واتفقوا على رأي واحد موحّد وهو ضرورة بقائي متوجّساً، بل مذعوراًوذلك أفضل وأشرف لي ولعائلتي..