حكومة الوحدة الوطنية.. وقفة متأنية
طرحت بعض رموز المعارضة السورية حلولاً سياسية لإنهاء الأزمة التي ترزح تحتها البلاد منذ سنة إلا قليلاً, وكان من آخر ذاك.. فكرة مفادها تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطياف السورية من أحزاب معارضة وموالية ورموز مستقلة.
ولعل هذه الفكرة كانت حتى وقت قريب مستهجنة من قبل النظام الذي تفرد بالسلطة طيلة عقود خلت, ولم يتخيل في وقته ذاك أن يأتي خصوم سياسيون له فيشاركونه قيادة البلاد.. إلا أن الأزمة الوطنية, والديمقراطية التي بدأت تفرض نفسها بعمق الجراح والدماء السوريةلعبت لعبتها, أضف إليها تأزم الأزمة واحتمالية ذهابها إلى دهاليز قد لا يحمد عقباها, فحدا ذاك ببعض المحللين السلطويين – والذين عادة ما نستقرئ آراء النظام من بين كلماتهم – أن أيدوا، ثم باركوا، ثم دعوا إلى حكومة الوحدة الوطنية, ثم تتالت القراءات السياسية التيأنبأت بقرب تشكيل مثل تلك الحكومة!.
ولعل البعض يرى في تشكيلها – إن حازت ما أريد لها من صلاحيات – بشرى بقرب نهاية الأزمة, وتوزيعاً - لا انتقالاً - للسلطة, قد يساعد في تسريع إحلال الديمقراطية محل نقيضها, وطغيان الحل السياسي على الأمني!.
أما السؤال الذي يطرح نفسه بقوة فيتجلى في مدى قبول الشارع لمثل تلك الحكومة, ومدى قبول أطياف المعارضة المتنوعة للمشاركة فيها, ثم مدى حجم الحقائب التي ستحظى بها المعارضة أو التي قد يقبل النظام التخلي عنها, وقبل كل شيء مدى قدرة هذه الحكومة علىتحقيق مطالب الشارع..
ولاشك أن هذا الأخير هو الأهم, فهل ستستطيع الحكومة المعارضة – التي تعتلي صهوة الكراسي لأول مرة في تاريخها – إيقاف العنف والقتل الجاري كل يوم؟ وهل ستستطيع البت بملف المفقودين والمعتقلين والمبعدين والجرحى والشهداء؟ وهل ستستمد صلاحياتها منالدستور والقانون, أم من السلطة القائمة, أم من الشارع إن آمن بها؟!
هل سيحكمها الدستور القائم وقوانينه أم ستنتظر إقرار الدستور الجديد المأمول, والذي سيمنحها صلاحيات استثنائية باعتبارها حكومة استثنائية في ظرف استثنائي - كما وصفت -؟!
هل ستستطيع المعارضة الخارجية أن تشارك إن رغبت, أم إنها كما قيل عنها ستبقى من صنف المعارضة غير الوطنية, فيما سيوقع خلافات أعمق مما كانت بين صفوفها, أم إنها قد تدعى إلى الداخل مع الضمانات الكافية لتحقيق أمنها؟!
هل فعلاً ستقر حكومة الوحدة الوطنية – إن استطاعت – حرية التظاهر السلمي, وهل سيكون بين أعضائها من قد ينزل إلى الشوارع بدل أن يقبع في المكاتب كسالفيه, وهل سيكونون وزراء خلاقين حقاً أم مجرد موظفين يكتفون بتنفيذ خطط موضوعة؟!
هل سيلقي النظام بأعبائه الاقتصادية على عاتق تلك المعارضة, ثم يلقيها وسط معمعة خلقها بسوء سياسة اقتصادية رسخها من خلال فاسدين سابقين, وهل ستستطيع المعارضة إن قبلت بتلك الورطة انتشالنا مما وصلنا أو قد يصل إليه اقتصادنا في أيام قادمات؟!
وماذا عن محاسبة كل من ضرب وقتل وانتهك؟ فهل تلك معضلة أخرى؟!
تلك تساؤلات بسيطة طرحها بعض أبناء الشارع الساخن البسطاء, في حين أن هناك العديد من التساؤلات القانونية والسياسية والعسكرية التي قد تطرح, كل ذلك تم قبل أن يذكر السيد وزير الخارجية السورية مسمىً جديداً عنوانه: الحكومة الموسعة.. التي قال إنهمسيضمون إليها المستقلين؟؟!! فأعادنا بعد شهور من العمل - وبكلمة واحدة - إلى نقطة الصفر!.
وما بين الحكومة الموسعة بغموضها وبين حكومة الوحدة الوطنية التي حللنا عسير معناها بشق الأنفس بتنا حائرين, فحتى حينه وإلى أن يتم توضيحه سنبقى مترقبين!! ولكن هل سيصبر مَن في الشارع وإخوته أو أبناؤه المعتقلون؟!