أزمة مرور خانقة في مدينة دمشق
يبدو أنه ليس هناك ما يبشر في إمكان معالجة مشكلات النقل الداخلي في المستقبل القريب، هذا الاستنتاج لم يأت من فراغ وإنما يعود إلى قصور الحلول وغياب الإستراتيجية التي من شأنها إعادة النظر بكل منظومة النقل الحالية، فوزارة النقل على مدار أكثر من ربع قرن لم تتمكن سوى من التنقل من حل ترقيعي إلى آخر على الرغم من السيل الهائل للوعود التي كانت وما زالت تبشر في إمكان حضور منظومة متكاملة ومتطورة للنقل الجماعي، هذا ما كانت تبشر به الوزارة وسواها من المرجعيات الحكومية، لكن وللأسف فإن ما ينتظره المواطن العادي من انفراج مازال أشبه بحلم بعيد المنال، لأن أزمة المرور تتفاقم يوماً بعد يوم، بسبب التخبط الذي تعاني منه خطط تسيير الباصات والسرافيس في المدينة، وبقيت الباصات الجديدة تشكل حلاً ترقيعياً وتدور بفلك الإجراءات القاصرة والمتخلفة، وترتكز على اتفاقات بين المستثمرين ووزارة النقل في صفقات من المحسوبيات والمعرفة والوصولية.
شوارع المدينة أساساً غير معدة لتستوعب الأعداد الهائلة من السيارات التي تم طرحها فيها، والحركة في الطرقات شبه واقفة من شدة العرقلة وازدحام السيارات، وبالتالي سيتراكم الركاب على المواقف وينتظرون لساعات، ثم يظهر الباص فيتراكضون فرحين بهذه النعمة ويتدافعون ويتشاجرون.
يضطر الكثيرون من المواطنين أن يقطعوا مسافة قد تصل إلى 20 كم ليصلوا إلى أماكن عملهم ووظائفهم، لذلك يخرج المواطن يومياً من منزله باكراً، واضعاً في حساباته مسلسل الاختناق المروري اليومي الذي لا ينتهي، تلك المسألة باتت تشكل للمواطن هماً وقلقاً يومياً وخاصة بعد التحويلات الغريبة وتغيير مسارات الشوارع واتجاهاتها، فاليوم يشكل غيابُ المعالجة الجدية بالنسبة للنقل العام أول قضايا المشكلة، حيث لا توجد معالجة حقيقية وفاعلة، لاسيما فيما يخصّ جاهزية الطرق، التي يعتبرُ أغلبها غير مجهز بالشكل المناسب، علماً بأنَّ الجهات المعنية تحاولُ تجاوز هذه الأزمة من خلال إيجاد تسوية للوضع في منطقة محددة (شارع أو ساحة). ولكن ما يحصل يثبت العكس حيث يلاحظ أن هذه المنطقة دخلت في أزمة أكبر.
إن الوضع المروري في دمشق يحتاج إلى حلّ جذري، وتضافر كلّ الجهود المعنية، ووضع برامج زمنية لإنهاء المشكلة، مع العلم أنَّ هذه المشاريع تبقى، كالعادة، عقوداً طويلة حتى تنجز بالشكل المطلوب، مع أنَّ الحكومة كانت تقوم بمحاولات لحلّ هذه المشكلة عبر خلق البنية التحتية لبناء الطرق والجسور لاحتواء الزيادة الكبيرة في عدد المركبات، إلا أنَّ هناك نقاطاً ضرورية أهم بكثير، منها غياب الخطط والبرامج الزمنية لإنهاء المشاريع، فما قُرّر إنجازه هذه السنة يمتدّ إلى السنة القادمة، والسنة القادمة إلى السنة التي تليها، والمدينة غير مخدَّمة لتحمل هذا التأخير، ولم تحسب حساب التوسع ولم تضع خططاً لعدة سنوات، فتتفاقم الأزمة في ظل غياب الخدمات والمشاريع الفاعلة، التي من شأنها إيجاد حلّ حقيقي للأزمة المرورية التي أصبحت منظراً شبه عادي في دمشق.
وحتى تجربة الاستثمار في النقل الجماعي التي مضى عليها أكثر من عامين شبه فاشلة لأنها لم تحل أزمة النقل، وما زالت المواقف تغص بالركاب، وما إن يصل الباص حتى تتسابق الجموع المتجمهرة باتجاهه من البابين الأمامي والخلفي ليختلط الصاعد بالنازل، والحابل بالنابل. وهذا مرده لعدم تواتر حركة الباصات بانتظام، بفعل الازدحام المروري، وسعي المستثمر للربح بأي شكل من الأشكال حتى ولو على حساب وقت المواطن والتسبب بالازدحام والاختناقات المرورية.