عزيزي المواطن.. دقيقك التمويني.. «ذهب»..!!
منذ أسبوع تقريباً، بدأ الخبز التمويني بالتحسن «نوعاً ما»، باستعادة جزء من مواصفاته المعتمدة، وذلك في بعض مخابز دمشق، (عامة وخاصة)، ويتأمل المواطن، استمرار هذا التحسن وتعميمه.
كانت هذه النوعيه والمواصفات قد تراجعت، اعتباراً من بداية الشهر الثالث من العام الحالي، بعد توجيه من رئاسة مجلس الوزراء، برفع نسبة استخراج الطحين من80% إلى 95%، وذلك لتوفير15% من مادة الدقيق، لتفي حاجات الاستهلاك لدى المواطنين، من مادة الخبز.
مراسل قاسيون - دمشق
وعلى اعتبار أنه لم يتم إلغاء توجيه الرئاسة المذكور آنفاً، كما أن مدخلات صناعة وإنتاج الرغيف التمويني كافة، (الدقيق – الخميرة – الملح – الماء- الوقود)، التي توزع على المخابز التموينية من قبل الدولة، عبر مؤسساتها وشركاتها، «بالسعر المدعوم»، أيضاً لم تتغير أو تعدل؛ فأين كانت تكمن المشكلة التي أدت الى سوء تصنيع الرغيف خلال الفترة المنصرمة؟ هل هي في الخبرة، التي تراكمت خلال هذه الفترة، للتعامل مع المدخلات (ذات المواصفة الجديدة)، أم لدور الرقابة والمتابعة لعمل الأفران والمخابز التموينية؟
رأي الفنيين
بعض الفنيين أشاروا إلى أن ارتفاع نسبة النخالة في الطحين، نتيجة رفع نسب الاستخلاص إلى درجة عالية، مع تبدل نوعية القمح ونوعية الخميرة، ينتج رغيفاً أسمر اللون، ونسبة الاستخلاص المرتفعة، تجعل من الدقيق سريع التزنخ، لوجود مواد سيلولوزية «النخالة»، وجنين القمح «دهون»، مما يجعل هذا الرغيف، غير مستساغ ومستحب عند الاستهلاك، رغم ارتفاع القيمة الغذائية فيه (الأملاح المعدنية والفيتامينات وزيت جنين القمح).
كما أن تبدل مدخلات صناعة الخبز، (الطحين والخميرة)، لم يعتد خبازونا في القطاعين العام والخاص، على التعامل معها، (وخاصة التخمير)، مما أدى إلى تدني في مواصفة الرغيف المصنع، عما كانت عليه سابقاً، وبالتالي على ما اعتاد عليه المواطن، (تدني في المواصفة وخصائص التخزين).
خسائر وإنهاك
للاقتصاد والعباد
كان وما زال هناك كميات من الخبز تهدر، كما أن جزءاً منه، يتم تجميعه وتخزينه، من أجل تحويله إلى أعلاف للمواشي، نظراً لارتفاع أسعار الأعلاف، وقد كان ذلك تجارة مربحة للكثيرين، خلال سنوات طويلة، ولا زالت، كما أن جزءاً من الدقيق التمويني، يتم تهريبه وتداوله في السوق السوداء، ما يعني خسارة للاقتصاد الوطني، أي جيوبنا، في نهاية المطاف.
على سبيل المثال: إن سعر الكيلوغرام من الخبز اليابس هو /50/ل.س، وسعر الكيلوغرام من مادة النخالة هو /65/ل.س، وسعر كيلوغرام دقيق تمويني، «في السوق السوداء»، يصل إلى /100/ل.س في بعض الأحيان.
نتساءل، ومعنا الكثيرون، من المستفيد عملياً، من تدني صناعة رغيف الخبز التمويني؟ وهل ساهم التوجيه، في رفع نسب الاستخراج، المذكورة آنفاً، ورفع سعر مادة الخبز، في تدني مستويات الهدر أو وقف تهريب مادة الدقيق التمويني؟
خاصة وأن جزءاً من المواطنين، قد حول استهلاكه، خلال هذه الفترة، من الخبز التمويني، إلى السياحي، على الرغم من الفارق السعري الكبير بينهما، اضطراراً.
تصريحات
التصريحات تقول، بأن تعديل نسب الاستخراج للدقيق التمويني، حسب التوجيهات رئاسة الحكومة، ورفع سعر مادة الخبز، ساهمت في ترشيد الاستهلاك لهذه المادة، وبأن هناك زيادة في الرقابة على المخابز، وتداول الدقيق التمويني في الأسواق، والدليل هو عدد الضبوط التموينية المنظمة، بحق الأفران، ومهربي مادة الدقيق التمويني، خلال ثمانية أشهر، منذ مطلع هذا العام، تم ضبط 300 طن من الدقيق التمويني، حسب تصريح لمدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بريف دمشق، وبالنتيجة كان هناك انخفاض بمستويات إنتاج كميات الخبز التمويني، ما يعني التوفير المطلوب من مادة الدقيق، حيث تم تحفيض مخصصات الأفران، من مادة الدقيق التمويني (وما يتبعها من مدخلات الإنتاج)، ولم ينعكس ذلك سلباً على حاجات الاستهلاك، وأن مادة الخبز التمويني، متوفرة وتلبي الاحتياجات.
معلومات
مدخلات إنتاج الخبز التمويني، (الدقيق – الخميرة – الملح – الماء- الوقود)، يتم توزيعها إلى المخابز التموينية، (العامة والخاصة)، عبر مؤسسات الدولة، «بالسعر المدعوم»، حسب الخطة الإنتاجية لكل مخبز كالتالي:
الدقيق
المخابز الآلية مخصصاتها مفتوحة، وطاقتها الإنتاجية عالية.
المخابز الاحتياطية (5.300 طن دقيق تمويني لكل وردية عمل، وتعمل ورديتان).
الأفران الخاصة (تبدأ من 1000 كغ دقيق تمويني، حسب حاجة المنطقة وتعداد السكان المستفيدين من الخدمة).
المازوت
المخابز الآلية والاحتياطية يخصص لها 8.1 ليتر مازوت لكل 100 كغ طحين.
الأفران الخاصة يخصص 11.5 ليتر مازوت لكل 100 كغ طحين تتناقص بحال زيادة كمية الإنتاج.
الخميرة
لكل 100 كغ طحين 600 غ خميرة جافة أو 1.4 كغ خميرة طرية.
الأسعار المدعومة
سعر مادة الدقيق التمويني، للمخابز كلها 18.700 ل.س، لكل 1 طن.
سعر مادة المازوت، للمخابز كافة 7 ل.س، لليتر الواحد.
سعر الخميرة والملح والماء تعتبر قليلة أمام الكتلة السابقة في التكلفة العامة.
الإنتاج
كل 100 كغ دقيق، تنتج 120 كغ خبز، (بحدود 70 ربطة).
حاجة الشخص يومياً، تتراوح بين 350-450 غراماً، من الخبز.
نتنج المخابز العامة، (آلية واحتياطية)، ما يعادل 80%، والمخابز التموينية الخاصة، بحدود 20%، من الحاجات الاستهلاكية للمواطنين من مادة الخبز.
مواصفات
يجب أن لا يقل قطر الرغيف من 23 - 30 سم.
وأن لا يقل عدد الأرغفة في الكلغ الواحد عن /5/.
وأن يكون الخبز مكتمل الاختمار.
وأن يكون الخبز المنتج محتفظاً بمظهرة الطبيعي.
ووزن الربطات المعبأة، والمعدة للبيع، (في المخابز الاحتياطية والخاصة بـ 1550 غ، والمخابز الآلية بـ 1450 غ).
سعر ربطة الخبز موحد، وهو 35 ل.س.
المخالفات
كل خلل بأحد مكونات المواصفات السابقة يعتبر مخالفة.
سوء تصرف بالدقيق التمويني.
عدم وجود لوحة على واجهة الفرن تتضمن ( اسم الفرن – اسم المستثمر – المخصصات اليومية من الدقيق – ساعة بدء الإنتاج- ساعة الانتهاء – سعر الكلغ الواحد للخبز- رقم الشكاوي ).
عدم التقيد بساعة بدء الإنتاج.
عدم وجود سجل للمراقبة الخاص بزيارة الدوريات .
عدم وجود سجل خاص بحركة الدقيق.
نقص في كميات الخبز المباعة .
بيع أو عرض للبيع أية كمية من الدقيق أو العجين.
عدم صنع كامل المخصصات خبزاً أو التوقف عن العمل في حال وجود مخصصات.
استخدام أو حيازة الخبز المنقوع.
التوقف عن العمل أو الإخلال بمواعيد العمل.
كل مخالفة مما سبق، ينظم بموجبها ضبط تمويني، حسب طبيعتها.
دقيق تمويني مهرب .. أم ذهب؟
هذه العبارة، بمفرداتها الحسابية، حسب ما سبق، تعني:
كل 100 كغ (2 كيس فقط)، دقيق تمويني، مهرب إلى السوق السوداء، يباع بـحدود 8000 ل.س بالحد الأدنى، يضاف إليها المخصصات من المازوت، (8 ليتر لكل 100 كغ)، بالسعر الحر بحدود 1200 ل.س، بحال تم بيعه بسعر 150 ل.س لليتر فقط، أي بالمجموع 9200 ل.س، مع استثناء (الخميرة والماء والكهرباء والصيانة وساعات العمل)، التي تدخل جميعها بالعملية الإنتاجية كتكلفة.
ولدى التوقف عند التصريح والإعلان عن ضبط كميات، من الدقيق التمويني المهرب، تصل إلى عشرات الأطنان، هنا وهناك يومياً وشهرياً، وعدم توقف عمليات التهريب تلك، على الرغم من كل التصريحات التي تؤكد التشدد بعمليات الرقابة والمتابعة، وعلى الرغم من تغيير مواصفة الدقيق وتخفيض الكميات المخصصة، يتضح بأن هناك (على ما يبدو) شبكة كاملة، مستفيدة من عملية التهريب هذه، وذلك لريعيتها المرتفعة، (1 طن دقيق تمويني مهرب يعني بالحساب بحدود 80.000 ل.س بالحد الأدنى).
وبالعودة إلى التصريح، حول ضبط 300 طن دقيق تمويني مهرب، خلال ثمانية أشهر في ريف دمشق، مع تقديرنا للجهود التي بذلت، فإن ذلك يعني ما يعادل 37 طن شهرياً، بقيمة تقدر بـ 3 مليون ليرة سورية فقط لا غير، حسب ما سبق، علماً أن الصياغ، والمتعاملين بالذهب، لا يجنون مثل هذا العائد الشهري، ونتساءل عن الكميات الفعلية التي هربت ولم تضبط، ونكاد نتأكد، من وجود تلك الشبكة المترابطة والمتراصة، بانتظار من يكتشفها، ويرفع الغطاء عنها، لمحاسبتها وتقديمها للعدالة.
علماً أن مادة الدقيق التمويني، تنحصر شبكة التعامل الرسمية بها بـ (الشركة العامة للمطاحن – المخابز التموينية العامة والخاصة المرخصة لهذه الغاية – وسائط النقل المتعاقد معها لهذه الغاية).
إضافة إلى أن عملية تنظيم ضبط، بالدقيق التمويني المهرب، تنتهي بالتغريم بالقيمة الرائجة بالسوق، للكمية المضبوطة، التي تحجز، وتسلم إلى الشركة العامة للمطاحن، حيث تعيد توزيعها من جديد، وهكذا دواليك، ولم تصل المتابعات، «بحال وجودها»، إلى تلك الشبكة الغامضة، المستفيدة، فساداً وسرقة، من تهريب الدقيق المدعوم، الذي ندفع قيمته من جيوبنا، عملياً، بمئات الملايين من الليرات.
أخيراً
لم نزل، نعاني ما نعانيه، (من سوء بنوعية الخبز، وتلاعب بوزنه ومواصفاته، وازدحام مصطنع أمام الأفران، و..)، ولم تزل شبكات تهريب الدقيق التمويني المدعوم، تعمل ليلاً نهاراً، دون كلل وملل، ولم يزل اقتصادنا، المنهك، عرضة للنهب والفساد، ولم نزل نتابع التصريحات المطمئنة، ونتغنى بها.