(الانضباط فوق كل الاعتبارات)..!
رغم تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك في مستوى أمان المواطن السوري، يبدو أن عدداً من مديري المدارس السورية، لا سيما في دمشق، لا يزال منطقه واقفاً على ما قبل الأزمة السورية، وبشكلٍ خاص في التفصيلات الشكلية والثانوية..!
يبدو المشهد مضحكاً وباعثاً للسخط في آن واحد: عشرات الطلاب الشباب من مدرسة «جودت الهاشمي» متجمعين أمام المدرسة، وممنوعين من الدخول إليها، لأنهم ارتكبوا ما يعدُّ خطاً أحمراً في قناعة إدارة المدرسة: التأخير لدقائق قليلة عن الدوام الرسمي.
«شو منعمل؟»
رغم غيظهم حيناً، وتندرهم على قرارات الإدارة أحياناً، يشرح الطلاب مأساتهم مع هذا النوع من القرارات الجائرة. من ازدحام المواصلات، وندرة وسائل النقل في بعض المناطق السكنية، إلى الانتظار الطويل على الحواجز، وصولاً إلى الارتباكات التي تسببها الحوادث الأمنية التي تشهدها مدينة دمشق بشكلٍ شبه يومي جراء سقوط قذائف الهاون، والصواريخ محلية الصنع، وغيرها. كل تلك العوامل لم تثنِ إدارات بعض المدارس عن الالتزام غير الموضوعي بالقواعد التي كانت سائدة ما قبل الأزمة.
تجد من بين هؤلاء الطلاب من يسهب في شرح الموقف: «تتهم إدارتنا جميع الطلاب المتأخرين بأنهم كانوا يلاحقون الإناث أمام مدارسهن. لنفترض أن هذا الكلام صحيح لدى بعض الطلاب، فما ذنب الأغلبية، مثلي، التي تسكن في مناطق بعيدة؟»، أما لماذا اختارت أسرة الطلاب تسجيله في مدرسة بعيدة، يقول الطالب ذاته: «سمعة المدرسة جيدة، وأنا من المتفوقين فيها، ورغم ذلك تجري معاملتي كما لو كنت «أزعراً»».
حلول أخرى
ألا يوجد حلول أخرى أمام إدارات المدارس غير تجميع الطلاب ومنعهم من الدخول؟ يستفيض الطلاب، ممن قابلتهم «قاسيون»، بالحلول التي يرون أنها منطقية لتلافي الخلط بين المذنب وبين من ليس بيده حيلة. يتساءل الشاب ع.د، وهو أحد طلاب مدرسة «دمشق الوطنية» في شارع النصر: «لماذا لا يقوم الموجهون بتدوين قائمة بأسماء الطلاب القاطنين في أماكن بعيدة؟ أليس ذلك منطقياً كيلا أخسر اليوم الدراسي كاملاً فقط لأني تأخرت في طريقي إلى المدرسة؟»، ويضيف الشاب ذاته: «أنا من سكان شارع نسرين، ومنطقتنا تعتبر منطقة توتر نظراً لمتاخمتها حي التضامن، استيقظ قبل دوام المدرسة بوقتٍ طويل، ورغم ذلك أتأخر أحياناً لدقائق معدودة، إلا أن باب المدرسة غالباً ما يكون مقفلاً في وجه المتأخرين، فأخسر الدوام كاملاً».
لا يخفي الطلاب انزعاجهم من الازدواجية لدى بعض الإدارات في التعاطي مع منطق الانضباط، فكثير من الاحتياجات الطبيعية يفقدها هؤلاء في مدارسهم، التي يعوز بعضها العدد الكافي من صنابير المياه، والمراحيض، والمدافئ، وحتى زجاج النوافذ..!
إلى ذلك، لا يبدو المنطق بترك الطلاب خارج المدارس، مهما كانت الأسباب، منطقاً سليماً، فإذا كان المطلوب هو «تربية الطالب» فذلك لن يجري حكماً عن طريق حرمانه من حصتين أو ثلاث أو يومٍ دراسي كامل لأنه تأخر عن الحصة الأولى عشرة دقائق..!