حلب..الإرهاب مستمر.. والفساد أيضاً!
إذا كانت الأعمال المسلحة قد شملت معظم الأراضي السورية فقد نالت محافظة حلب قسطاً كبيراً من هذه الأعمال، ومحافظة حلب التي تعد الأولى سكانياً وصناعياً وزراعياً كأنها قد تركت بل قد أهملت من أكثر من جهة حكومية مركزية أو محلية ولم تكن هناك في معظم الحالات أية رؤية أو خطة رسمية لحمايتها بل تركت لمقاديرها وكل الوقائع تؤكد ذلك:
مراسل قاسيون
سرقت ودمرت معظم معاملها ومنشآتها الاقتصادية والخدمية من قبل المتشددين واللصوص وقوى الفساد من طرفي النزاع في الأزمة السورية، كما خسرت معظم مناطقها وأحيائها بما فيها المدينة القديمة التي تعد كنزاً من التراث العالمي، وقذائف المسلحين مستمرة في ضرب الأحياء التي تقع تحت سيطرة الدولة، والتي راح ضحيتها حتى الآن الآلاف من القتلى والجرحى، وأيضا ضرب القوات النظامية للأحياء التي تقع تحت سيطرة المسلحين، وشبه خالية من السكان.
المياه مشكلة قاتلة
ان المدينة بشقيها باتت تعاني من أزمات تهدد وجودها فانقطاع الكهرباء الذي يشكل العصب الأساسي لضخ المياه قد يصل في بعض الحالات لعدة أشهر مما يترك أثراً قاتلاً على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، أما عن واقع المياه فهي المشكلة القاتلة لأهالي حلب، فبعد أن كانت تأتي متقطعة كل عشرة أيام إلى خمسة عشر يوماً، باتت حلب بدون مياه من الشبكة الرئيسية منذ أكثر من شهرين ويستعيض الحلبيون عنها بمياه الصهاريج والخزانات والآبار فترى الرجال والنساء والأطفال يتراكضون من مكان لآخر يحملون بعض الأواني علّهم يجدون صهريجاً أو منهل ماء يعبئون منه أوانيهم غير سائلين إن كانت هذه المياه صالحة للشرب أم لا، حيث وصل سعرالخزان سعة ألف لتر إلى أكثر من أربعة الاف ليرة ورغم ذلك غير متوفر ولا يعرف مصدر المياه
حال الطرق
إن التواصل بين طرفي المدينة منذ بدء الأزمة كان يتم بسهولة رغم وجود المسلحين في الريف وبعض أحياء المدينة، وكان يؤكد على وجود الدولة وهيبتها ودورها في تلك المناطق من خلال رعايتها للتعليم والصحه والكهرباء وسائر الخدمات الأخرى ومع تأزم الوضع الأمني أغلقت معظم طرق التواصل ولم يبق سوى معبر بستان القصر، ورغم الابتزاز ومخاطر العبور إلا أنه كان يؤمن الحد الأدنى والسريع نسبياً للتواصل بين طرفي المدينة وريفها ومع الأيام الأولى من عام 2014 أغلق هذا المعبر بذرائع واهية فباتت المدينة شبه مقسمة بين طرفين وأصبح بعض المسؤولين في حلب يعتبرون القاطنين بالطرف الثاني من المدينة كلهم إرهابيين والتفكير بهذا الشكل كان الطامة الكبرى على مدينة حلب سياسياً واقتصادياً واجتماعياٍ حيث بات على المواطن الذي يبعد بيته أمتاراً قليلة عن خطوط التماس بين طرفي المدينة، أن يقطع مئات الكيلومترات ويدفع آلاف الليرات ليصل الى أحد طرفي المدينة ناهيك عن تعرضه للإهانات والابتزاز والسرقة وأحيانا الخطف من قبل البعض في هذا الطرف أو ذاك، وهذا ينطبق على الطلاب والمرضى والموظفين وسائر المواطنين، ومما يزيد من حالة القهر والمعاناة صدور قرارات بالفصل أو إيقاف الرواتب للعاملين المتواجدين بمناطق سيطرة المسلحين،
وضع كارثي .. ووقاحة
إن هذا الوضع الكارثي لم يعد يحتمل سواء تنقل الناس أو نقل البضائع حيث تدفع عشرات الألوف من الليرات لقاء مرور شاحنة أو واسطة نقل الركاب، وخاصة على طريق خناصر - السعن، والأخطر من ذلك أنه بدأت تتكرس حال انقسام المدينة إلى طرفين وتشير المعلومات أن البعض بدأ يطرح بكل وقاحة التخلي عن العملة الوطنية والاستعاضة عنها بالعملة التركية.
تخفيف الأزمات ..ممكن!
إن ترك الأمور على حالها دون معالجة جدية قد يفتح المجال لوضع أسوأ وهنا نرى أنه يجب إعادة فتح أقرب الطرق والمعابر للتواصل بين طرفي المدينة وريفها، وذلك بفتح عدة معابر مثلا معبر جسر الحج ـ معبر بستان القصرـ معبر الأشرفية وفتح طريق للريف من خلال طريق دوار الموت ولتذليل العوائق التي قد تحول دون ذلك يمكن الاستعانة بمنظمات الهلال والصليب الأحمر.
هذه الإجراءات يمكن تحقيقها إذا تم أخذ مصلحة المدينة بالدرجة الأولى، ولمنع تكريس انقسامها والاتجاه والتأسيس لاستعادة دور الدولة السياسي الاقتصادي الاجتماعي على كامل إن المحافظة، أن الوضع الذي تعيشه مدينة حلب بطرفيها وعلى الصعيد الاقتصادي والأمني والخدمي ترك آثاره النفسية والاقتصادية والاجتماعية على الناس وأدى ويؤدي إلى استمرار الهجرة الواسعة عن المحافظة، وخاصة
من فئة الشباب وأصحاب الكفاءات التي نحن بأمس الحاجة لها في المرحلة القادمة, والتي باتت تستفيد منها الدول التي تتآمر علينا.
لاشك أن حل أزمة حلب على كل الصعد مرتبط بحل الأزمة الوطنية من خلال الذهاب إلى الحل السياسي وإيقاف الكارثة الإنسانية التي تتعرض لها البلاد.
ولكن بعض الإجراءات الفعالة التي يمكن أن يقوم بها المسؤولون الحكوميون والمحليون يمكن أن تخفف إلى حد كبير من معاناة الأهالي، وهذا يتطلب نظرة استشرافية تأخذ الاحتمالات الممكنة للأزمات بعين الاعتبار، والتحضير لللحظة التي سيحصل فيها اختناق أو استعصاء على أي صعيد كان، فعلى سبيل المثال، إذا كان انقطاع المياه عن المدينة وعودته مرتبطة بأيدي المسلحين منذ عدة سنوات فالأمر يتطلب إما إستعادة ذلك الموقع بالطرق العسكرية، وإما أن يتم التفاوض قبل أن تحدث الكارثة كما هي الآن، وهذا مثال يندرج على المسائل الأخرى من الكهرباء والطرق وغيرها.
إن بعض الإجراءات الفعالة والسريعة والجدية إذا تم القيام بها تزيد من قدرة الدولة وهيبتها على طرفي المدينة وتؤكد حرصها على وحدتها حيث يعمل البعض على تكريس انقسامها بدافع النهب، لأن الوقائع كلها تشير أن هناك أوساطاً مستفيدة من استمرار هذه الأزمة التي تعيشها المدينة، ولا تريد البحث عن حلول جذرية لتخفيف معاناتها غير آخذة بالاعتبار مدى قدرة الناس على تحمل هذه المعاناة التي لم تعد الجبال قادرة على تحملها، وكما يشير العديد من المتابعين فإن العديد من الأزمات التي تعصف بحلب، يمكن التخفيف منها، وتخفيف وطأتها على المواطن، وذلك ليس حقاً طبيعياً للمواطنين السوريين هناك، بل هو أيضاً واجب وطني، في ظل المحاولات التركية اليائسة، لإعلان ما يسمى المناطق الآمنة، ناهيك عن أن تخفيف تأثير هذه الأزمات على المواطنين يتوافق مع تضحيات الجيش العربي السوري، ودفاعه عن المدينة، و في هذا السياق كانت مجموعة قوى سياسية وشعبية ناقشت الوضع في حلب على الصعد كافة، و توصلت إلى صياغة مذكرة تتضمن معاناة المدينة وريفها، مع وضع الحلول للتخفيف من هذه المعاناة، وطلب الموقعون عليها اللقاء مع محافظ حلب لمناقشتها ومساعدته فيما يمكن تحقيقه منها، إلا أن السيد المحافظ ماطل وماطل، ولم يتم اللقاء مع تلك القوى حتى تاريخه.