حلب.. نفايات متراكمة كأزماتها
تراكمت الأزمات في مدينة حلب حتى غدت كنفاياتها المنتشرة على الطرقات وفي الأزقة ولم تجد من يكنسها، فكتمت أنفاس المواطن ولوثت هواءه الذي بات الشيء الوحيد المجاني في المدينة الذي لا يدفع ثمنه ولم يستثمر من قبل تجار الأزمة، مما رفع منسوب التلوث لمستوى خطير بحسب التصنيف العالمي.
معاناة جمعت شطري المدينة في كارثة واحدة وخطر واحد يهدد سلامة المواطنين بأمراض وأوبئة نتيجة تراكم النفايات الصلبة والعضوية، وتقاعس مسؤولي المدينة أيضاً في التعاطي معها كما في حلب الغربية، أو عدم وجود جهات مختصة تسهم في معالجة الوضع كما في حلب الشرقية.
فالاكتظاظ السكاني في الشطر الغربي للمدينة أدى لازدياد إنتاج النفايات، فتراكمت بشكل مقزز وغدت مرتعاً للحشرات والقوارض وينتج منها انبعاثات لروائح كريهة.
في الوقت الذي لا تجد فيه أي عمل على الأرض من قبل دائرة النظافة في مجلس المدينة لتوجيه عمالها لترحيل النفايات أو معالجتها، إلا حين تكون هناك زيارة لوفد حكومي مثلاً، فترى ثلاث سيارات لترحيل النفايات في الشارع الواحد تعمل، وربما على خط سير «معالي الضيف» فقط في الوقت الذي تهمل فيه باقي الشوارع والأزقة ويترك المواطن لمصيره عرضة للأمراض والأوبئة، ويترافق ذلك مع أزمة شح مياه الشرب النظيفة مما يزيد الطين بلة.
أما في شطرها الشرقي فاشتداد أعمال العنف ومظاهر العسكرة أدت إلى اتساع منطقة الدمار والضحايا والجثث إضافة إلى تراكم النفايات وعدم وجود إمكانات مادية لترحيلها ونقلها أو تهيئة مكبات ملائمة لها.
اجتماع كل ذلك جعل الكارثة البيئية أكبر وأخطر فأسهمت في انتشار الأوبئة والأمراض بشكل كبير، في وقت اقتصرت فيه الخدمات الطبية على معالجة آثار التلوث في الحد الأدنى، أو الوقائي منها على الأكثر، والذي يبدو عاجزاً في كثير من الأحيان أمام عدم وجود حلول لعلاج الأسباب من جذورها بسبب الواقع الأمني في المدينة.
حلول بدائية
ما بين غياب المتابعة والتقاعس ذهب المواطنون باتجاه الطرق البدائية لمعالجة النفايات، إما بالحرق أو بدفنها في الأرض، ما أدى إلى ازدياد التلوث بالجو وزاد من كارثية الوضع ارتفاع الانبعاثات السامة والمسرطنة، وخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف وموجت الحر الأخيرة، ما حولها إلى بيئة خصبة للطفيليات المتفسخة وساهم في انتشارها، إضافة للانبعاثات الضارة والروائح الناتجة عن عملية التخمر، والتي يؤدي تسربها في التربة والمياه الجوفية إلى أضرار لا يمكن معالجتها في المستقبل، لارتفاع مؤشرات التلوث العضوي والجرثومي بالمياه، وبدليل انتشار الأمراض المرتبطة بتلوث المياه.
ما يضع مجلس محافظة حلب أمام المسائلة حول واقع النفايات في المدينة والحلول الآنية والتقاعس في كثير من الأحيان، التي يجري التعاطي معها كباقي أزمات المدينة، من جهة أخرى يفرض التنبه للواقع الإنساني في المناطق الواقعة تحت سيطرة العناصر المتشددة والتي حوصرت بعدة جبهات استنزفت المواطنين فيها وزادت أعباء الحرب وخيارات الموت.