جسر جوي حكومي متأخر إلى الحسكة
يأمل سكان محافظة الحسكة والنازحين إليها من المحافظات الساخنة، أن تساهم مبادرة وزارة النقل المتأخرة، بتخصيص طائرتي شحن لنقل احتياجات المحافظة الشاسعة من دمشق واللاذقية، إلى مدينة القامشلي، في تخفيف ولو جزء من مشكلات الحياة التي خلفتها الأزمة السورية خلال سنواتها الأربعة.
وأعلنت وزارة النقل يوم الثلاثاء الماضي، عن تأمين مؤسسة الطيران العربية السورية، طائرتي شحن من طراز (اليوشن 18 و 76)، بحمولة (20) و (40) طن على التوالي، لنقل احتياجات وزارات الدولة والجهات العامة من مطاري دمشق واللاذقية إلى مطار القامشلي، وبالعكس وحسب الطلب.
ورغم أنها خطوة متأخرة، تسببت في تفاقم كثير من المشاكل التي يواجهها السكان، لاسيما تعطل كثير من عمل مؤسسات القطاع العام، وموجة غلاء الأسعار الجنونية، والتي بدأت جميعها بعد انقطاع الطرقات البرية التي تربط الحسكة بالداخل السوري قبل أكثر من عامين، فإن الاستفادة من مبادرة وزارة النقل بالشكل الأمثل قد يغير الصورة البائسة لحياة المواطن في المحافظة.
بديل مناسب
تعتمد الحسكة منذ ما يقارب العامين، بشكل أساسي على التجار في تأمين احتياجاتها الغذائية والدوائية والألبسة وغيرها من المستلزمات، في ظل غياب شبه كامل للقطاع العام الذي يتخذ من خطورة النقل البري مبرراً لتقاعسه الذي ألحقه بغياب كلي للرقابة على الأسواق، لتصل أسعار المنتجات الغذائية والدوائية إلى مستوى لا تستوعبه حقيقة أن الحسكة خاضعة لسيطرة الدولة في أغلب مناطقها.
وبلغة الأرقام، فإن حمولة الطائرتين توازي حمولة شاحنتين كبيرتين، ما يعني أن رحلتين يومياً بين دمشق والقامشلي أو اللاذقية والقامشلي، تستطيعان أن تؤمنان كامل احتياجات المحافظة الأساسية، لا سيما حليب الأطفال، والأدوية، إضافة لقسم جيد من مختلف المواد الأخرى التي قد تجبر التجار على تخفيض أسعار بضائعهم.
ويقول عدد من سكان القامشلي الذين التقتهم «قاسيون»، إن حليب الأطفال والمستلزمات الطبية وعلى رأسها الأدوية، يجب أن يتم حل مشكلة فقدانها أو ارتفاع أسعارها بشكل نهائي من خلال الاعتماد على النقل الجوي الحكومي، وعدم ترك صحة المواطن تحت رحمة التجار الذين أوصلوا أسعار الحليب لمستويات غير معقولة بحجج مصاريف الشحن.
مؤشرات مقلقة
لم تعلن لحد الآن أي جهة حكومية في المحافظة، نيتها الاستفادة من خدمات الشحن الجوي، وهو أمر مقلق من ناحية تعامل المسؤولين في المحافظة مع بارقة الأمل الجديدة بشكل روتيني يفسد الجدوى الكبيرة التي يمكن أن يستفيد منها أبناء المحافظة، وقد يصل الأمر إلى حد استخدام النقل الجوي لنقل بريد المؤسسات الحكومية أو احتياجاتها من الورق والقرطاسية فقط.
وتحتم الظروف التي تعيشها البلاد، التعامل بعقلية جديدة، تتجاوز الروتين، وتنطلق من المبادرات الجريئة لتأمين احتياجات المحافظة الرئيسية، كأن يتم تنظيم عملية النقل الجوي بين المؤسسات الحكومية عبر لجنة حكومية خاصة بهذا الغرض، تقوم بتأمين حاجات المؤسسات وفق أولية معينة بعد أن تبادر تلك المؤسسات بتحديد احتياجاتها الآنية وبعيدة المدى.
وكمثال على ذلك، يمكن من الآن البدء بتأمين حاجة المحافظة من الكتب المدرسية للعام القادم، بدل الانتظار إلى بدء العام الدراسي المقبل، ليعيش طلاب المدارس معاناة العام الحالي التي لم تحل لحد الآن.
والأمر نفسه ينطبق على حليب الأطفال، وغيره من المواد الأساسية التي تتحملها الطاقة القصوى لطائرتي الشحن، بما يسهم في نجاح التجربة وتوسعتها في المستقبل عبر إضافة طائرات أخرى تشكل جسراً جوياً حكومياً لإنقاذ محافظة طالما عانت من التهميش والإهمال.