السكن الجامعي لم يعد جامعياً.. الغرف تغص بالطلاب.. وطوابق مخصّصة لغيرهم

السكن الجامعي لم يعد جامعياً.. الغرف تغص بالطلاب.. وطوابق مخصّصة لغيرهم

في الوقت الذي تزداد فيه أعداد الطلبة المسجّلين في السكن الجامعي بدمشق، أفادت مصادر طلابية لـ«قاسيون» بأن طوابق في بعض الوحدات في منطقتي المزّة والطبّالة خُصّصت لمتطوعي «كتائب البعث» وطلاب من الجامعات الخاصة!

استقرت حال السكن الجامعي بدمشق في وقت متأخر من العام الدراسي الحالي، حيث صدرت لوائح القبول في السكن قبل امتحانات الفصل الأول- التي بدأت في الأسبوع الحالي- بحوالي شهر فقط، وفُرزت بموجبها أعداداً غير منطقية من الطلاب في كل غرفة من السكن الجامعي، تراوحت ما بين 8- 16 طالباً في الغرفة. وبالتوازي جرى تخصيص طوابق في بعض الوحدات لمتطوعي «كتائب البعث» وأخرى لطلاب الجامعات الخاصة، بحسب مصادر لـ«قاسيون»، في خطوة غير مفهومة من جانب إدارة السكن الجامعي، تمثل اعتداءً صريحاً على مكتسبات الطلبة وحقهم في السكن الذي تضمنه التشريعات والقوانين..

اكتظاظ.. غير منطقي

وصل عدد الطلاب المسجّلين في كل غرفة من السكن الجامعي إلى 16 طالباً، أو 12 طالباً، أو 8، في سكني المزّة والطبّالة الجامعيين. فبحسب الطلبة الذين التقتهم «قاسيون»، فإن الغرفة التي لا تتجاوز مساحتها الـ6 أمتار مربعة، التي ليس فيها إلا 3 أسرّة، وما يعادلها من أغطية ووسائد، عليها أن تستوعب هذا العدد الكبير. ولكن في الواقع العملي فإن نصف الأعداد المذكورة وسطياً، امتنعت مجبرةً عن الإقامة في الغرفة، وذهبت إلى خيارات أخرى، كالاستئجار الجماعي للبيوت، أو الإقامة عند المعارف والأقرباء. يقول س. دويران، طالب في الهندسة المدنية، لـ«قاسيون»: «عملياً، فإن هذه الطريقة التي تعاملت بها معنا إدارة السكن الجامعي، تعني رفضاً غير معلناً لطلبنا في الإقامة في السكن؛ فماذا يعني أن يطرح أحدهم عليك مثل هذا الخيار! هو يقول لك ببساطة: جد مكاناً آخر لتسكن فيه...!». ويضيف: «أنا اليوم مضطر لاستئجار بيت مع 6 زملاء، يدفع كل منّا في الشهر الواحد 10 آلاف ليرة. وفي الواقع نحن لا نقوى على تحمل هذه النفقات، لكنّا مضطرون لذلك في الوقت الحالي على أمل إيجاد خيارات أخرى».

استثناءات أخرى...

لكنها «مدعومة»

في مشهد يبدو بعيداً عن الأزمات التي تعصف في البلاد بكل أشكالها، توجد «ممالك» خاصة لبعض «المدعومين» في السكن الجامعي: غرف كثيرة مليئة بالأسرة والأغطية ومستلزمات الإقامة لأشخاص مقرّبون من موظفين في السكن، أو أقارب لمسؤولين. يشرح أحد الطلاب لـ«قاسيون»: «هؤلاء عادة يتولون مهمة المشرفين على الطوابق (مهمة إدارة شؤون الطابق داخل الوحدة السكنية). لديهم صلاحيات مطلقة بالتحكم في حياة الطلاب. يفترض بهم أن يمنعوا المخالفات، كمنع الاستجرار الزائد للكهرباء، لكنهم يمارسونها أكثر من غيرهم». في المقابل فإن أعداداً غفيرة من الطلبة القادمون من جامعتي حلب والفرات، إضافة إلى الكلّيات في المناطق المتوترة، «لا يُقّبلون في السكن الجامعي في دمشق تحت ذرائع بيروقراطية وإدارية كثيرة»!.

بلا تدفئة وماء

تغدو الحياة مستحيلة بين محض جدران، بلا ماء وتدفئة. هذا الأمر كثيراً ما يحدث في المدينة الجامعة في دمشق، بقسميها في المزة والطبالة، يقضي الطلبة أياماً بلا ماء، ومع غياب كلي للتدفئة. يقول أسامة، طالب مقيم المدينة الجامعية في الطبالة لـ«قاسيون»: «لا نتمكن أحياناً من الدوام إلى الجامعة في الأيام التي تلي انقطاع الماء؛ الطلبة بحاجة للاستحمام ولباس نظيف حتى يكون بمقدورهم الذهاب إلى الجامعة وملاقاة زملاؤهم...». ولا يرى الطلبة في السكن الجامعي أنفسهم فوق الأزمات الكثيرة التي تعيشها الأحياء الدمشقية، والتي يحمل بعضها طابعاً موضوعياً، لكنهم وفي الوقت نفسهم يجدون أن إدارة المدينة الجامعية، بكل مستوياتها، لا تمارس الدور المطلوب منها لمعالجة تلك الأزمات، يضيف أسامة: «نحن في النهاية شريحة محددة، نسمّى طَلبة، ندفع رسوماً ومن المفترض أن يكون لنا أطراً وتنظيماً محدداً يسمح لنا بالتخفيف من الأزمات التي تواجهنا. على هذا الأساس كان يمكن للمسؤولون عنا أن يسألونا رأينا في كيفية حل هذه المشكلات، ونحن جاهزون لحلها... ولكن، لا حياة لمن تنادي».

الصرف الصحي.. مشكلة مزمنة

من الأشياء اللافتة في المدينة الجامعية، أنه، ومنذ سنوات، لا تزال مشكلة الصرف الصحي بلا حل؛ في الحمّامات وفي بعض الغرف في وحدات المدينة ترشح مياه الصرف الصحي من الأسقف، ومن الأنابيب البارزة إلى الخارج في المنتفعات، وينزل منها الماء الملوث على رؤوس المارين من تحتها. بعض الطلاب لجؤوا إلى حلول مؤقتة، كوضع ألواح خشبية أو بلاستيكية تحت الأنابيب لمنع تساقطها نحو الأسفل، هذه الحلول «المؤقتة» عمرها سنوات في بعض الأحيان، يقول سليمان العلي، الطالب في كلية الطب، لـ«قاسيون»: «على سبيل المزاح، يصف الطلاب هذه الظاهرة «بالشلّالات»، ويعتبرونها إحدى معالم السكن الجامعي، لأنها لم تجد طريقها إلى الإصلاح أو المعالجة منذ سنوات بنحو غير مفهوم...!». ويتحدث سليمان عن الضرر الذي تحمله هذه المشكلة على الطلاب: «تكثر الأمراض الجلدية والتناسلية التي تنتشر بالعدوى بسبب هذه المشكلة، فبالرغم من حلول الطلاب ومحاولاتهم وقاية أنفسهم، يبقى خطر المرض ماثلاً، ذلك أن عشرات الطلاب يستخدمون الحمامات ذاتها كل يوم».

90 مليون ليرة رسوم نظامية.. وأخرى غير نظامية!

بحسب تصريحات لإدارة المدينة الجامعية في دمشق في عام 2013، فقد بلغ عدد قاطني المدينة الجامعية في دمشق في 25 ألف طالب وطالبة، بينما قدرتها الاستيعابية 12500 طالب. يدفع كل من الطلاب القاطنين في المدينة الجامعية رسوماً تقدر بـ 3600 ل.س وسطياً خلال العام، أي حوالي 90 مليون ل.س في 2013 حصلتها وزارة التعليم من رسوم دفعها طلاب جامعة دمشق المتقدمين للسكن الجامعي، وقد حصل هؤلاء الطلاب بالمقابل في عام 2014 على غرف مكتظة بخدمات سيئة، يتسلمونها قبل امتحاناتهم بشهر فقط. أما أحدث مستجدات مدينة دمشق الجامعية، فهي الطوابق المخصصة لغير طلاب جامعة دمشق، ليبقى السؤال: ماهي الرسوم المفروضة على هؤلاء، أي من يقبض ثمن تخصيص طلاب الجامعات الخاصة، ومتطوعي مليشيات عسكرية (كتائب البعث) بطوابق في المدينة الجامعية؟!