أختام مسروقة وموظفون حكوميون متورطون بالتزوير عرب وأجانب حصلوا على الجنسية السورية.. وآخرون تلاعبوا بسجلات حكومية
بشكل علني، انتشرت صحفات على مواقع التواصل الإجتماعي وخاصة «فيسبوك»، مهمتها كما تدعي تقديم تسهيلات للسوريين وغيرهم، باصدار وثائق ثبوتية من جوازات السفر وبطاقات شخصية وشهادات قيادة السيارات، وشهادات جامعية وما إلى ذلك، لكن بأسلوب غير شرعي، ووثائق مزورة، وتتنافس هذه الصفحات كما تتنافس الشركات، على جودة الخدمات والأسعار.
«قاسيون» حاولت التواصل مع إحدى هذه الصفحات، واستطاعت الوصول لأحد الأشخاص الذي يقدم خدمات إصدار هذه الوثائق، علما أنه مقيم في السويد، وبدأت المفاوضات بين الطرفين حول عدة أوراق مطلوب تزويرها لمتابعة التحقيق، لكن هذا الشخص، والذي يعمل أيضاً بتهريب البشر من سورية وغيرها إلى أوروبا، رفض في البداية تزويدنا بأية معلومات حتى يتأكد من حقيقة مبتغانا، وعلى مدار أكثر من أسبوع، استطعنا بناء شيء من الثقة للحصول على عروض الأسعار والخدمات دون دفع «رعبون».
جنسيات سورية مزورة
أكثر من يطلب وثائق جوازات السفر والبطاقات الشخصية، هم «السوريون المتورطون بالأحداث، وبحاجة للهروب من البلاد، أو حالات أخرى لاندري ماهي بدقة، كوننا لا نتدخل بأسباب الزبون، إضافة إلى العرب الراغبين بالهجرة غير الشرعية إلى خارج بلادهم، وهم بحاجة لتغيير جنسيتهم إلى سورية كي يحصلوا على امتيازات في دول اللجوء» بحسب المهرب.
وتابع «المهاجرون العرب يلجؤون إلى تغيير جنسيتهم لسوريين، بهدف إجراء مقابلات تبيان الوضع مع الجهات المعنية بالدول الاوروبية والحصول على إقامات بشكل أسرع، كي يحظوا بمنازل للسكن وراتب قبل باقي الجنسيات، كون السوريين والقادمين من سورية لهم الأولوية في دول اللجوء بذلك».
وأكد المهرب، بأن «أغلب الدول الأوروبية تضع شروطاً معقدة للإقامة إلا للسوريين والقادمين من سورية كالفلسطيني السوري، وهذا مايدفع العرب لتزوير وثائق سورية»، مضيفاً «يتم تدريب صاحب الجنسية الجديد على لهجة بلدته ومعالمها في سورية، والحصول على هذه الوثائق يتم بعد وصول المهاجر إلى أوروبا، وادعائه أمام السلطات بأن وثائقه قد فقدت أثناء رحلة اللجوء في البحر، وأنه سيقوم بإحضارها من بلادها فوراً».
بالتلاعب.. وثائق رسمية موثقة بالسجلات!
المهرب أو وسيط عمليات تزوير الوثائق، يبلغ من العمر 27 عاما، أكد لنا بان وثائقه ليست مزورة مئة بالمئة، وقال إن «هذه الوثائق صادرة فعلاً من دوائر الحكومة في سورية، عبر معارف وموظفين كان يتعامل معهم عندما عمل في تعقيب المعاملات سابقاً في سورية».
وأردف «أنا قادر على إصدار ماتريدون من الوثائق بشكل رسمي ومختومة من مصادرها، وهي البطاقات الشخصية، ولاحكم عليه، وشهادة ثانوية عامة، ومعاملات زواج، وجواز سفر، وقيد نفوس، وضبط شرطة، ودفتر عائلة، واجار منزل، وتملك أرض وغيرها الكثير».
وفصل المهرب ووسيط التزوير، بين شرائح الزبائن، قائلاً إن «بعض الزبائن العاديين والراغبين بالهجرة غير الشرعية، لايطلبون توثيق مايطلبون في سجلات الدولة السورية، كون ذلك قد يكلفهم كثيراً من المال، وفي النهاية ليسوا بحاجة لذلك خارج البلاد»، مؤكداً وجود زبائن على مستوى اجتماعي مرموق يطلبون تزوير الشهادات الجامعية على سبيل المثال وتوثيقها بسجلات الجامعات، مهما كانت التكاليف.
أميركي بهوية سورية!
ومؤخراً، أعلن أحد الصحفيين الأميركيين، ويدعى مايك جيجيليو، أنه حصل على بطاقة شخصية وشهادة قيادة سيارة عن طريق مزورين، وتناول الصحفي عبر تحقيق أجراه حول عمليات التزوير على الحدود السورية التركية لجوازات السفر والبطاقات الشخصية وغيرها من البطاقات التعريفية، قضية انتشار «عصابات محترفة» تمتهن التزوير لمساعدة «المسلحين واللاجئين على حد سواء في التنقل بين سورية وتركيا».
بدوره، أكد رئيس فرع الهجرة والجوازات بدمشق العميد فواز أحمد، بأن «الجهات المختصة، وبعد التدقيق تمكنت من إلقاء القبض على بعض العناصر العسكرية -عددهم قليل- العاملة ضمن دائرة الهجرة والجوازات أثناء قيامهم بعمليات تزوير لجوازات سفر، وتم نقلهم إلى خارج ملاك الدائرة».
أختام مسروقة والانتربول يساعد
وتابع «بعض العصابات الارهابية استطاعت السطو على عدد من جوازات السفر الخامية (البيضاء) والأختام، في محافظتي الرقة والحسكة، وتم تعميم أرقام هذه الجوازات عن طريق الانتربول الدولي، ومراكز الحدود»، مؤكدا أن «وزارة الخارجية ودائرة الهجرة والجوازات كشفت عن عصابات دولية تنتشر بكثرة، وخاصة في بلغاريا، تعمل على تزوير جوازات السفر ضمن غرف سرية»، مضيفا أن «إدارة الأمن الجنائي تتواصل مع الانتربول الدولي بشكل فاعل حتى هذه اللحظة».
ومن جهته، أكد مدير فرع الأمن الجنائي نظام الحوش، انتشار عمليات تزوير البطاقات الشخصية والأوراق الثبوتية، وقال «يتم ذلك بسبب لجوء بعض المواطنين إلى معقبي المعاملات، وتكليف أشخاص يقومون بعمليات التزوير، لإتمام الإجراءات القانونية لهم».
وقال الحوش إن «الجهات المختصة تمكنت من كشف عدة غرف عمليات، وألقت القبض على العشرات من المزورين الذين يديرونها، وكان بحوزتهم أختام مزورة، حصلوا عليها من قبل شخص يعمل في لبنان»، مؤكدا أنه «لم يثبت حتى الآن إتمام أي عملية تزوير بالتعاون مع الموظفين الرسميين بهذا الصدد»، وشدد على أن «عقوبة التزوير بغرض جنائي تصل من 5 إلى 13 سنة من السجن».
وأشار إلى أن «لدى إدارة الأمن الجنائي أجهزة تكشف الهويات المزورة»، لافتا إلى أن «عدد الحالات التي تم ضبطها من شهر شباط الماضي حتى اليوم هي قليلة جدا».
وثائق الكترونية لم تر النور
رئيس فرع الهجرة والجوازات بدمشق، ومدير فرع الأمن الجنائي، أكدا بوجود دراسات لتعديل جوزات السفر، والبطاقات الشخصية، بحيث تكون الكترونية و«مستحيلة» التزوير على حد قولهم، وبدوره أكد أيضاً، مدير إدارة المرور اللواء طلعت سلام، بأن المرور تدرس أيضاً إصدار شهادات قيادة الكترونية صعبة التزوير، وتساعد رجل الشرطة، إضافة إلى أنها تحمل جميع المعلومات الخاصة بحاملها، ويمكن عن طريفها كشف المخالفات المرورية ومايترتب على حاملها من ضرائب، لافتاً إلى أن المشروع هو من ضمن عدة مشاريع كانت قائمة، ولكن الأزمة حالت دون إتمامها.
ويشار إلى أن هذه المشاريع تم الإعلان عنها منذ سنوات ماقبل الأزمة في البلاد، ورغم الحاجة الماسة إليها، إلا أنها لم تر النور حتى اليوم، ولم يأكد أحد من المسؤولين التاريخ المتوقع لصدورها والعمل بها، ماقد يعطي دافعاً للمزورين إلى التوسع بعملهم.
وبحسب أرقام صادرة من وزارة الداخلية مؤخراً، فقد وصل عدد البطاقات الشخصية المزورة التي تم ضبطها في جميع المحافظات السورية إلى ما يقارب 1458 بطاقة مزورة حتى شباط العام الماضي، وكانت محافظة حلب تضم أكتر حالات التزوير، وسجلت فيها حوالي 340 بطاقة مزورة في حين سجلت محافظة دمشق وريفها 300 بطاقة مزورة مضبوطة.
وبينت الأرقام، أن عدد البطاقات المضبوطة في محافظة حمص بلغت ما يقارب 200 بطاقة شخصية، في حين وصل عددها في محافظة حماة إلى 150، وفي محافظة إدلب بلغ عددها 100بطاقة، في حين سجلت محافظة درعا 70 بطاقة، ومحافظة السويداء 23 بيطاقة، وأشارت الوزراة إلى أن عدد الهويات المزورة بلغت في محافظة دير الزور 200 هوية مزورة في حين لم تسجل محافظة الحسكة إلا 22 هوية، بينما بلغ عدد الهويات المزورة في محافظة اللاذقية 40 هوية ومحافظة طرطوس 13 هوية.
وبيّنت الإحصائيات، أن عدد العصابات المضبوطة في جرم تزوير الهويات الشخصية حتى شباط الماضي، وصل إلى 12 عصابة في سورية إلا أن هذا الرقم لا يعطي صورة حقيقية عن عدد العصابات التي تعمل في هذا المجال.
وأكد نقيب محامي سورية نزار علي السكيف أن انتشار ظاهرة تزوير الهويات الشخصية في سورية يدل بشكل واضح على أن هذه العصابات تعمل بشكل منظم وضمن مخطط مرسوم .
وبحسب القانون السوري، فقد نصت المادة 448 بأنه يعاقب جميع الأشخاص الذين يرتكبون جرم التزوير بالأوراق الرسمية بالأشغال الشاقة المؤقتة، ونصت المادة 151 بأنه يعاقب بالعقوبة نفسها كل من أبرز وهو عالم بالأمر وثيقة مقلدة أو كاذبة أو محرفة أو منظمة على وجه يخالف الحقيقة ومعدة لأن تكون أساسا إما لحساب الضرائب أو الرسوم أو غير ذلك من العوائد المتوجبة للدولة.
ولفتت المادة 152 أنه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين من أبرز هوية كاذبة بهدف الحصول على جواز سفر أو بطاقة تسهيل مرور.